معرض باريسي يرصد انبهار الغرب بسحر الشرق
باريس / متابعات :"بيار لوتي: اشباح الشرق" عنوان المعرض الذي يشهده متحف "الحياة الرومنطيقية" في باريس وهو عبارة عن محاولة لتتبع خطى الكاتب والفنان الفرنسي المستشرق جوليان فيو (1850-1930) المعروف ببيار لوتي الذي سقط كالعديد من فناني وكتاب ومصوري القرن التاسع عشر اسير سحر الشرق. والمعروف ان بيار لوتي كاتب وروائي لكنه ايضا رسام كما يتضح من المعرض المستمر حتى الثالث من كانون الاول/ديسمبر والذي يضم عددا من لوحاته وكذلك رسومات وضعها عن اسفاره بهدف كسب عيشه واعالة اسرته التي بقيت في مدينة روشفور شمال فرنسا. وتولد تعلق لوتي بالشرق اساسا من مهنته كضابط بحرية بعدما انخرط في صفوف الجيش وعاش طويلا في تركيا قبل ان يلتحق بسفير فرنسا في المغرب وغيرها. وعاد بعدها ليقوم بعشرات الرحلات الخاصة الى كل تلك الامكنة التي عرفها واحبها وحاول اختراق سرها. ويضم المعرض بعضا من رسومات لوتي الأربعمائة. وتعود اقدم رسومه الى رحلاته الاولى والمحطات التي توقف فيها مثل السنغال وبولينيزيا التي نقل منها رسوما لتماثيل الهنود الموشومين. وكان لوتي يرسل تلك الرسوم الى احدى المجلات الباريسية فتنشرها وتدفع له بدلها. لكن النجاح المتتالي لكتبه القائمة اساسا على الوصف وكتابة المذكرات والسيرة الذاتية وانطباعات السفر، صرفه عن الرسم ما جعل الكتابة تحتل المساحة الاوسع في حياته.وجعلت اعمال بيار لوتي الادبية منه احد ابرز كتاب عصره. ويشكل المعرض دعوة للسفر في عالم الكاتب والفنان. وعلى خطاه يسير الزائر متتبعا هذا الانجذاب الكبير نحو الشرق وايضا نحو الاسلام. وقال لوتي في كتاباته "اشباح الشرق" (1892): "سحرني الاسلام حين كنت اسكن ضفة البوسفور وخضعت بالف طريقة لهذا السحر المولود في الاشياء، في الرسوم، في الالوان" والقرن التاسع عشر هو الذي رافق لوتي وجعله يحول بيته في روشفور الى متحف يضم مسجدا وغرفة زرقاء واخرى يابانية فيما يعتبر احد اجمل بيوت الكتاب في فرنسا. غرفة بيار لوتي الزرقاء التي يمكن زيارتها في روشفور، اعاد منظمو المعرض تركيب اجوائها في باريس خصوصا في القسم الذي يضم الاشياء التي هي على علاقة مباشرة بالفنان مثل بورتريهات وصور له ولعائلته. وجاء اختيار المنظمين للنصوص المبكرة وفيا لعوالم لوتي الحالمة ما يعطي دفعا شعريا للمعرض. احدى القاعات خصصت للمرأة الشرقية التي تبدت للكاتب الفرنسي غامضة دائما تظهر من وراء وشاح ثم تختفي سريعا. واحب لوتي تركيا واسطنبول وصدر له عام 1876 كتابه "ازيدي" عن هذا البلد وعن امرأة تركية رسمها الكاتب عن بعد. ويعكس الكتاب حبه الكبير لتركيا الذي رافقه كل حياته.والى جانب العبارات التي اقتبست من كتابات لوتي، عرضت لوحات لمستشرقين آخرين صوروا نساء الشرق مثل "بورتريه لنساء من المغرب" لدي لا كروا او لوحة اخرى لـ"شابة شرقية غريبة" بدت بكامل زينتها من دون ان تتخلى عن نظرتها الحزينة للبلجيكي جان فرانسوا بورتاييل. ويأتي مستشرق آخر هو الرسام ايجين فرومانتان ليضيف الى عوالم الشرق التي اراد منظمو المعرض تكوينها تماشيا مع اوصاف لوتي فيصور "قهوة في البليدة" في الجزائر، وغابة الزيتون. وكتب "اريد ان اوقف الوقت" متنبها الى اختلاف ماهية الوقت وطريقة التعاطي معه بين الشرق والغرب امس كما اليوم، وقد اراد الكاتب الفرنسي الذي قال "روحي نصفها عربي" ان يدخل تلك اللوحة الشرقية ليكون جزءا من ضوئها ولونها ونسيجها. لذلك تظل لوحة البورتريه التي حملت عنوان "اشباح الشرق او بيار لوتي امام اسطنبول" للوسيان ليفي ديرمر، الاحب على بيار لوتي حيث يظهر الشرق كما يحلم به بمنارات مآذنه وضوء قمره وكثير من الاضواء التي تلتمع في عتمة البوسفور. هذه الشخصية المركبة والآسرة التي يكونها الزائر عن لوتي المسحور بالشرق في المعرض، ترسم صورة تبدو مختلفة تماما عن الصور التي يراد صنعها لهذا الشرق الجديد الذي لم يتغير وللإسلام.