دبي/ بقلم/د.شهاب غانم:يعتبر المحامي الصحفي محمد علي ابراهيم لقمان المولود بعدن في 6 نوفمبر 1898م والمتوفى في جدة أثناء أداء فريضة الحج في 22 مارس 1966م رائد النهضة الفكرية والأدبية بعدن ومن الذين اسهموا في تطور الحياة السياسية في عدن خصوصاً في الثلث الثاني من القرن العشرين كما اسهم في حركة الاحرار السياسية ضد الطغيان الامامي في شمال اليمن بعد صدور صحيفته "فتاة الجزيرة" عام 1940 .وقد لعب لقمان ايضاً دوراً مهماً في الحركة الاصلاحية في عدن من خلال نوادي الاصلاح وكان مديراً للنادي في مدينة عدن (كريتر ) كما لعب دوراً مهماً في الحركة الادبية من خلال تأليف الروايات وأولها رواية "سعيد" التي نشرت في الثلاثينيات من القرن الماضي فكانت بذلك أقدم رواية يمنية ومن خلال تأليف كتب الرحلات في بلاد الصومال وبلاد الظاهر وغير ذلك ومن خلال إنشائه وترأسه مخيم أبي الطيب الذي كان نادياً أدبياً نشيطاً في عدن وكان والده على ابراهيم لقمان رئيس إدارة الدولة العربية بعدن أما هو فأشتغل بالتعليم في أول الامر ولكن الاستعمار البريطاني طرده من العمل لمقالة نشرها في الهند ينتقد فيها سياسة التعليم بعدن ولكن هل كان لقمان شاعراً ؟ يقول الشاعر والمسرحي اليمني المصري الكبير على أحمد باكثير في إحدى قصائده الموجهة لصديقه الحميم محمد علي لقمان في أوائل الثلاثينيات :رأيت رسائلـــــــــــك الوافيــــة[c1] *** [/c]عقوداً من الدرر الغاليةفشعر رقيق أسير القوافي[c1] *** [/c] وشعر طليق بلا قافيــة وهذا البيت الاخير يؤكد أن لقمان كان في تلك الايام يقرض الشعر ويطلع باكثير على بعض ما يكتب وهذا ما تأكد لي عندما تسلمت منذ أيام قصيدة بخط لقمان بعثها اليّ الصديق الاديب الدكتور محمد أبوبكر حميد السعودي الجنسية يمني الاصل الذي ألف أطروحة دكتوارة ودراسات عدة عن باكثير الذي كان كما يبدو حريصاً على الاحتفاظ بمكاتبات الاصدقاء والادباء .هذه القصيدة وقصيدة أخرى أدرجها لقمان في سياق رواية سعيد بدون أية مقدمات هما كل ما استطعت أن أجد من نظم للقمان ولقمان نفسه كتب في مقالة في فتاة الجزيرة بعنوان "شعراء عدن" عام 1941 ونقلها د.عبدالعزيز المقالح في كتابه " أولويات النقد الادبي في اليمن "ومنها" ..ويعود الفضل في وجود عدد من الشعراء في عدن الى بعض النوادي الادبية التي اسست فيها منذ أكثر من ستة عشر عاماً فقد كان عندئذ يفد على المدينة شعراء وشخصيات بارزة من ابناء العرب كالسيد عبدالرحمن بن عبيد الله والشيخ على باكثير والسيد عبدالله بن يحيى فتحتفل بهم النوادي ويسمع اعضاؤها القصائد الرنانة في طلب المجد والحث على خدمة الاوطان وتكررت هذه الحفلات وسرت عدوى الشعر الى بعض الشباب حتى إلي فقلت كما قال غيري شعراً لا قيمة له البتة إلاّ أنه خلق شعراء ثلاثة هم عبدالمجيد الاصنج والسيد محمد عبده غانم وعلي لقمان ..".وأنا شخصياً لا أتفق مع الرأي أعلاه فالشعراء الحقيقيون لا تخلقهم النوادي وإن كانت قد تساعد على صقل مواهبهم والاسراع بنضجهم خصوصاً إذا احتكوا فيها بأدباء كبار .وعلي لقمان هو الابن الاكبر لمحمد علي لقمان وهو شاعر كبير له العديد من الدواوين والمسرحيات الشعرية وكثير من العرب من غير اليمنيين وربما من اليمنيين أيضاً في هذا الزمن يخلطون بين الاب وابنه علي محمد لقمان فيظنون أن لقمان كان شاعراً بينما قد أوضح هو نفسه أنه نظم شعراً لا قيمة له كما عبر عن اقتناع كما أرى وليس عن تواضع فقد كان محباً للحقيقة واضحاً في آرائه وأذكر أنني كنت أمشي معه ومعنا شقيقي الأكبر قيس محمد عبده غانم (اختصاصي الاعصاب الشهير المقيم بكندا) وكنا قد فرغنا للتو من اللعب معه لعبة التنس في نادي صيرة للتنس وكنا في نحو العشرين من العمر وهو في الستينات وجرى بيننا نقاش فكري عن مواضيع الروايات الادبية فقال لنا إنه يرى أن موضوع لعبنا للتنس معه يصلح أن يكون موضوع رواية أو قصة فقلنا له إن هذا الموضوع لن يهم القارئ كثيراً فالقارئ يهمه أن يقرأ عن الأمور الجسام فقال لنا أختلف تماماً معكما في الرأي فهذا الموضوع يمكن أن يكون شيقاً ومهماً وعلى كل حال من تعرفون في عدن لعب مع أحفاده التنس في ناد للرجال أليس هذا أمراً نادراً بل وأظنها الحالة الوحيدة حتى الآن في تاريخ هذا البلد .ونعود للقصيدتين أما الأولى فهي منشورة في رواية سعيد التي أعيد نشرها ضمن مجلد يحوي معظم أعمال لقمان بعنوان "المجاهد محمد علي لقمان المحامي – الاعمال المختارة " قام بجمعها والتقديم لها أ.د. أحمد علي الهمداني بدعم من المهندس ماهر محمد علي لقمان .ولذلك لن نقف طويلاً مع القصيدة إذ يستطيع المهتم أن يعود إليها ولكنا سنتوقف معها قليلاً للحظات فمطلعها :قلب يذوب ومهجة تتقطع[c1] *** [/c]وصبابة تلد النحول وأدمع وأسى يذوب فيستبد بأضلعي[c1] *** [/c]وسهاد صب والبرايا هجعوهي في 48 بيتاً حسنة النظم يبدو أنها من نظم بطل الرواية سعيد ويخاطب فيها حبيبته زهراء ويتحدث عن الجهاد في سبيله وسعيد يمزج فيها بين حبه لحبيبته ووطنه وهذه القصيدة الطويلة تأتي في القصة وكأنها خارج السياق بدون مقدمة ولكن مايهمنا هنا هو الناحية الفنية للقصيدة بشكل رئيس فأول شطر من القصيدة أي " قلب يذوب ومهجة تتقطع" هو أول شطر في مطلع قصيدة للشاعر العراقي عبدالغفار بن عبدالواحد بن هبه الملقب "بالاخرس" وقد عاش من 1810 إلى 1873 .ولا أدري كيف حدث ذلك فلقمان لم يضع الشطر بين قوسين ليبين أنه مقتبس وأغلب ظني أن لقمان كان يملك ديوان الاخرس وتأثر به لا شعورياً فنسج القصيدة على نفس الوزن والقافية ولكنه لم يقتبس من الاخرس إلاّ الشطر الاول من المطلع فقط ثم عبارة " يا أيها القمر المنير" في بداية البيت رقم "15" وهي عبارة استعملها الاخرس نفسه في قصيدة أخرى له حيث يقول: يا أيها القمر المنير وأيها الغصن الرطيبوهذا مما يقوي اعتقادي أن لقمان كان يملك ديواناً للاخرس الذي توفى قبل ميلاده بنحو ربع قرن .وإذا قارنا هذه القصيدة بالقصيدة الاخرى التي بعثها لقمان الى باكثير (وفي حواشيها بعض علامات الاستفهام كأنه يطلب من باكثير التعليق لتحسين القصيدة) نجد أن القصيدة في رواية سعيد قصيدة حسنة وإن كانت تقليدية ولأن رواية سعيد نشرت في أواخر الثلاثينيات كما أظن بينما القصيدة الاخرى تعود الى أوائل الثلاثينات عندما كان الاتصال بين لقمان وباكثير قائماً وقوياً فيمكن الاستخلاص أن لقمان كان قد حسن من شعره أو أن القصيدة في بداية سعيد خضعت للمسات تحسينية على يد شاعر مقتدر وأغلب ظني أن ذلك الشاعر هو والدي محمد عبده غانم رحمه الله خصوصاً أن لقمان في الاهداء الذي بخط يده في الصفحة الاولى من الرواية الى والدي يقول : "الى الاستاذ محمد عبده هدية من والد الى ولده ذكرى ما اسديته من المساعدة – محمد علي لقمان" ويغلب ظني أن المساعدة كانت في لمس القصيدة لأن لقمان ما كان في حاجة للمس الرواية وإن كان والده قد طلب من والدي أن يراجع الرواية بشكل عام كل هذه مجرد تخمينات وقد يكون لقمان طلب من ولده على أن يلمس القصيدة وإن كان خالي علي محمد لقمان كان مازال يافعاً دون العشرين ولا أظن أن الذي لمسها باكثير وإلاّ لوجدنا المسودة بين لأروقة فهو كان حريصاً على الارشفة ثم أن باكثير كان قد غادر عدن في 1933م وتقلصت الاتصالات ثم نأتي الى القصيدة الاقدم التي وجدها الدكتور محمد أبوبكر حميد بين أوراقه باكثير وهي في نظري مهمة لكونها وثيقة نادرة بخط علي لقمان ثم إنها تلخص أفكار لقمان فيما يخص أهمية الوطنية والعروبة والاسلام وموقفه المحذر من التغريب والقصيدة تتحدث عن نادي الاصلاح ورسالته وتهيب ببني الوطن وأمة العرب أن يساندوا هذا النادي في أداء رسالته.وكان الدكتور حميد قد حضر الندوة التي أقامتها جامعة عدن لرد الاعتبار لرائد النهضة الصحفية والثقافية والسياسية في عدن محمد علي لقمان المحامي الصحفي في نوفمبر 2006م في جامعة عدن وعندما اشتم الدكتور من بعض أوراق الندوة في الليلة الوحيدة التي حضرها محاولة لإلصاق تهمة التغريب بلقمان طلب الكلمة وبين أن لقمان عاش مجاهداً من أجل وطنه وأمته وينتمي في فكره ومنهجه لحركة التنوير الاسلامي واعلامها الكبار أمثال محمد رشيد رضا وشكيب أرسلان وعبدالعزيز الثعالبي وعبدالقادر الجزائري وكل واحد من هؤلاء ينتمي لقطر عربي مختلف ولكن رسالتهم واحدة وقال إن لقمان عاش حياته محذراً من التغريب الذي يرتبط بالولاء الفكري للاستعمار قرأ د. حميد على الحضور بعض أبيات القصيدة المكتوبة بخط لقمان وتقول فيما تقول :إني أح```ذركم فلا تصغوا الى[c1] *** [/c]قول الوشاة أئمة البهتانيسعون في التغريب بينكم لكي[c1] *** [/c]تبقوا كما يهوى الحقود الشانيوقد أحسن الدكتور حميد الظن بشاعريتي فطلب مني أن أراجع القصيدة وألمسها إن لزم ولكني أثرت إن أتركها عل حالها فيما عدا حذف الابيات التي كان الاستاذ لقمان ينوي أن يحذفها كما يبدو من أرقام في حاشية المسودة – وهي الابيات الاضعف على كل حال – ولم أغير سوى كلمة أو كلمتين وهكذا تظل القصيدة وثيقة صادقة لأفكار لقمان بصرف النظر عن مستواها الفني والقصيدة كما يلي :حي النهوض لخدمة الاوطان[c1] *** [/c]حي الشباب العرب من قحطــــانحي الرقي وأهله ودعاته[c1] *** [/c]حي رجال الفضل والعرفانحي رجالاً أسسوا النادي[c1] *** [/c]وللاصلاح قاموا قومة الشجعانبشرى لموطننا العزيز برفعة[c1] *** [/c]تسموا على الجوزاء والميزانعدن نحييها ومن في سوحها[c1] *** [/c]من كل أروع في ربى شمسان فخر البلاد ومجدها بخلودها[c1] *** [/c]بالذكر للانسان بالاحسان ربح الذي قد حاز عمراً خالداً[c1] *** [/c]من أجله باع الوجود الفانيإيه بني العرب الكرام تيقظوا[c1] *** [/c]ولتنهضوا .. لاعيش للوسنانهبوا لطرد الجهل من اوطانكم[c1] *** [/c]ان الجهالة والشقا صنوانايه بني وطني وآه منكم[c1] *** [/c] أن تثبتوا العلم في الشبانوتؤازرونا كلكم وتناصروا[c1] *** [/c]مشروعنا بالمال والابدانفالعلم أشرف حلة يزهى بها[c1] *** [/c] وبه تفاضل نوعنا الانساني هبوا لنفع بلادكم وتنبهوا[c1] *** [/c]هبوا وصدوا سورة العـدوان إن البلاد تعيسة وفقيرة[c1] *** [/c]وابن البلاد كلابس الاكفانثب ايها الوطني قد لاح الضيا[c1] *** [/c]واجعل طلابك نصرة الديانثب إن شمس السعد بازغة وقد[c1] *** [/c]حق النجاح لعامل يقظانوانصر أخاك وصن بلادك واحمها[c1] *** [/c]وبع الحياة لرفعة الاوطانودع التغزل في المغاني والصبا[c1] *** [/c]واجعل جهادك في رضا الرحمن واترك معاقرة الخمور وأهلها[c1] *** [/c]لاخير في النشوان والسكرانلا فضل إلاّ للرجال إذا مضوا[c1] *** [/c]متضامنين لخدمة الاوطانما للتخاذل والتنابذ اسسا[c1] *** [/c]في ربعنا هرما من الصوانالمسلمون المخلصون لدينهم[c1] *** [/c]يتساندون تساند البنيان وطني عليك أنوح أبكي دائـماً[c1] *** [/c]والقلب منفطر عليك يعاني إني أحذركم فلا تصغوا الى[c1] *** [/c]قول الوشاة أئمة البهتان يسعون في التغريب بينكم لكي[c1] *** [/c] تبقوا كما يهوى الحقود الشاني
|
ثقافة
محمد علي لقمان ..شاعراً
أخبار متعلقة