حكاية
أمل حزام نظرت في صباح ممطر إلى السماء عبر نافذة الغرفة وأنا مازالت مستلقية استثقل القيام من سريري الدفئ اتأمل المطر وهو يهطل بغزارة هذا اليوم تعجبت من كسلي وعدم قدرتي على القيام ولكن عقارب الساعة أصبحت بقوة تذكرني بواجبي في الذهاب إلى المدرسة ، سمعت خطوات أمي اتية الي .. فتح الباب وهاهي امي تبتسم لي قائلة : قومي حبيبتي قد تتأخرين على وقت قرع الجرس وهي تفتح الستائر ثم تضيف قائلة : - أحب هطول المطر ثم تحركت إلى ناحيتي تاركة قبلة ساخنة إيقضتني من نومي فذهبت إلى الحمام واستعدت نشاطي كاملاً بشربي كوباً من الشاي الساخن أخذت حقيبتي المدرسية وأنا ألاطف كلبي ( حميم ) ثم القيت التحية على السائق محمد وهكذا . وتحركت بالسيارة إلى المدرسة وصلت ورأيت زملائي يدخلون مدرستنا الخاصة باسم ( الملكة ) وكلاً حاملاً مظلة وما أن دخلت حتى شعرت بالدفئ وكالعادة بدأت الدروس تمطر علينا والواجبات غزيرة مثل المطر في الشارع ، مر الوقت بسرعة ونحن ننتقل من حصة إلى أخرى دقت الساعة الثانية عشرة والنصف انتهاء اليوم المدرسي فتحرك كل منا إلى حديقة المدرسة ونحن نسمع قرع الجرس كم كانت فرحتي بخروج الشمس بدفئها وهدوء الطبيعة وزقزقة العصافير . ودعت زملائي ركبت السيارة ذاهبة إلى البيت وأنا في طريقي أتأمل الطبيعة وقد غسلتها الأمطار وارتفعت أمواج البحر تضرب بالحجار الشاطئ فأصبح الهواء نقياً والأرض جميلة المنظر حينها القيت نظرة على نفسي عبر المرآة ورأيت نظراتي مازالت تائهة وأنا اشعر بالوحدة رغم كثرة زملائي الا أنني كنت مازلت لا أملك صديقة واحدة أمر عجيب كان يضايق حتى أمي الا إنها لا تحرجني بالسؤال .قابلني أبي وأنا ادخل الفيلا ليقول لي حبيبتي كيف الحال تبادلنا قبل المحبة وارتميت في حضنه لا شعر بالأمان فأنا أحب أبي كثيراً ، دخلنا إلى غرفة المعيشة فقال لي أبي : - ماذا بك صغيرتي .- لاشيء كالعادة أبي لا توجد صعوبة في الدراسة .- أرى إنك مازالت تشعرين بالضجر رغم كل الترف الذي أوفره لك .- نعم أبي أشكرك كثيراً ولكنك علمتني الصراحة والصدق .- نعم هناك شيء افتقد له ولكن لا تقلق اعتقد أنني سأتدارك الأمر .قال أبي : نعم أنا واثق منك ثم قال تحركي جميلتي .كنت اتضايق من هذه الكلمة فأنا حقيقة لست جميلة ولا قبيحة بل كنت أدعو نفسي بالفتاة العادية فكان قوامي رشيق إلى حد النحالة وكل ملامح وجهي صغيرة فأشعر بإني لا أملك الجاذبية التي تمتلكها الفتيات الجذابات .هذه أنا ليلى ، تجمعنا حول مائدة الغداء كالعادة وبدأ أبي يتكلم باللغة الانجليزية فهو أستاذ في جامعة أمريكية يدرس علم النفس ولهذا كان يفهمني كثيراً ويعطى لي كتباً كثيرة للقراءة والتلخيص ، أما أمي فكانت طبيبة قلب في إحدى مستشفيات مدينتنا الخاصة فكان الحوار يدور حول البطالة ودور المجتمع في مساعدة هؤلاء الشباب الذين يتعرضون للضغوط النفسية فيصبحون خارج القانون ، نعم مآساة .. ثم تحول النقاش إلى عدة مواضيع مختلفة ومثيرة فكان أبي يصر على ضرورة إجادة اللغة الانجليزية من أجل أن أتعلمها واتقنها .. أنا ايضاً إلى جانب هذه اللغة كنت ادرس اللغة الفرنسية والزاماً في البرنامج المدرسي . انتهيت من غدائي وذهبت اكتب واجباتي المدرسية حتى انتهيت منها فاستلقيت ساعة للراحة ، وسمعت وأنا في سبات نومي صوت ( حميم ) يناديني للعب معه قمت وخرجت إلى الحديقة فاستقبلني لكل فرحة وهو يحمل كرته الصغيرة لأرميها بعيداً وهكذا بدأنا باللعب والجري هنا وهناك ثم في لحظة إخترق الزمان عالمي وسمعت البواب يصرخ في أحد قائلاً :- أذهبي هيا أذهبي هذا مكان محترم . إقتربت من البوابة لأرى فتاة بسني تقريباً تحمل صحفاً وهي تقول له أرجوك اشتر مني ولو واحدة أنا بحاجة للنقود ، واستمر البواب يطردها ، وفي هذه اللحظة شعرت بوخزه في قلبي وطلبت من البواب أن يدخلها رغم رفضه وهو يقول . - آنستي لاداعي ستأتي المدام قريباً وستؤنبني على هذا العمل . نظرت إليه بكل صرامة قائلة : قلت لك ادخلها ثم فتح الباب تحت إصراري فدخلت بائعة الصحف إلى حديقة البيت وطلبت منها الجلوس .في البداية رفضت أن تجلس ثم جلست بعد إصراري وهي تنظر إلي بتعجب على الأريكة البيضاء وقالت :- آنستي أنت إنسانة محظوظة تملكين هذا كله وحدك .- ابتسمت قليلاً ثم قلت لها : نعم - ولكني اشعر بالضجر والوحدة ، حينها اقتربت مني وشعرت بصدق كلامي فقالت لي : - نعم أفهمك أنا ايضاً وحيدة . ذهبت مستعجلة إلى المكتبة أخذت بعض النقود ورجعت إليها بسرعة أعطيتها النقود وأنا أقول لها. أبي أستاذ في الجامعة يحب قراءة الصحف ولهذا سيفرح اذ جلبت له الصحف يومياً إلى البيت ، ثم طلبت من الخادمة أن تجلب لنا بعض الشطائر والكعك والعصير وجلسنا نتكلم عن المدرسة والدروس والمعلمين ونحن نأكل ونشرب وفجأة قامت وهي تقول : شكراً لك آنستي .قلت لها : إسمى ليلى فقالت لي وهي تشرع في الخروج أنا إسمى نسمه قلت لها : - هل ستأتين غداً قالت : نعم سآتي غداً ابتسمت لي وهي تخرج ورأيت جمالاً يفوق التعبير ينبع من عينيها رغم فقرها ومشاكلها فقد كانت فتاة جميلة ذات عينين واسعتين بلون اسود وشعر جميل اسود وبشرة بيضاء قد هاحمتها أشعة الشمس فأصبح لونها قريباً إلى البرونزي المحروف .ذهبت نسمه فشعرت بطاقة وحيوية طوال المساء وانتظرت بفارق الصبر أبي وأمي لنجلس على مائدة العشاء وأنا اسرد لهم قصة بائعة الصحف وكيف قضيت معها وقتاً ممتعاً فقلت لأبي اشتر منها الصحف فهي بحاجة للمال وشرحت له كم هي لطيفة وأنها تعارك الحياة لتذهب إلى المدرسة وتعمل في وقت فراغها فطلبت منه أن يسمح لها بزيارتي واللعب معي فتعاطف أبي معها وشجعني على عمل الخير وشكرني على هذه البادرة الطيبة وسمح لي بمقابلتها ولكن داخل البيت وبعد الانتهاء من الواجبات المدرسية شكرته كثيراً لتفهمه ولأول مرة شعرت أن وجودي في هذه الدنيا مفيد .هكذا تغيرت حياتي بظهور نسمة فيها نعم كانت هي نسمة عابرة ولكنها توقفت عند الفيلا لتصبح صديقتي الوحيدة هكذا أصبحنا صديقتين حميمتين فكنت ادعوها إلى كل احتفالاتي وأخذها معي إلى النوادي والأسواق للتبضع وأعطي لها كل مايلزمها من ثياب ونقود وحذاء وحقائب وهدايا حتى أصبحت مثل ظلي لانفترق إلا في المساء .جاء اليوم الموعود .. تخرجت من الثانوية ودخلت أنا الجامعة أما نسمة فأضطرت لفترة إلى الذهاب إلى قريتها لمساعدة أمها المريضة فهي كانت تسكن مع خالتها والتي كانت تساعدها حسب استطاعتها لاكمال الثانوية العامة شعرت بالوحدة بعد سفرها .ذات يوم أفقت على جرس التلفون في وقت باكر . - الو كان هذا عمي سامي يصرخ كعادته إبنة أخي الحبيبة كيف حالك .- أنا بخير - لا لامازلت نائمة هيا استيقظي كفاك كسلاً سامر بك عزيزتي وستذهب لاختيار أجمل ثوب لك ، اليوم عيد ميلادي وأنت مدعوة رسمية وبدأ يقهقه كنت لا أحب الاحتفالات الصاخبة ولكنني لا استطيع أن أرفض دعوة عمي سامي فقلت له . - عيد ميلاد سعيد عم سامي كان العم سامي أخر العنقود في العائلة هكذا قضينا النهار ونحن نجري ونشتري الهدايا والثياب للذهاب إلى أكبر قاعة في أحد الفنادق الضخمة للاحتفال بعيد ميلاد العم سامي والذي كان يعشق الحياة الليلية .- لبست ثوبي وحملت الهدية دخلت القاعة كان المكان رائعاً بالتصاميم و ( التورته ) وزحمة الناس ، أسرع عمي سامي الينا وهو يصرخ بأبي يالها من هدية .. سيارة جميلة .. كنت أحلم بها كم أنت أخ رائع ، ثم قبلني وأخذ هديتي مني وهو يقول لي استمتعي حبيبتي . وبعد فترة بسيطة شعرت بالضجر وخرجت إلى الشرفة اتأمل القمر واسمع الموسيقى – وجلست على أحد المقاعد المريحة وأغمضت عيناي وفجأة سمعت صوتاً يقول : ماذا تعمل أنسه لوحدها هنا هل تشعري بالنعاس نظرت إليه كان شاباً وسيماً جذاباً كدت افقد السيطرة على نفسي فكنت اعتقد بأني أحلم تمالكت نفسي ثم قلت له ببطء .- نعم أنا مرهقة بعض الشيء ولا أحب الضجيج كثيراً .- كم عمرك آنستي قال هذا وهو يأخذ بيدي ويقبلها بكل لطف ثم أضاف .- مازلت صغيرة السن على أن تقولي مثل هذا الكلام .- اضطربت أكثر وأكثر وهو يحاول التقرب مني فقلت له . - نعم أنت على حق .- أخذني من يدي إلى قاعة الرقص كان بارعاً في الرقص شعرت بالفخر وأنا معه وتمتعت بالسهرة ثم ودعنا بعضنا وبعد أيام التقينا في النادي وهكذا كنا نتقابل أنا وكمال وهو مهندس معماري في إحدى الشركات الكبرى ، تغيرت حياتي بدخول كمال إليها فبدأ بزيارتنا إلى البيت من حين إلى آخر ، إلى أن جاء اليوم الموعود فطلب يدي من أبى فاستدعاني أبي وهو يقول : - ابنتي كمال يطلب يدك ، هل أنت موافقة .كدت أن أطير من الفرح ولكني أخفيت مشاعري وأنا أقول أبي يبدو أنه إنساناً جاد وطيب القلب ولذا لن أفكر كثيراً أنا موافقة ، وأنا ارمي نفسي في حضن أبي .لبسنا خاتم الخطوبة في حفلة بين الأهل فقط فقد كنا نحضر للحفلة الكبرى بعد شهرين حسب تقاليد العائلة وأصبحت في يوم وليلة اسعد إنسانه في الوجود . وفي لحظة رجعت نسمة إلى حياتي فأستقبلتها بكل لهفه وأنا اسردا لها حبي وخطوبتي مع كمال ، باركت لي كثيراً وتمنيت أنا لها أن تلتقي رفيق حياتها ، جاء المساء وحضر كمال للعشاء معنا وكانت نسمة موجودة معنا فهي تقريباً أصبحت واحدة من العائلة فنظر كمال إلى نسمة بنظرات شعرت معها بوخزه في قلبي فكانت نظراته إلى نسمة تختلف عن نظراته إلي ولكني لم أعط هذا أي اهتمام ثم خرجنا للسهرة معاً ضحكنا كثيراً ورقصنا ثم جلبني إلى البيت فخرجت نسمة من السيارة معي ولكنه أصر على توصيلها إلى البيت فعادت إلى السيارة وهي تنظر إلي فقلت لها اذهبي سيوصلك إلى البيت . يوم جديد وأصبحت نسمة تقلل من مجيئها قلقت قليلاً ولكني كنت مشغولة بالحفلة والخطوبة وبحبيبي كمال ، دق الجرس رفعت السماعة وهاهو كمال يقول لي ، هنا سنتغذى خارج البيت ثم قال بصوت خافت . - هل نسمة موجودة أدعيها بالنيابة عني للغذاء معنا .- لا لم تأت منذ يومين سأكون جاهزة بعد ساعة دخلنا أحد المطاعم الفخمة وتغدينا معاً وتكلمنا في مواضيع كثيرة ولكن في بعض الأحيان كان يسأل عن نسمة فكنت أجيب بكل براءة ثم أرجعني إلى البيت فكان صامتا طوال الطريق قلت وأنا اخرج من اللسيارة .- تصبح على خير كمال . - تصبحي على خير ليلى .جاء اليوم المشوؤم .. إحداهن تتصل وتقول لي اسمعي أيتها الغبية فاعلة الخير أعرفي لمن ترمي خبزك ثم أضافت بسرعة بلهاء أنت وتلفظت بأشياء غريبة لم اتحمل كلامها أغلقت السماعة كانت هذه المرأة شريرة جداً تتكلم بالسوء عن نسمة صديقة عمري وخطيبي كمال وتقول عن نسمة بأنها خاطفة رجال وأنها قريباً ستتزوج من كمال فهو طلب يدها ووافقت هي عليه كلام فارع لايعقل .مرت ثلاثة أيام لم يتغيب كمال عني هذه المدة ثم اتصل فكان صوته غريباً طلب مقابلتي فذهبت إليه بسرعة وكلي شوق دخلت أحد المقاهى .. رايته جالساً كان وجهه شاحباً فقلت له ماذا بك كمال ؟ لكنه ظل صامتاً كان ينظر إلي بنظرات حزينة لم افهمها ولكن بعد ذلك بدأ بالكلام واتضح الأمر حين بدأ يسرد لي قصة حب عرفها حين رأى نسمة واخبرني بأنه حزين جداً ولا يعرف ماذا يفعل وطلب السماحة مني أما أنا فبقيت صامته ثم تنهدت بعمق وأنا اخلع خاتمي وأعطيه وتمنيت له السعادة ثم رجعت إلى البيت وقد بدأ المطر بالهطول بغزاره وأنا في الحديقة رأيت نسمة واقفة في وسط الحديقة تجري إلى ناحيتي وهي تتكلم ولكني لم اسمعها لان الصدمة كانت قوية نظرت إليها وقلت كوني سعيدة كوني أنت سعيدة أتسمعينني دخلت البيت وأغلقت الباب عليها ورفضت مقابلتها لا اذكر لم بقيت على هذه الحالة شهراً شهرين ثلاثة ، دخل الحزن عالمي وأصبحت وحيدة مرة أخرى ضعفت أمام القدر وقررت توديع هذه الحياة القاسية فشربت علبة كاملة من المهدئات وانتهى بي الأمر إلى المستشفى في حالة يرثى لها . حين أفقت رأيت بقربي نسمة تمسك بيدي وهي مرهقة مثلي ثم قالت :- الحمدلله على السلامة ثم أضافت صديقتي لا سعادة تبنى على سعادة إنسان آخر وأنت توأم روحي لا استطيع أن أحب او افتح قلبي لإنسان يريد أن يؤذيك أيتها الملاك الطاهر . - ذرفت دموعي وأنا أراها صادقة ، وبكيت هي ايضاً فقال أبي - هيا هيا أكره العواطف كفاكم بكاء انتهى الحزن بقيت نسمة تمسك بيدي حتى وأنا خارجة من المستشفى ، وهكذا ظهرت الشمس بعد شهرممطر لتقول لي: - صباح دافئ ليلى فأبتسمت للشمس وأنا أفكر في نفسي إذ رميت بذره الخير إلى عمق الأرض مهما مرت الأيام سيأتي يوم وتعطي شجرة وتعطي ثماراً طيبة .جلست اليوم على مكتبي اكتب مذكرات شبابي وأنا قابلت قدري وأنجبت طفلة جميلة وها نحن نستقبل العيد بفرحة في حفلة أقيمت في بيتي ونحن ننتظر أعز الناس والأصدقاء ليحتفلوا معنا ، دخلت نسمة إلى غرفتي وهي تقول لي صديقتي الضيوف في انتظارنا فمددت يدي لها وتمسكت بها ونزلنا معاً نقابل الضيوف وفجأة دخلت ابنتي وابن نسمة فهي ايضاً تزوجت ، يقولان لنا . - ماما ليلى ، ماما نسمة هناك فتاة تبيع الصحف واقفة أمام البوابة أرجوكم دعوها تدخل . نظرنا أنا ونسمة إلى بعضنا ثم خرجنا نجري إلى البوابة أمام دهشة الجميع .