من روائع الشعراء في الحنين إلى الوطن ان التعلق بالأهل والأرض يرتسم في الملامح ويتجدد مع الأحلام والآمال ، فالآفاق مهما تتسع لاتستطع ان تبعداطلالةخيط النور وفيها حنين الى الدفء وألفة يعرفها المرء في داره القديمة بين اصحابه وفي حنايا الأهل .فالوطن الذي بعدت الخطوة اليه .. وربما تظل بعيدة إلى حدٍ بعيد ـ يبقى في مكنون ابنائه قطعة الأرض التي شهدت انبثاق المولد وعرفوا معها نور الحياة .ولان الشعر هو صورة من صور التجسيد للمشاعر الانسانية واداة من أدوات التعبير في مكنون الذات ـ والعديد من الشعراء قد اخذوا نصيبهم من المعاناة لفرقة الاوطان فقد عبروا عن ذلك بروائع شعرهم كقول شاعرنا الكبير عبدالعزيز المقالح:[c1]صنعاء تدعوني مواسمها وعواصف الأشواق تعصرنيأنا أنت في حزني وفي فرحي أنا أنت في صحوي وفي وسنيحاولت ان أنساك فانطفأت طرق الهوى في سائر المدن عيناي في عينيك سمرتا تتساءلان متى سترجعنيومتى أقبل تربة نزحت واخيط من اشجارها كفنيعادت طيور الأرض صادحة فمتى يعود الطائر اليمني [/c]هذه أبيات من قصيدة طويلة للمقالح نسمع فيها ذلك المغترب عن اليمن وقد امضه الشوق ، ونلاحظ تلك الصلة الحميمة بقوله "أنا أنت "، ويتابع المحاولة اليائسة لنسيانه فإذا بها تعيده إلى المهد ولاتفلح مدن الدنيا أن تكون بديلاً، كيف وصورة الوطن تشاغل الفكر والعين وتحجز الدموع عن غسل صور ثبتت في الوجدان .وفي قصيدة رائعة للشاعر أحمد شوقي يقول فيها :[c1]ويا وطني لقيتك بعد يأسٍ كأني قد لقيت بك الشبابا وكل مسافر سيؤوب يوماً إذا رزق السلامة والاياباهدانا ضوء ثغرك من ثلاث كما تهدي "المنورة" الركابا [/c]شوقي قال ابياته وهو عائد إلى مصر بعد أن امضى سنوات منفياً في اسبانيا وقد غالبه الحنين إلى الوطن والأهل والاصحاب وذكرياته القديمة، ومن لهفته كاد يبصر أنوار الثغر "الاسكندرية" قبل ثلاث ليال من وصول السفينة إلى الميناء .انها حالة فريدة مثيرة من الوفاء النادر والارتباط العميق بالوطن الذي يظل ذلك المغترب مشدوداً اليه برباط وثيق لاينفصم وصلات عميقة تتجاوز حدود التعبير عنها أو حتى قياس مداها:يقول أحد الشعراء السوريين :[c1]اكلما ذكرت حمص حنيت إلى ماض من العيش مافي رده طمعدار نحن اليها كلما ذكرت كأنما هي من اكبادنا قطعوملعب للصبا نأسى لفرقته كأنه من سواد العين منتزعفمتى لنا بمغانيها ويومئذٍ سيان ماتأخذ الدنيا وما تدع[/c]ان الشاعر قد بث اشواقه ونجواه حين كان يحلق بعيداً في سماوات الاغتراب بعيداً عن عشه وأهله فحمل الوطن الذي فارقه في حدقات العيون ونبضات القلب. وقد نشعر في لحظات كثيرة ان لامجال للعين إلى الاوطان في عصر اصبح فيه البحث عن الأمان والسكينة هو الاحتياج الأكبر لنفوس زرع فيها الخوف من الآتي ، ومع ذلك لانملك إلا أن نتذكر الوطن والبيت القديم كلما مرت علينا كلمات الشاعر :[c1]امذكري باحبتي وبلادي رفقاً فدمعي منذر بنفاذطالت سنون على البعاد ظننتها أواه خلوا من الاحاد والاعيادمن ذكرى الاحبة والحمى ومنازل الاباء والاجداد[/c] ونقف مع الشاعر محمود درويش الذي تشغله فلسطين ويعيش مع أبنائها من أهله واخوانه ليرى يوم العودة ويستنشق نفحات تراب وطنه :[c1]وطني .. يا أيها النسر الذي يغمد منقار اللهبفي عيوني ..اين تاريخ العرب ؟كل ما أملكه في حضرة الموت:وجبيني وغضبوأنا أو صيت ان يزرع قلبي شجرةوجبيني منزلاً للقبرةوأنا لست جديراً بحنانككل ما أملكه في حضرة الموت جبين وغضب[/c]ومن قصيدة "غريب على الخليج" لبدر السياب ، التي تعد تصويراً رائعاً لحياة الغربة التي عاشها الشاعر بعيداً عن وطنه الان "العراق" نقف مع هذه الابيات:[c1]فلتنطفي يا أنت .. ياقطرات .. يادم، يانقودياريح يا ابداً تخيط لي الشراع متى اعود؟إلى العراق؟ متى أعود ؟مازلت أضرب مترب القدمين أشعتفي الدروب تحت الشموس الاجنبيةالشمس أجمل في بلادي من سواها والظلامـ حتى الظلام ـ هناك أجمل فهو يحتضن العراق[/c]انه صدق الانتماء وعمق الولاء للأرض التي تظل تشد ابناءهابعبقها الندي وعطائها المتدفق وحنينها الجارف الذي يسكن أعماق نفوسهم.
|
ثقافة
من روائع الشعراء في الحنين إلى الوطن
أخبار متعلقة