نيقولا زيادة ..
عبدالقوي الأشول فقدت الساحة العربية خلال الفترة الماضية علماً من أبرز أعلامها الفكرية بل واحداً من أشهر وأقدر أساتذة التاريخ وهو الاستاذ الكبير نيقولا زيادة..الشيخ الذي تعدى المئة عام من العمر .. إلاّ إنه في سنوات عمره المتأخرة بدا متمتعاً بحيوية الشباب وقدرة العطاء .. إذ ظل هذا الرجل العظيم .. محاضراً فذاً في الجامعات اللبنانية وكاتباً لا يضاهى من حيث قدرته على ربط وشائج التاريخ بحاضر الأمة التي أنتمى إليها وظل يفخر بتاريخها وبعطاء رجالاتها بل إن ما ميز الاستاذ المؤرخ نيقولا زيادة تجاوزه الانتماء الديني المذهبي الى حاضرة الأمة العربية الكبيرة التي هي في نهاية المطاف بوتقة هذا التاريخ الذي أضاف إليه نيقولا وهج الإظهار عبر دراساته العميقة والمتأنية والمتأملة ومؤلفاته الشيقة التي جعلها تحظى باهتمامات عالمية بحكم بصمات الرجل المميزة على تاريخ أمة عظيمة حاضرها لا بد أن يرتبط بتاريخها الثري كما ظل يردد هذا المؤرخ العظيم ..فنيقولا زيادة الذي كان يبدو بكامل حيويته وهو يقوم بعمله المحبب في إعطاء محاضراته في أكثر من جامعة ، كانت تبدو على هيئته الرشيقة الانيقة وقدرته العجيبة على إبهار سامعيه ملامح الانسان الممتلئ كيانه بحب الانتماء للأمة ولهذا التاريخ الذي ظل مبهوراً به بثرائه واعتبره تجسيداً حقيقياً لعظمة أمة.. يحق لها أن تعتد بقيم رسالتها الدينية الخالدة وكما أسلفنا لم يبعد الانتماء الديني هذا المؤرخ من إظهار حبه وإعجابه برسالة هذا الدين الخالد..كان وبحق علماً فكرياً مدهشاً بقدراته عميقاً بتأملاته .. رائعاً في إنسانيته المتجاوزة عتبات المذهبية والطائفية الى فضاءات احترام العطاء الانساني الذي هو كما يجزم عطاء الفكر الانساني المتسامح .. الفكر الذي لا تحد عطاءاته .. أي من صنوف التمذهب وإلى ما هنالك من سفاسف الأمور التي لم يعرها زيادة اهتماماً يذكر في حياته .. ولطالما شدّنا هذا المؤرخ بكتاباته الرائعة بل الاكثر من رائعة والتي لا شك في أنها ظلت تذكرنا بعمق جيل الآباء والأجداد ممن تجاوزوا بشفافية روحهم الطيبة وسليقة تعاملهم المفعمة بالبساطة والمحبة والقبول حتى بأصحاب الديانات الاولى .. في بوتقة الفعل الحضاري الذي لا يميز عطاء هذا وذاك إلاّ بنوعية وأهمية تجلياته الفكرية التي تصب في نهاية المطاف بالتسلسل الحضاري المعرفي وتراكماته التي هي في ختام المطاف جزء لا يتجزأ من مكونات حضارة هذه الحقب وتلك حقاً لقد غادر دنيانا الفانية الاستاذ المؤرخ نيقولا زيادة في ظروف عصيبة وهي ظروف الحرب الاسرائيلية الاخيرة على لبنان أي أن قلب زيادة لم يحتمل ما رآه من عنجهية وهمجية المعتدي وأفعاله القذرة بحق شعب لبنان العريق .إلاّ أن مثل هذا العلم البارز في سماء لبنان وأمتنا العربية .. سيظل حياً متجدداً من خلال الاجيال التي تخلقت على يديه في أعرق الجامعات .. بل من خلال جملة مؤلفات قيمة ، وخلاصات فكرية .. أرادها أن تكون إرثه للأجيال وللأمة وللبشرية التي تعلق بمكونات تاريخها فكان له أن خلدها بأعمال تمكن من إنجازها خلال حياته الممتدة منذ مطلع القرن العشرين.