ماذا يريد أصحاب الفضيلة :الفقهاء يذكرون أن عمر بن الخطاب قرر منع زواج الصحابة من كتابيات، على الرغم من أنه مباح بنص القرآن الكريم نفسه.. كما يذكرون مخالفة المسلمين جميعاً لنهي النبي (ص) عن تسعير البضائع والتقاط ضالة الإبل لما وجدوا أن ذلك في غير مصلحتهم.. ثم نسأل جند الله: هل ما تقوم به بعض القبائل اليمنية من تحديد لمهر الزوجة مخالف لشرع الله الذي جعل سقف المهر قنطاراً من الذهب؟.. وهل ما تقوم به الدول من إصدار قوانين تمنع بعض دبلوماسييها من الزواج بأجنبيات مخالف للشرع الذي نص على إباحة الزواج، بل دعا إليه؟.. وهل ما قمتم به أنتم قبل فترة من الدعوة إلى مقاطعة البضائع الغربية، يعد مخالفاً للشرع الذي نص على أن طعام أهل الكتاب حل للمسلمين ؟!.. الإجابة واضحة.هذا موضوع مثير للملل والغثيان.. لكن ما حيلتنا وأكثر قضايانا المحلية والقومية على هذه الشاكلة.. إنه لا مفر لنا في هذه البلاد من التعايش السلمي مع الملل والغثيان كما تعايشنا سلمياً مع الفساد والجهل والتطرف.. وقد كنت عزمت على أن لا أخوض في أمر هو مثل الشمس في الوضوح.. لولا أن شمس الحقيقة عندنا تتعرض للكسف على أيدي جند الله أصحاب الفضيلة بين آونة وأخرى.. ولولا أن جند الله قد أخرجوا القضية من دائرة الخلاف المعرفي والقانوني إلى دوائر أخرى مختلفة.. هي دوائر التخوين والاتهام والتحريض على خصومهم.. حتى بلغوا في ذلك مستوى ينبئ عن أمر خطير يختبئ لنا في الأفق.. وهذا تحديداً هو ما دفعني إلى الحديث في هذه القضية..لقد بدا الأمر طبيعياً أن تفكر الدولة بتقنين وتحديد سن زواج الصغيرات في بلادنا لما يدفعه هذا التحديد من مفاسد مختلفة وما يجلبه من مصالح عديدة على مختلف المستويات، والفقهاء يقولون إن الشريعة ما وجدت إلا لجلب المصالح ودرء المفاسد، وقال بعضهم إنه إذا تعارضت مصلحة راجحة مع نص قطعي قدمت المصلحة على النص.. وهذا القول الأخير وإن كان لقي معارضة شديدة وغبية من أكثرية الفقهاء إلا أنه يدل على مدى أهمية اعتبار مصالح الناس في التشريع والتقنين.. ثم كان طبيعياً أن يعارض هذا القانون من يعارضه من النواب تحت سقف المجلس لمبررات مختلفة.. إلا أن غير الطبيعي هو أن يتحول الموضوع إلى مادة للتحريض والتخوين في منابر المساجد ومنابر التعليم والإعلام المتعاطف مع خطاب التطرف.. لقد ذهب جند الله في معارضة القانون إلى حدود مريبة تنبئ عن أن الهدف ليس رفض القانون بل شيء آخر لن يفطن له كثير من الناس.. فهم منذ وقت طويل يسعون إلى إحياء تجربة الكنيسة في القرون الأوروبية المظلمة على الطريقة الإسلامية.. بحيث تصبح سلطة البابا “سلطة الفقيه”، وتصبح محاكم التفتيش “لجان الرقابة الشرعية”، ويصبح الاستبداد الفكري “نهياً عن المنكر”، ويصبح الوطن في مهب الريح.. وإذا حدث هذا لا قدر الله فلن ينجو عقل من سيوف جند الله..إن جند الله يخوضون معركة شرسة مع خصومهم مؤيدي القانون، وفي مقدمة هؤلاء الخصوم النائب الأستاذ شوقي القاضي.. وهم في هذه المعركة يستخدمون كل أسلحتهم التقليدية القذرة، ومنها سلاح يتواصون به كاذباً عن كاذب.. ذلك هو سلاح التخوين والاتهام بالعمالة للغرب وتنفيذ أجندته الماكرة في بلداننا ومجتمعاتنا المسلمة.. وهكذا تتحرك ماكينة ضخمة من الخطب والبيانات والمحاضرات والمطبوعات في مختلف المنابر للتشهير بالخصم.. في توظيف قذر لمخزون الكراهية الكبير في صدور المسلمين تجاه الغرب.. وهذه الفنون وحدها كافية في تحريك شعب كامل من الأميين وأشباه الأميين، ليخرج في غزوة ضد عقله ومصالحه ومستقبله.. وما أن ينجلي الغبار حتى تكون النتائج قد حسمت لصالح الأعلى صوتا، والأطول لحية، والأقصر ثوباً.. فالناس لا تثق إلا في هذه الأطوال المقدسة..وهذا المقال معني بكشف أبرز أكاذيب جند الله في هذه المعركة حتى تستبين حقيقتهم للناس..فماذا يقولون؟.هناك مقولتان رئيسيتان بحت بهما أصوات جند الله في هذه المعركة.. المقولة الأولى : تزعم أن مشروع قانون زواج الصغيرات المعروض على مجلس النواب هو مشروع مقدم من منظمات غربية بأيد يمنية عميلة تدعو إلى تطبيق اتفاقية “السيداو” الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1979م. وهي اتفاقية تتضمن بنوداً خطيرة تحارب الله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم!.. والمقولة الأخرى: تزعم أن هذا القانون مخالف للشريعة الإسلامية، وأن علماء الأمة قد أفتوا بحرمته.. وأن الصراع هو بين علماء الأمة وبين ثلة من عملاء المنظمات الأجنبية.. فما حقيقة هاتين المقولتين؟.لن نحتاج لجهد كبير في تفنيد أكذوبة “السيداو” المزعومة، إذ يكفي أن تعلم أن كل الدول العربية - عدا السعودية والسودان - قد أصدرت قوانين لتحديد سن الزواج.. وأن بعض هذه الدول قد أصدرت هذه القوانين قبل أن تظهر( السيداو) بعشرات السنين.. بل قبل أن تخلق منظمة الأمم المتحدة نفسها! (كما هو الحال مع مصر).. ما يعني أن هذا القانون قد جاء استجابة لمطالب محلية عربية فرضتها التطورات الاجتماعية والحضارية الجديدة في العصور الحديثة.. لا استجابة للمنظمات الغربية كما يزعم جند الله.. ولا أجد مبرراً لاستثناء اليمن من هذه الحقيقة.. خاصة وأن اليمن بشطريه القديمين وبدولته الموحدة قد أصدرتا مثل هذه القانون أيضاً وذلك في العام 1999م.. ثم نسأل جند الله: أيهما أكثر شبهاً بالعمالة للغرب، الاتفاق مع بعض سياسات الأمم المتحدة - عن غير قصد- لخدمة المجتمع المسلم، أم العمل تحت راية المخابرات الأمريكية في أفغانستان للقضاء على خصمها الشيوعي القديم؟!.. أظن الأمر واضحاً !! ..أما أكذوبة مخالفة الشريعة وإجماع علماء الأمة على تحريم القانون فيمكننا تعريتها بعرض الحقائق الآتية:الحقيقة الأولى : أن جند الله يعترفون بأن مسألة زواج الصغيرة لا تخرج عن دائرة المباح، أي أنه لا نص فيها بالوجوب ولا بالتحريم.. ولو سألنا علماء الشريعة: ما حكم المباح إذا طرأت عليه ملابسات أخرى؟.. فسيقولون لنا جميعاً: إن المباح قد يتحول إلى محرم إذا غلب عليه الضرر وإلى واجب إذا غلبت عليه المنفعة.. ولن أثقل على القارئ بنقل نصوصهم في هذا الباب لأنها مشهورة معروفة.. ونتيجة ما مضى أن زواج الصغيرة - وهو من المباح شرعاً- قد يصبح محرماً إذا طرأت عليه ملابسات غلبت جانب الضرر على أي طرف من أطراف الزواج، بما فيها طرف المجتمع، وهو ما يؤكده مؤيدو القانون بالدراسات المؤسسية.. ونحن لا نحتاج هنا للقول بحرمة زواج الصغيرة بناء على هذه القاعدة الأصولية، وإنما نكتفي بالقول إن من الواجب تقنين هذا الزواج بما يحفظ حقوق الطفولة من عبث العابثين، وبما يخدم خطط التنمية في المجتمع.. هنا سيقول جند الله إن إصدار قانون لتحديد سن زواج الصغيرة هو تقييد لمباح منصوص عليه في الوحي، وهذا نوع من التشريع المضاد لشرع الله، فالله يبيح وأنتم تمنعون، وذلك منكر عظيم!.. وهذا القول بالرغم من كونه مجرد رأي اجتهادي يجهل أو يتجاهل أمرين: الأول: أن الضرورات تبيح المحظورات فما بالك بالمباحات، وضرورات اليوم ليست كضرورات الأمس، فكثير من كماليات الأمس قد صارت من ضرورات الناس اليوم، وعلى رأسها تعليم المرأة وتنظيم الأسرة وتنمية المجتمع. والآخر: وهو الأهم أن عادة المسلمين - فقهاء وغير فقهاء- قد جرت على تقييد المباح المنصوص عليه في الشرع طوال التاريخ الإسلامي إذا دعت الحاجة لذلك.. مجرد الحاجة لا الضرورة.. والفقهاء يذكرون أن عمر بن الخطاب قرر منع زواج الصحابة من كتابيات، على الرغم من أنه مباح بنص القرآن الكريم نفسه.. كما يذكرون مخالفة المسلمين جميعاً لنهي النبي (ص) عن تسعير البضائع والتقاط ضالة الإبل لما وجدوا أن ذلك في غير مصلحتهم.. ثم نسأل جند الله: هل ما تقوم به بعض القبائل اليمنية من تحديد لمهر الزوجة مخالف لشرع الله الذي جعل سقف المهر قنطاراً من الذهب؟.. وهل ما تقوم به الدول من إصدار قوانين تمنع بعض دبلوماسييها من الزواج بأجنبيات مخالف للشرع الذي نص على إباحة الزواج، بل دعا إليه؟.. وهل ما قمتم به أنتم قبل فترة من الدعوة إلى مقاطعة البضائع الغربية، يعد مخالفاً للشرع الذي نص على أن طعام أهل الكتاب حل للمسلمين ؟!.. الإجابة واضحة.الحقيقة الثانية : قد يصدم جند الله إذا علموا أن جمهور علماء المسلمين في العصر الحديث مع تحديد سن زواج الصغيرة، وذلك إذا ما اعتبرنا أن سكوت علماء البلاد العربية عن إصدار قانون بهذا الشأن في بلدانهم يعد قبولاً بالقانون.. فانظر كم عدد الدول العربية التي قننت سن الزواج، وانظر كم عدد علمائها الساكتين عنه والمؤيدين له، في مقابل قائمة علماء اليمن.. تلك القائمة التي تحتاج إلى كلام كثير يضحك ربات الخدور البواكيا.. ونحن هنا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن علماء هذه الدول - وهم بالآلاف- قد أيدوا القانون ولم يجدوا فيه مشكلة شرعية، وإما أنهم قد خانوا الله ورسوله بسكوتهم عن جريمة في حق دينهم ومجتمعاتهم!.. هذا فضلاً عن العلماء الذين صرحوا بتأييدهم لتحديد سن زواج الصغيرات.. أما علماء المسلمين في العصور القديمة فلم يناقشوا المسألة أصلا، لأنها لم تكن من مطالبهم الاجتماعية.. ومن ثم فلم يبق في معارضة القانون غير قلة ممن لا يعتد بهم.. وأين قائمة بيان علماء اليمن من آلاف الشخصيات العلمية في مختلف البلاد الإسلامية؟!..وبمناسبة الحديث عن العلماء حماة الشريعة.. كنت أتمنى من أعماق قلبي - الذي ربما ينفطر قريباً من أعمال جند الله المريبة- أن أسمع وصفاً آخر للعلماء.. كنت أتمنى أن يقال أنهم حماة الحقوق الإنسانية لا حماة الشريعة.. لأن للشريعة رباً تكفل بحفظها.. والشريعة نفسها ما جاءت إلا لحفظ حقوق الناس، مسلمين وغير مسلمين.. لكن رصيد المؤسسة الدينية عندنا ليس مشرفاً في هذا المجال للأسف.. وبدلاً من أن تأخذ هذه المؤسسة مكرمات القرآن تجاه الإنسان إلى أبعد مدى لها، عملت على عكس ذلك.. أوقفت ما استطاعت من النصوص التي تصب في جانب حقوق الإنسان بمبررات كهنوتية مصطنعة.. فبدلا من قوله تعالى “لا إكراه في الدين” أوجدوا حديثاً يقول “من بدل دينه فاقتلوه “، وبدلاً من آيات المساواة بين البشر عامة والمسلمين على وجه الخصوص أوجدوا مقولة الكفاءة في الزواج على أساس العرق والنسب.. وبدلاً من آيات إكرام الأسرى والمن عليهم بالحرية، أوجدوا أسواق الرقيق والنخاسة في كافة البلاد الإسلامية.. يعرضون فيها النساء المسترقات من الحروب والحرابة في مزاد علني لبيعهن كأي مادة استعمالية.. واستمر هذا الخزي تحت سمعهم وبصرهم ومشاركتهم إلى أواخر القرن التاسع عشر.. ولا يخطرن ببالك أن المؤسسة الدينية قد أفاق ضميرها حينئذ فمنعت الرق والعبودية والمتاجرة بالبشر في بلاد المسلمين.. فالذي حدث ببساطة هو أن الدول الغربية قد اتفقت على تحريم العبودية في مؤتمر (وستفاليا)، وضغطت على بقية دول العالم في ذلك.. وعندها فقط امتنع المسلمون عن ممارسة هذه الفضيحة!.. وهنا أسأل جند الله: أي المواقف أكثر إسلاماً أيها السادة، موقف الفقيه النخاس بائع البشر، أم موقف الأوروبي محرر البشر من العبودية؟..أسأل جند الله: هل بعد هذا يجوز أن نختزل الغرب في صورة ريتشارد قلب الأسد والشواذ جنسياً؟!.. ليس هذا دفاعاً عن الغرب المتوحش ومنظماته المشبوهة.. فأنا آخر شخص في هذا العالم سيرضى عن أمريكا وصهاينة الغرب.. بل هو التزام بمبدأ إسلامي رفيع هو مبدأ العدل.. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) [المائدة:. وأخيراً: أسأل جند الله: ماذا قدمت مؤسستكم الدينية طوال تاريخها للإنسانية غير تجارة الرقيق ومنع حرية العقيدة وثقافة العنصرية العرقية والأحزمة الناسفة؟!..إننا لم نعد نأمل منها شيئاً ولم نعد نرجو منها شيئاً سوى أن تترك للخيرين من أبناء الإسلام - أو من أبناء الكفر- أن يقوموا بما عجزت عن القيام به تجاه المستضعفين في هذه المجتمعات.. وألا يقفوا حجر عثرة أمام أحلاف الفضول الجديدة *.. إن كانوا حقاً على سنة محمد عليه الصلاة والسلام!..[c1]هامش: [/c]* حلف الفضول هو الحلف الذي تعاهدت فيه قريش قبل بعثة النبي على أن تكون مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه. وكان النبي (ص) قد شهده، وأشاد به بعد بعثته قائلاً: ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم وأنى أغدر به بعينه.[c1]* كاتب يمني[email protected][/c]
|
آراء
أكاذيب (جند الله) في معركة زواج الصغيرة
أخبار متعلقة