«بيان إباحة تزويج الأطفال الإناث»..
عدنان الجنيد..تلقت الصحيفة عدداً من الاتصالات تطالب بإعادة نشر هذه الدراسة التي نشرتها الصحيفة يوم الجمعة الماضي،وانتقد فيها الكاتب بياناً أصدره بعض رجال الدين السلفيين بشأن إباحة تزويج الأطفال الإناث .. وتلبية لرغبة القراء نعيد نشرها نظراً لأهميتها.أطلعنا على بيان صدر من بعض رجال الدين في اليمن- حفظهم الله- (وقد وصل إلينا مؤخراً - 8 أبريل) وفيه يجوَّزون تزويج الصغيرة وكان اعتمادهم- فيما ذكروه في بيانهم- على ظاهر الروايات التي لم يسبروا غورها ولم يدركوا حقيقتها ومغزاها.ونحن نستسمح لهم العذر لأنهم ليسوا باحثين بل مقلدين لطائفة سبقتهم منذ ألف عام ممن هم على مذهبهم ، فلم يُعملوا عقولهم في ما وصل إليهم من التراث- الديني- المليئ بالغث والسمين ... هذا ولقد وجدت في الورقة الأخيرة من بيانهم توقيعات بعض العلماء المعتبرون ، ولا أظنهم فعلوا ذلك فهم يربأون عن التوقيع في مثل هذه القضايا التي ليست تعبدية بحيث يأثم من لم يفعلها بل هي قضايا اجتماعية ينبغي أن يراعى فيها الزمان والمكان والإسلام دين يسر وشريعته سمحة تقدم درء المفاسد على جلب المصالح، ثم ماهي الفائدة من تزويج الصغيرة ؟! هل هذا يفيد المجتمع في شيء ؟ كلا والله بل يجلب له المفاسد والأضرار التي نسمعها ونراها كل يوم ... كان الأجدر بهم أن يكون بيانهم دعوة إلى تزويج المطلقات والأرامل والأيتام اللواتي بلغن سن الثلاثين أو الأربعين ولم يتقدم لهن أحد وكذلك العوانس وغيرهن ممن لم يتزوجن ولا تكاد تخلو البيوت من وجودهن في بلادنا ، ولا أظن العلماء الأفاضل يجهلون ذلك. ونحن في مقالنا هذا سوف نناقش أدلتهم التي أوردوها في بيانهم وسنبين حقيقتها بحيث يتبين لكل ذي لب وإنصاف بأنها أدلة غير صحيحة... الذي دعاني إلى مناقشتها هو خوفي على السذج العوام والبسطاء من الناس الذين إذا ما قرؤوا مثل هذا البيان والذي بمجرد قراءتهم لعنوانه سيأخذ بهم إلى تطبيقه بحكم عاطفتهم الدينية في حبهم لعلماء الدين وسيذهبون إلى تزويج بناتهم الصغيرات اللاتي مازلن في مرحلة الطفولة فيأثمون بظلمهم لهن ... وإليك أدلتهم التي قالوا بأنها من الكتاب والسنة والإجماع وعمل الصحابة وسنذكرها فقرة فقرة مع مناقشتها وتفنيد ما ذهبوا إليه في جواز تزويج الطفلة الصغيرة.أولاً: القرآن الكريم: قال تعالى:(واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن...) الآية (4) سورة الطلاققالوا في هذه الآية دلالة واضحة من كتاب الله تعالى على صحة زواج الصغيرة التي لم تحض...قلت: استدلالهم هذا محض جهل لأنه ليس للصغيرات أي ذكر في الآية، فقوله تعالى:(...واللائي لم يحضن...) أي اللائي بلغن سن الحيض ولم يحضن وهذا شيء واضح لا غبار عليه وإلى قولنا هذا ذهب بعض المفسرين ولاحظ قوله:( إن ارتبتم) أي شككتم في الكبيرة التي حاضت ثم انقطع حيضها أو شككتم في التي بلغت سن البلوغ ولم تحض ولو كانت صغيرة - كما زعموا- لما وقع الارتياب فيها لأنها ليست معدة للحمل ، وانظر إلى قوله تعالى :«والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء...» سورة البقرة: الآية «228».فالآية تشمل جميع المطلقات.. فهل الصغيرة مستثناة من هذه الآية؟! فإن قالوا (لا) يكونون بذلك قد ردوا على أنفسهم ،وإن قالوا (نعم) فما هو دليلهم والآية عامة؟! ولاحظ - ايضاً - في الآية قوله:(من نسائكم).. فهل الصغيرات اللواتي لم يتجاوز أعمارهن التاسعة يطلق عليهن(نساء) أم أنه يُطلق عليهن أطفال؟! فلا تطلق لفظة «النساء» إلا على العاقلات البالغات الراشدات اللواتي يعرفن حقوق الزوجية، ثم لاحظ قوله تعالى- في سورة النور آية «59»- :( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا...) فأطلق على ما دون الاحتلام أطفال. قال إمام أهل اللغة العلامة الزمخشري في كشافه [3/254] مانصه:«فإن قلت ما السن التي يحكم فيها بالبلوغ؟ قلت: قال أبو حنيفة ثماني عشرة سنة في الغلام وسبع عشرة في الجارية وعامة العلماء على خمس عشرة فيها...»اههذا وإني لأعجب من علماء البيان عند قولهم في الآية:(واللائي لم يحضن)، قالوا أي الصغيرات وعلى هذا جميع المفسرين بلا خلاف...هكذا قولهم وكأنهم لايعلمون أن هناك من سيطلع على التفاسير ويبين خطأهم.وهب أن جميع المفسرين ذهبوا إلى المعنى الذي ذكروه فلسنا ملزمين بقولهم فهم أولاً وأخيراً بشر لهم اجتهادهم أخطؤوا أم أصابوا... ونحن يجب أن نتدبر القرآن بعقولنا لا بعقول غيرنا، قال تعالى:(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها).. لكن للأسف مازالت الأقفال على قلوب الكثير من العلماء ولن تفتح إلا بالخروج من كهف التقليد إلى فضاء التنزيه والتفريد...ثانياً: السنة: استدلوا بحديث عائشة- والذي رواه البخاري-:«أن النبي- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- تزوجها وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع...» بهذا الحديث أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على جواز تزويج الصغيرة مع أن هذا الحديث الذي ذكروه ليس دليلاً فيما ذهبوا إليه.. فالرسول- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - لم يقل زوجوا الصغيرات؟ ولم يقل بأنه تزوج عائشة وهي بنت ست ودخل عليها وهي بنت تسع.. وإذا كان هدفهم - حفظهم الله- من استدلالهم بحديث عائشة- رضي الله عنها- كي يقتدي الناس برسول الله- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- في زواجه بعائشة وهي صغيرة فلماذا لا يقتدون برسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- بزواجه من خديجة وهي كبيرة السن ؟! وبزواجه من سودة بنت زمعة وقد كانت مطلقة وكبيرة السن ،وبزواجه من أم سلمة فقد تزوجها ومعها اولاد ؟! وبزواجه من نسائه الأخريات؟ هذا مع أننا قد أبطلنا هذا الحديث سنداً ومتناً وأثبتنا بأدلة قاطعة وبراهين ساطعة وحجج دامغة أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- ما تزوج عائشة إلا وسنها قد بلغ الثامنة عشر وأثبتنا بشواهد تاريخية إضافة إلى الأدلة العقلية والطبية على عدم تزويج الصغيرة كل ذلك ذكرناه في مقالنا المسمى «الزواج بالصغيرة أمر ترفضه الإنسانية فضلاً عن الديانات السماوية» وتم نزوله في عدة صحف منها الثقافية العدد(490) تاريخ5 /7 /2009م ومجلة «ثقافتنا» عدد (2) شوال 1430هـ -أكتوبر2009م وتم نزوله مؤخراً في صحيفة 26 سبتمبر العدد (1506) الموافق 8 أبريل 2010م وفي صحيفة «14 أكتوبر» العدد (14785)الموافق 10إبريل 2010م فعليك به فهو في غاية النفاسة ولو لم يكن إلا ذلك المقال في الرد على علماء البيان لكان كافياً ولكن لئلا يغتر بعض الناس في بيانهم كان لا بد لنا أن نفند كل مزاعمهم حتى يتثبت الفؤاد ويحصل الرشاد.ثالثاً:الإجماع: قالوا في بيانهم: أجمع علماء الأمة على جواز تزويج الصغيرة ولم يخالف في ذلك أحد.قلت: قولهم هذا فيه تمويه على من لم يعرف الإجماع، فالإجماع في اصطلاح الأصوليين هو« اتفاق جميع المسلمين في عصرمن العصور بعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- على حكم شرعي في واقعة».وبهذا تعلم أن الإجماع الذي ذكروه محدود على جماعة معينة فقط فلم يحدث الإجماع الكلي لجميع الأمة الإسلامية- على اختلاف مذاهبهم وفرقهم ومشاربهم- إلا لأمر عُلم من الدين بالضرورة كعدد الصلوات وعدد ركعاتها، والصوم، والحج والزكاة وغيرها من الأمور المعلومة من الدين فهذا هو الإجماع الصحيح الذي يُعد منكره كافراً لأنه أنكر أمراً ثبت بالقرآن الكريم وسنة النبي العظيم- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- ثبوتاً قطعيا. يقول الإمام الشافعي:«لست أقول ولا أحد من أهل العلم هذا مجمع عليه إلا لما تلق عالماً أبداً إلا قاله لك،وحكاه عمن قبله، كالظهر أربع، وتحريم الخمر وما أشبه ذلك».ويقول إمامهم أحمد بن حنبل: «من ادعى الإجماع فهو كاذب» ويقول ابن القيم:« قد كذب من ادعى الإجماع ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت» ويقول عبدالله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول: «ما يدعي فيه الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا وما يدريه ولم ينبه إليه فليقل لا نعلم مخالفاً».هذا ناهيك على أن هناك فطاحل من العلماء لا يجوزون زواج الصغيرة فضلاً عن الباحثين والمفكرين إلا إذا كان علماء البيان لا يطلقون لفظة «علماء» إلا على أنفسهم دون غيرهم فهذا شأن آخر.وأما قولهم في بيانهم: حكى ذلك- أي في إجماع تزويج الصغيرة- الإمام النووي وابن بطال والمهدي في البحر الزخار وابن هبيرة وابن رشد والمهلب وابن عبدالبر وابن المنذر وابن قدامة...الخ.قلت: إن إجماع المذكورين لم يكن إجماعاً كلياً وإنما على طائفة منهم ثم كيف يتكلمون عن اجماع أولئك الذين قد ماتوا منذ مئات السنين ولا يتكلمون عن إجماع المعاصرين؟! ما ذاك إلا لانهم يعلمون أن الكثير من المعاصرين من أهل العلم يقولون بعكس ما في بيانهم... وكم أجمع السابقون على أمور ظهر مؤخراً بطلانها فقد أجمع سابقاً أهل السنة على أن الأرض مسطحة وأنها ساكنة غير متحركة وأجمعوا على أن الشمس تنزل في البحر-(أي في حال غروبها)- ذكر ذلك عبدالقاهر البغدادي في كتابه(الفرق بين الفرق) في الفصل الثالث في بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة ص354.فهل نصدق بإجماعهم ذلك لاسيما وأن التقدم العلمي الحديث أثبت باكتشافاته وصوره وبراهينه اليقينية أن الأرض كروية وأن الشمس إذا غربت في بلد فإنها تشرق في بلاد أخرى وهذا لا يخفى على طفل فضلاً عن المتعلم العاقل.إذاً فلا تغتر بقولهم اجمعوا على كذا وكذا فإنه لا يوجد إجماع إلا الإجماع الذي ذكرناه آنفاً وهو ما علم من الدين بالضرورة وأنا اتحداهم أن يذكروا لي مسألة واحدة أجمعت عليها الأمة من بعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- إلى الآن فلن يجدوا( ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) رابعاً: استدلالهم بِعمل الصحابة- رضي الله عنهم-: حيث زوج علي- رضي الله عنه-ابنته أم كلثوم- رضي الله عنها- من عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وهي جارية لم تبلغ [الطبقات الكبرى 8/463] وأخرج عبدالرزاق أن علياً بن أبي طالب- رضي الله عنه- زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وقد ولدت له قبل موت النبي- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- وتزوجها عمر- رضي الله عنه- وهي صغيرة لم تبلغ بعد[أخرجه عبدالرزاق في المصنف وابن سعد في الطبقات] وزوج الزبير- رضي الله عنه- ابنة له صغيرة.(أخرجه سعيد بن منصور في سننه وابن أبي شيبه في المصنف بإسناد صحيح).أ.هـ.هذه هي أدلة علماء البيان- حفظهم الله- في تزويج الصغيرة وإليك مناقشتها:أولاً: روايتهم هذه أعرض عنها كل من البخاري ومسلم فلم يثبتاها في صحيحيهما وكذلك فعل مثلهما أصحاب السنن الست كذلك هذه الرواية لم تخرَّج في المسانيد المعتبرة والمعتمدة- عند علماء البيان- كَمسند أحمد بن حنبل الذي قال أحمد وجماعة تبعاً له بأن ما ليس فيه فليس بصحيح كذلك الرواية فيها تضارب في دلالتها وتلاعب بألفاظها ما يدل على بطلانها وأنها محبوكة من وضع القصاصين كما سيأتي لاحقا.ثانياً: رواية ابن سعد التي استدلوا بها على زواج عمربن الخطاب من ابنة علي بن ابي طالب رواية مرسلة لا يحتج بها- وهي الرواية الأولى- وإليك نصها: «قال ابن سعد أخبرنا أنس بن عياض الليثي عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم. فقال علي: إنما حبست بناتي على أولاد جعفر. فقال عمر: أنكحنيها يا علي، فو الله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحبتها ما أرصد. فقال علي: قد فعلت. فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر، وكانوا يجلسون ثم علي وعثمان والزبير وطلحة وعبدالرحمن بن عوف، فإذا كان الشيء يأتي عمر من الآفاق جاءهم فأخبرهم ذلك واستشارهم فيه فجاء عمرفقال: رفئوني، فرفؤوه وقالوا: بمن يا أمير المؤمنين؟ قال: بابنة علي بن أبي طالب. ثم انشأ يخبرهم فقال:إن النبي- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- قال:كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي..»أ.هـ،لاحظ هنا تجد أن الرواية فيها قول عمر للمهاجرين:« رفئوني فرفؤوه » ومعنى ذلك:« قولوا لي: بالرفاء والبنين» وكان هذا من رسوم الجاهلية التي نهى عنها سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- باتفاق المسلمين فقد أخرج أحمد بسنده عن عبدالله بن محمد بن عقيل قال:«تزوج عقيل بن أبي طالب، فخرج علينا فقلنا: بالرفاء والبنين.فقال مه،لا تقولوا ذلك، فإن النبي- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- قد نهاناعن ذلك وقال:قولوا بارك الله لك وبارك عليك، وبارك لك فيها».فهل كان سيدنا عمر- رضي الله عنه- جاهلاً بسنة رسول الله- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-؟! أم أنه كان يريد إحياء سنة الجاهلية؟! حاشا لله سيدنا عمر- رضي الله عنه- من ذلك فلا شك في أن هذه الرواية باطلة أضف إلى ذلك أنها مرسلة ،والمرسل عند جميع المحدثين لا يحتج به ثم في سند الرواية جعفر بن محمد وهو في نظر ابن سعد غير ثقة فقد قال:«كان كثير الحديث ولا يحتج به ويُستضعف».فإذا كان كذلك- مع أني أرى أن قلامة من ظفر إبهام جعفر بن محمد تعدل عن مثل ابن سعد مائة ولكن ذكرت ذلك لأن جعفر بن محمد مجروح بنظر ابن سعد وبنظر أصحاب البيان- فلماذا يحتجون بهذه الرواية وجعفر بن محمد مجروح لديهم لدرجة أن البخاري لم يرو عنه، فأفهم ذلك.وأما الرواية الثانية التي رواها ابن سعد فهي كالتالي: أخبرني وكيع بن الجراح عن هشام بن سعيد عن عطاء الخرساني: أن عمر أمهر أم كلثوم بنت علي أربعين ألفاً.فهذه الرواية مختلفة قطعاً فجميع سلسلة رواتها من المجروحين عند علماء الجرح والتعديل من أهل السنة وإليك بيان ذلك:وكيع:هو وكيع بن الجراح كان يشرب المسكر ويسب السلف وكثير الخطأ والنسيان«قال ابن المديني:كان وكيع يلحن، وسئل أحمد إذا اختلف وكيع وعبدالرحمن بقول من نأخذ، فقال عبدالرحمن موافق ويسلم عليه السلف ويجتنب شرب النبيذ- يعني بخلاف وكيع الذي يشرب النبيذ ولم يسلم السلف منه- قال عبدالله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول أخطأ- وكيع- في خمسمائة حديث، وقال محمد بن نصر المروزي كان يحدث بآخره من حفظه فيغير ألفاظ الحديث» .وذكر الخطيب في تاريخه بسنده عن نعيم بن حماد قال: تعشينا عند وكيع أو قال تغدينا فقال:أي شيء تريدون أجيئكم به؟! نبيذ الشيوخ أم نبيذ الفتيان؟ قال: قلت: تتكلم بهذا ؟! قال:هو عندي أحل من ماء الفرات...»- هشام بن سعد:«قال أبو حاتم عن أحمد لم يكن هشاماً بالحافظ، وكان يحيى بن سعيد لا يروي عنه، وقال الدوري عن ابن معين ضعيف، وعن ابن معين- ايضاً- ليس بذاك القوي، وقال النسائي ضعيف، وقال أحمد لم يكن محكم الحديث، وقال ابن سعد:كان كثيرالحديث، يستضعف وكان متشيعاً» - عطاء الخراساني:«ذكر البخاري عطاء الخرساني في الضعفاء وقال ابن حبان في الضعفاء:كان رديء الحفظ كثير الوهم يخطئ ولا يعلم فيحمل عنه ، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به»أ.هـ. هؤلاء هم الرواة الذين اعتمد عليهم ابن سعد، فكيف بعد هذا يصح اعتماد علماء البيان- حفظهم الله - على هذه الرواية ورواة سندها من المجروحين كما علمت ؟!وأما الرواية الثالثة التي رواها ابن سعد في طبقاته جاءت من غير سند عزاها إلى الواقدي وإليك نصها: قال محمد بن عمر وغيره:لما خطب عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- إلى علي ابنته أم كلثوم قال: يا أمير المؤمنين:إنها صبية. فقال:إنك والله ما بك ذلك ولكن قد علمنا ما بك، فأمر علي بها فصنعت. ثم أمر ببرد فطواه وقال: انطلقي بهذا إلى أمير المؤمنين فقولي: أرسلني أبي يقرئك السلام ويقول: إن رضيت البرد فأمسكه وإن سخطته فرده. فلما أتت عمر قال: بارك الله فيك وفي أبيك وقد رضينا. قال:فرجعت إلى أبيها فقالت:ما نشر البرد ولا نظر إلا إليَّ فزوجها إياه...»قلتُ: هذا ما لا يجوز تصديقه بحال من الأحوال- وسيأتي توضيح ذلك لاحقاً- هذا ناهيك عن أن راوي هذا الحديث مطعون بالكذب عند المحدثين وإليك أقوالهم فيه: محمد بن عمر الواقدي جاء في ميزان الاعتدال مانصه:« قال أحمد بن حنبل: هو كذاب، يقلب الأحاديث، وقال ابن معين: ليس بثقة وقال مرة: لا يكتب حديثه، وقال البخاري وأبو حاتم: متروك وقال أبو حاتم أيضاً والنسائي: يضع الحديث، وقال الدارقطني: فيه ضعف، وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه، وقال ابن المديني: الواقدي يضع الحديث» .هذه هي الثلاث الروايات المثبوتة في طبقات ابن سعد والتي اعتمد عليها فضيلة علماء البيان- حفظهم الله - كدليلٍ لهم على جواز تزويج الصغيرة. وأما الرواية التي في مصنف عبدالرزاق والتي اعتمدها علماء البيان في بيانهم فهي رواية مرسلة عن عكرمة وعكرمة هذا خارجي بغيض كان يرى رأي الخوارج وكذبه الأئمة وضربوا المثل بكذبه لظهوره وفشوه وشهرته «عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول لغلامه برد يا برد لا تكذب عليَّ كما كان يكذب عكرمة على ابن عباس، وقال أبو خلف الخزاز عن يحيى البكاء سمعت ابن عمر يقول لنافع: اتق الله ويحك يا نافع ولا تكذب عليَّ كما كذب عكرمة على ابن عباس وقال الدوري عن ابن معين كان مالك يكره عكرمه، وقال ابن علية ذكره أيوب فقال كان قليل العقل، وقال مصعب الزبيري كان يرى رأي الخوارج...» ولهذا لما مات ترك الناس جنازته فلم يصلوا عليه لخبث رأيه وهذا يدل على ظهور حاله للخاص والعام بهذا تبين بأن الحديث الذي اعتمد عليه فضيلة علماء البيان أسانيده ساقطة و منحطة مما يدل على أن متنه عبارة عن قصة مختلقة لا أصل لها ولولا خشية الإطالة لأتيت بجميع طرق الحديث الذي اعتمدوا عليه من جميع الكتب الأخرى وبينتُ سوء حال رواته وما كانوا عليه من الكذب والبهتان مع أننا لا نعول على الأسانيد بل على متونها ولكن أردنا أن نسقيهم بكأسهم.ثالثاً: الروايات التي اعتمدوا عليها حول قصة زواج عمر من ابنة علي كلها متضاربة متكاذبة بألفاظها ومعانيها وتتخللها عبارات في منتهى الوقاحة ما يدل على استحالة وقوعها. ففي رواية ابن سعد- السابقة- كان جواب سيدنا علي لسيدنا عمر أثناء ما طلب منه أن ينكحه ابنته كان جوابه بأن قال له: «إنها صبية» وفي رواية الدولابي والمحب الطبري قال:«هي صغيرة».وفي رواية لابن سعد-أيضاً- قال«إنماحبست بناتي على أولاد جعفر».وفي رواية الحاكم:« إني لأرصدها لابن أخي جعفر» وفي سنن البيهقي قال:«إنها تصغر عن ذلك».وعند الدولابي- أيضاً- قال:« إن عليَّ فيها أمراء حتى استأذنهم» فانظر إلى هذا الاضطراب ألا يدل على ضعفها وعدم صحتها فكيف بعد هذا ينصاع- سيدنا علي- بكل بساطة ويرسل ابنته ليعرضها على عمر- رضي الله عنه- فإن أعجبته زوجه إياها وإلا ردها وكأنها بضاعة تعرض للبيع والشراء وهذا ما لا يفعله حقراء الناس فكيف بشرفائهم ؟! أليس هذا يثير الدهشة فإذا كان الإمام علي يمتنع عن تزويج ابنته لكونها صغيرة فكيف بعد ذلك يزوجها؟! ثم اين أذنها ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :«لاتنكح الأيم حتى تُستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن» فهل سيدنا علي- كرم الله وجهه- يجهل سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - ؟!ثم انظر ماذا ..كان رد سيدنا عمر- رضي الله عنه- لسيدنا علي أثناء تعلله بصغرها كان رده- كما في رواية ابن سعد-: «إنك ولله ما بك ذلك ولكن قد علمنا ما بك» وفي رواية الدولابي والمحب الطبري كان رده:«لا والله ما ذلك بك ولكن أردت منعي » وهذا الرد نشم منه رائحة التهديد بل في بعض الروايات أن عمر ما كان يصدق علياً في تعلله في صغرها ولذا كان يكثر التردد إليه ويلح عليه. ففي رواية الخطيب أنه أكثر تردده إليه- أي في طلبه من الزواج بأم كلثوم- وفي رواية المحب الطبري: «قال- أي عمر- فإن كان كما تقول- أي من أنها صغيرة- فابعثها إليَّ» يعني حتى يتأكد من صحة كلام علي.. فهل يعقل أن يكون سيدنا عمر- رضي الله عنه- صاحب العفة والحياء عنيفاً لهذه الدرجة ؟ وهل الزواج بالقوة أم بالرضا والقبول ؟! إن هذه الرواية المختلفة ألفاظها قد نسبت الجهل والقساوة والغلظة لعمر بن الخطاب- رضي الله عنه- والخفة وضعف الشخصية لعلي بن ابي طالب وهما قطعاً بريئان عن مثل هذه الروايات.هذا ولقد بلغت الوقاحة بواضعي هذه الرواية بأن علياً لما بعث بابنته الى عمر كي يراها... قالوا إن عمر كشف عن ساقها، ففي الإصابة ذكر ابن حجر بأن عمر كشف عن ساقها وفي رواية الخطيب أن عمر لما رآها قام إليها فأخذ بساقها، وفي الاستيعاب أنه وضع يده على ساقها فكشفها، وفي تذكرة خواص الأمة :أن علياً بعثها إلى عمر لينظرها وأن عمر كشف ساقها ولمسها بيده » بل لقد بلغ الأمر في إحدى الروايات إلى أن قبلها وضمها، وأدهى وأمر من هذا قول أم كلثوم لأبيها- لما رجعت إليه - : «مانشر البرد ولانظر إلاَّ إليَّ» كما في رواية ابن سعد السابقة.فهذا كلام مستقبح لا يقبله من كان له أدنى مسكة من عقل تمجه النفوس ولا تقبله العقول ، ولقد استقبح هذه الرواية-، أي رواية زواج عمر من أم كلثوم - كثير من العلماء كسبط ابن الجوزي حيث قال- في تذكرة خواص الأمة ص169 - مانصه :«وذكر جدي في كتاب المنتظم:أن علياً بعثها إلى عمر لينظرها وأن عمر كشف ساقها ولمسها بيده. قلت وهذا قبيح والله لو كانت أمة لما فعل بها هذا ثم بإجماع المسلمين لا يجوز لمس الأجنبية فكيف ينسب عمر إلى هذا ؟!»أ.هـ. هذه هي قصة زواج عمر من أم كلثوم بنت علي بن ابي طالب وقد عرفت سابقاً بأن أسانيدها ساقطة وألفاظها متناقضة ومتضاربة إضافة إلى ما فيها من قبح ممجوج ونحن نجزم يقيناً أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بريء من هذه الرواية كبراءة الذئب من دم يوسف وأن هذه الرواية من وضع العمرية أرادوا أن يجعلوا لعمر فضائل ووقعوا في الإساءة إليه من حيث لا يشعرون، فهم لما رأوا- عمر بن الخطاب- من رواة حديث «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي » عمدوا إلى وضع قصة خطبة عمر من ابنة علي وربطوا الحديث المذكور بها. والدليل هو أن غير واحد من كبار محدثي القوم يروون عنه الحديث مجرداً عن تلك القصة كما يروونه عن غيره .رابعاً: لو سلمنا- جدلاً- بصحة رواية زواج عمر من ابنة علي فهي عليهم لا لهم، لأن علياً كان يتعلل بصغرها وعمر يكثر من التردد إليه ويلح عليه في أن ينكحها إياه وكذلك حدث الخلاف بين أهل البيت في تزويج عمر بأم كلثوم منهم عقيل حتى قال عمر كما في مجمع الزوائد:« ويح عقيل سفيه أحمق».كذلك الصحابة استنكروا زواجه منها فقد جاء في رواية الدولابي: « فقيل يا أمير المؤمنين ما كنت تريد إنها صبية صغيرة؟ ».ولما كثر استنكار الصحابة على عمر في زواجه بابنة علي الصبية الصغيرة قام في الناس خطيباً، ففي رواية الفقيه المغازلي الشافعي بإسناده عن عبدالله بن عمر قال: « صعد عمر بن الخطاب المنبر فقال: أيها الناس إنه- والله- ما حملني على الإلحاح على علي بن أبي طالب في ابنته إلا أني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- يقول: كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري...»الحديث .فانظر كيف اضطر عمر إلى أن يعلن عن قصده في خطبة أم كلثوم ويحلف بالله بأنه ليس إلا ما سمعه من رسول الله- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- وأنه كان منه الإلحاح في ذلك.إذاً من هذا تعلم أن صحابة رسول الله- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- لا يجوزون تزويج الصغيرات وما فعله عمر كان لأسباب والنادر لا حكم له هذا على فرض صحة الرواية مع أنها باطلة لما مرَّ سابقاً مع أننا نجزم بأن سيدنا علي لم يكن له بنت اسمها أم كلثوم واذا لم يكن كذلك فليذكروا لنا متى ولدت وفي أي سنة تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؟! وأما استدلالهم- على تزويج الصغيرة- بأن الزبير زوّج ابنة له صغيرة فباطل، لأن في سند الرواية- التي اعتمدواعليها- هشام بن عروة الذي كان يرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه، وكان مالك لا يرضاه ذكر ذلك ابن حجر وجاء في ميزان الذهبي :« قال أبو الحسن بن القطان فيه- أي في هشام- وفي سهيل بن أبي صالح اختلطا وتغيرا وكان مالك لا يرضاه ونقم عليه حديثه لأهل العراق وكان يرسل عن أبيه»أ. هـ.هذا ناهيك عن أن أباه كان من المنحرفين عن الإمام علي- رضي الله عنه- وحتى لو صح أن الزبير زوج ابنته وهي صغيرة فلسنا ملزمين بالأخذ بفعله...فأقوال وآراء وأفعال الصحابة- رضي الله عنهم- ليست حجة يجب الأخذ بها لأنهم ليسوا بمعصومين فيجوز عليهم الغلط والخطأ والنسيان مع أنهم بريئون من تلك الروايات التي ألصقت عليهم والتي تسيء في حقهم فلابد من إعادة النظر في روايتهم ولنا بهم في أنفسهم قدوة فقد كان بعضهم يرد رواية بعض .وإلى هنا تم ما تيسر من مناقشة بيان العلماء - حفظهم الله- وهو غيض من فيض ولولا الإطالة وخشية السأم والملل لأتينا بأدلة أكثر من ذلك ولكن طلباً للاختصار أتينا بالخلاصة وما على فضيلة العلماء الذين وقَّعوا على ذلك البيان إلاَّ أن يخلصوا نصحهم فيما ينفع الناس ويجلب السعادة لهم في دنياهم وآخرتهم وأن يعيدوا النظر في بيانهم الذي هو بمثابة فتوى فقد يسبب الأضرار الخطيرة في الفتيات الصغيرات جراء تزويجهن وهن أطفال لم يكتمل نموهن الجسدي ولم يبلغن سن النكاح، فنخشى عليهم أن يتحملوا إثم ذلك، لأن بيانهم قد يعطي الضوء الأخضر للآباء في تزويج بناتهم الصغيرات اللواتي لم يبلغن سن التكليف ولا سن البلوغ.. قصة الطفلات نجود وريم وعائشة وغيرهن الكثيرات من ضحايا جهل بعض الآباء وجشعهم ليست ببعيدة، فالعمل بتلك الفتوى يسبب لنا مآسي إنسانية كل يوم وبناءً على ما ذكرناه فإن الكثير من العلماء أصحاب العقول السامية والمفكرين والباحثين يؤكدون على منع تزويج الصغيرة ويؤيدون مجلس النواب في إصداره قانوناً لمنع الزواج قبل سن الثامنة عشرة لأنه قانون مستمد من روح الشريعة الإسلامية السمحة التي تقدم درء المفسدة على جلب المصلحة، هذا وندعو أبناء اليمن حكاماً ومحكومين إلى تطبيق هذا القانون الذي فيه الحفاظ على الصغيرات من حيث صحتهن الجسدية وحالتهن النفسية والخوف من إلحاق الضرر بهن فكم سمعنا ورأينا من اللواتي زوجهن آباؤهن فأصبن بأضرار جسدية وبعضهن بالشلل النصفي بل البعض وصل الأمر إلى حد الوفاة بسبب النزيف الذي حدث لهن في ليلة الدخلة كالطفلة اليمنية التي زوجها أهلها وعمرها لم يتجاوز الثانية عشرة وقد ذكر خبرها بعض القنوات منها قناة (B.B.C) مساء يوم الجمعة الموافق 9 /4 /2010م والبعض الآخر لقين حتفهن بعد وضع حملهن وذلك لأن بنيتهن غير متكاملة وجسدهن يضعف عن الحمل والبعض اجريت لهن عمليات قيصرية وكم من كوارث صحية ونفسية حدثت من جراء تزويج الصغيرات.. انّا لله وإنا إليه راجعون.. [c1]* باحث اسلامي يمني [/c]