سررت كثيراً حين أهداني الأديب القاص الشاب ياسر عبدالباقي نسخة من مجموعته القصصية الأولى " أحلام" وهي المجموعة التي تولى اصدارها صندوق التراث والتنمية الثقافية في وزارة الثقافة متزامنة مع إعلان صنعاء عاصمة للثقافة العربية للعام 2004م. والمجموعة تتكون من اربع عشرة قصة، تبدأ بقصة "المقايضة" وتنتهي بقصة موت قصة وبين القصتين تقع قصص جميلة يأنس القارئ لها، ويجد فيها من المتعة والفائدة الكثير. وتتميز المجموعة بحضور المرأة فيها بقوة ، حيث تجد المرأة المحور الرئيس لكثير من القصص، فهي هناك في المقايضة، النهر، الرائحة المحرمة، الثأر، الخيانة وغيرها، ولعل اللوحة التي زينت غلاف المجموعة بريشة الفنان البديع أحمد عبدالعزيز، لعلها تشي بما اختزنته في داخلها وتكشف منذ الوهلة الاولى أو قل من النظرة الاولى خبايا المجموعة . ثم ان القاص ياسر ترك بعضاً من قصصه بنهايات مفتوحة .. فضاءات تمتد امام القارئ تفسح المجال لخياله ان يسبح بحرية كيف شاء هذا هو الحال مع قصص الثأر خيانة ، وكانت فتاة وقصص اخرى فنهاية قصة الثأر مثلاً تأتيك على هذه الشاكلة اغمض الرجل عينيه .. انطفأت أضواء القناديل، مرت سحابة ســوداء على القمر .. فغبت عن عيون الكون لحظات في ظلمة الليـــل. هكذا اختار ياسر نهاية مفتوحة لقصته .. ترك لك ان ترسم النهاية كما تشاء .. لم يصرح بها .. هذا الجو السوداوي ، انطفأ القناديل مرور السحابة على القمر ، الغياب في ظلمة الليل .. تومئ جميعها إلى نهاية مأساوية .. لكنها هناك وراء غلالة تسترها وتحجبها عن العين غير البصيرة . والحق ان المجموعة تشترك في كثير من قصصها بخصائص موحدة من حيث حضور المرأة كما أسلفت وكذا النهايات المفتوحة لعددٍ منها ، ومناقشة الخيانة الزوجية ، أو اقامة علاقة غير شرعية بين طرفٍ وطرفٍ آخر، بل ان قصتين اثنتين اخذتا موضوع الخيانة عنواناً لهما فالأولى سماها "خيانة" والاخرى سماها "الخيانة" ولعل التنكير في عنوان القصة الأولى قد جاء مقصوداً ويشير إلى شكل من اشكال الخيانة غير المتوقع، بل المستهجن إلى حدٍ بعيد. " صاحت .. نهض من الفراش بفزع .. تراجعت إلى الخلف وعيناها تحدقان بهما متعبة ، باشمئزاز .. رجل و ..." . وقصة "النهر" هي ايضاً تسلط الضوء على الموضوع ذاته. ولقد ذكرتني حال قراءتها بقصة الاديب العالمي الراحل نجيب محفوظ " اللص والكلاب" بطل قصة النهر يستحضر من ذاكرتك سعيد مهران ورغبته العارمة في الانتقام من زوجته وصديقه ، وإن كان الرجل هنا ليس صديقاً له . عنصر المفاجأة هو ايضاً أحد العناصر المهمة التي ارتكز عليها القاص ياسر عبدالباقي في البناء الدرامي لنهايات بعض من قصصه .. ففي قصة " الرائحة المحرمة" تساومه جدته على كتمان مابدر منه مقابل تسجيل نصف الارض التي ورثها عن أمه باسمها فيفعل بطل القصة ذلك مرغماً وحتف انفه خوف الفضيحة . حال افصاحها بالأمر وخروجه عن الدائرة الصغيرة .. تم الاتفاق بينها ثم " ماكادت قدماي تلج السيارة حتى سمعت صرخة" قوية لن أنساها، كانت صرخة امرأة عمي". وقصة " ليلى" هي ايضاً تفاجئنا بنهايتها غير المتوقعة ، وتقترب من ذلك ايضاً وإن كانت بشكل مأساوي مؤلم نهاية الممرضة في قصة " جثة برداء أبيض" . وان استطعت تجاوز بعض القصص ، خوفاً من التطويل ، واصابة القارئ بالملل فإنني أجد صعوبة جمة في تجاوز قصة " مريم لاتعيش مرتين" وهي قصة تتحدث عن زواج صغيرات السن بمن يكبرهن سناً . وكذا عن ما بلغته بعض المناطق من الجهل والإيمان بالشعوذة والخرافة وهي ـ أي القصة ـ قصة مأساوية برع ياسر في سبكها ، في وصف معاناة بطلتها ، وحال اهلها، وما فعله معها المشعوذ أو بالاحرى ما فعله بها . القصة إدانة جلية لأبي الفتاة وامها وللمجتمع كله " قام جميعهم المشعوذ ووالدتها والنساء الاخريات بتقييدها بالحبال على سريرها". وكانت نهاية المسكينة ـ وهي لاحول لها ولاقوة ، وهي المبرأة من كل ذنب بل وهي الضحية في كل الاحوال .. كانت نهايتها ان ماتت بضرب النعال بعد ان حملت من المشعوذ الذي ادعى أن المارد قد تمكن منها وتزوجها وقد حملت منه، فما كان من حل امام النساء المغموسات في مستنقع الجهل والخرافة إلا ضرب الجني وولده والقضاء عليهما بالقضاء عليها . ان شذراتٍ من هذه القصة او تلك لن تغنيك عن قراءة المجموعة ، واحسب انني قد نجحت إلى حدٍ ما باغرائك بالبحث عنها لتجد المتعة كاملة في قراءة المجموعة القصصية "أحلام" . أما اذا سألتني ، فلماذا اختار لها اسم "احلام" فلسوف اترك الباب امامك موارباً ، فصحيح ان المجموعة تحتوي على قصة باسم "رغبة احلام" لكننى ارى أنها قد تكون سبباً في تسمية المجموعة لكنها بكل تأكيد ليست السبب الوحيد . لذا أدع لك الباب موارباً وأنهي المقال نهاية مفتوحة على غرار نهايات كثير من قصص المجموعة علك بعد قراءتها تستنج وانت تبحر في عالم التصورات والاخيلة السبب وراء اسم مجموعة القاص البديع ياسر عبدالباقي ..كمال محمود اليماني
|
ثقافة
ياسـر اليمانـي .. ورحلة مع أحلامه
أخبار متعلقة