من سلسلة قصص خيالية عن الاشباح
تاليف / س . هـ . بورتن انتزعت حقيبة الرسائل وغادرت مكتب البريد ، كانت الحقيبة ممتلئة بالرسائل لارسالها لاصحابها ، وكنت اشعر بالسعادة الغامرة ، فقد كانت الساعة السابعة صباحاً وكان الجو دافئا وكانت الشمس مشرقة ، كان يوماً رائعاً ، بدأت امشي حول شوارع منطقة هيلويك ، لم يكن سبب سعادتي دفء الجو فقط ، ولكن حصولي على وظيفة ساعي البريد في منطقة هيلويك بعد ان أمضيت فترة طويلة وزوجتي نعيش في لندن ، وهاهي الفرصة قد سنحت لي كي احصل على وظيفة ساعي البريد في هذه المنطقة وقد اغتنمتها ، ولمرات عديدة كنت اتساءل ان كنت قد اتخذت القرار الصحيح ام لا ، فليس من الحكمة دائماً ان تترك المكان الذي كنت تعيش فيه ، ولكن الآن وبعد مضي ستة اسابيع على انتقالنا إلى هذه المنطقة شعرت بأنني قد اتخذت القرار الصحيح ، فقد اصبح لدينا منزل صغير ومريح مع حديقة خلابه ، وقد احببنا الجو المحيط بهذه المنطقة ، فقد كانت منطقة هادئة وقد أسطعت وزوجتي من تكوين بعض الصداقات في حينها، لقد شعرنا بالسعادة في هذه المنطقة ، وكنت دوما مغرما بعملي ، فقد كنت احب ان اتنفس الهواء العليل وان اقوم ببعض التمارين الرياضية وكان عملي كساع للبريد يسمح لي بذلك ، لقد كنت اكره العمل الروتيني المكتبي والجلوس على كرسي العمل طوال اليوم حتى يأتي وقت الانصراف ، واعتقدت بأن عملي مهم جداً بالنسبة للناس ، فالناس تحتاج لساعي البريدكي يوصل لهم رسائلهم بأمان ، كما ان الشركات ترسل وتستلم قراراتها عبر البريد ، كما ان الحياة العملية للبلد ستتوقف ان توقف ارسال واستقبال الرسائل ، ولكنني احب ارسال الرسائل الخاصة ، كما انني احب ان تحمل اخبار طيبة للمرسل اليهم ، ولكن لا تحمل الرسائل الخاصة دائماً اخباراً طيبة ، بالطبع فأنا لا اعلم ما تحويه هذه الرسائل ولكنني احب ان اجعل الناس سعداء باستقبال الرسائل التي اوصلها لهم . وكنت مشغولاً بكل ذلك عندما مررت بشارع جولد ستريت في ذلك اليوم الدافئ ، وكانت معظم البنايات في ذلك الشارع عبارة عن محلات ومكاتب وقد اوصلت الرسائل لجميعهم تقريباً ، وفي طريق عودتي انعطفت يسارا صوب شارع الكنيسة ، وبدأت بتوصيل مابقى من رسائل لاصحابها قبل ان اعود إلى مكتب البريد ، لم يستلم كثير من الناس في شارع الكنيسة عدد من الرسائل في ذلك اليوم ، لذا وصلت بسرعة لآخر منزل في ذلك الشارع لاسلمة رسائله وكان رقمة (92) ، كانت له حوالي ثلاث رسائل ، وبمجرد ان فتحت باب الحديقة كي ادخل واسلم الرسائل سمعت صوتا يقول لي " لقد نسيت رسالتي ايها الساعي " ، كان الصوت قادماً من حديقة المنزل المجاور رقم (91) ، وكانت امرأة تقف من الباب الامامي لذلك المنزل وقلت لها " انتظري لحظة لوسمحتي ، سأسلم جميع الرسائل لهذا المنزل ثم اعود اليك " ، بعده قمت بوضع الرسائل في صندوق الرسائل الخاص بالمنزل رقم (92) ، بعدها تحركت صوب حديقة المنزل المجاور ، وبدأت ابحث عن الرسائل الخاصة بذلك العنوان ، ولكنني لم اجد اي رسالة في الحقيبة مرسلة للمنزل رقم (91) ، وقفت المرأة بانتظاري وكانت هناك ابتسامة رقيقة على شفتيها ، وقد بدت متأكدة بأن هناك رسالة لها ، وكانت تحرك يدها في بعض الاحيان بحيث تمكنت من أن خاتمها الذهبي الكبير على اصبعها ، كانت ترتدي حلة خضراء داكنة كما كانت احذيتها تلمع مع ضوء الشمس ، وقد بدت سعيدة جداً وانا ابحث عن رسالة لها في حقيبتي ، لم اكن اريد ان اراها حزينة ، فقالت لي " قد تكون بطاقة بريدية ، فهو احيانا يرسل لي رسالة واحيانا اخرى بطاقة بريدية " ، كان صوتها ناعما ومهذباً ، وكانت عيناها الكبيرتين تتابعني باهتمام وانا ابحث لها عن رسالة مرسلة لها ، قالت لي ثانية " انها بطاقة او رسالة من ابني الذي يعيش في امريكا ، مضى عليه سنوات عديدة وهو هناك وانا لم اره منذ ذلك الحين ، وهو لم ينسى ابداً عيد ميلادي ان اليوم هو عيدميلادي ايها الساعي " ، حاولت التحدث اليها ، حاولت ان اجعلها سعيدة ، حاولت جاهداً ان ابحث لها عن رسالة من ولدها ، ولكنني كنت اعرف بأنه لاتوجد اي رسالة لها "، فقالت لي بتوسل " ارجوك ابحث ثانية ، انا متأكدة من انك ستجد رسالة او بطاقة مكتوب عليها للسيدة اميلي روجرز منزل رقم (91) شارع الكنيسة " ، تظاهرات بأنني ابحث ثانية خلال حقيبتي ، وقد اخذت الرسائل المتبقية فيها وقد تظاهرات بقراءة العناوين عليها ، وكنت متأكداً بأنني لم اكن مخطئاً ، فلم يكن هناك اي رسالة باسم السيدة روجرز ولكنني لم أشأ ان اراها حزينة ، وبينما تظاهرات بالبحث عن رسالة لها شعرت بالغضب تجاه ولدها ، لقد كان قاسياً جداً في نسيانه لعيد ميلاد والدته هذا ما شعرته ، ولكن في النهاية كان علي ان اتكلم الحقيقة ، فلم يكن بوسعي ان اضاهر الوقت كله بالبحث عن رسالة او بطاقة بريدية لا اثر لها ، كما كان عليها العودة إلى مكتب البريد فقلت لها بألم وحرج " آسف ياسيدة روجرز ، لاتوجد اي رسالة او بطاقة لك ، ربما تأتي لاحقاً هذا المساء .. وربما غداً .. او .. انا اسف ياسيدتي " ، اختفت الابتسامة السعيدة من على وجه السيدة ورأيت الدموع وهي تنهمر من على خديها وفجأة بدت متعبة ومرهقة جداً ، فقلت لها " تبدين متعبة ، دعيني اساعدك للدخول إلى المنزل " ، فردت " لا ، لا انه ابني ، ابني العزيز شيء ماقد حدث له فلم ينسى عيد مولدي قط " كان صوتها ضعيفا وحزينا ، وبعدها انحرفت عني ودخلت بيتها لا تلوي على شيء ، مشيت ببطء في طريق عودتي من خارج بوابة الحديقة وعندما التفت ثانية نحو المنزل وجدت ان الباب كان قد اغلق وان السيدة روجرز كانت قد دخلت منزلها ، وزعت ماتبقى من الرسائل والبطاقات البريدية وعدت بعدها إلى مكتب البريد لقد انهيت نوبة الصباح ، وكنت في استراحة حتى السادسة مساء من نفس اليوم ، وحتى ذلك الوقت كان علي الذهاب إلى مكتب البريد لاخذ الرسائل إلى محطة القطار ، وقبل حلول نوبة السادسة مساء وبينما كنت في طريق العودة اوقفت دراجتي بالقرب من مطعم صغير فدخلته وطلبت كوبا من القهوة ، كنت افكر كثيراً في موضوع السيدة روجرز ، يالها من سيدة مسكينة لازلت ارى دموعها وهي تنهمر من خديها حزنا والما ياله من عيد ميلاد حزين بالنسبة لها وكان ردي لها بعدم وجود اي رسائل لها زادها الما وحزنا بالطبع لم يكن الذنب ذنبي ، وجهت اللوم كل اللوم لابنها ، لقد كان جاحداً ولم يهتم بمناسبة كهذه كان هو المسؤول عن المها وحزنها ، كنت كثيراً ما افكر في طريقة ما لاسعادها ، بعدها راوتني فكرة ، ومن ثم اسرعت خارجاً من المطعم واتجهت بدراجتي صوب جولد ستريت حتى وصلت نحو اقرب محل لبيع الصحف والمجلات وكان يبيع بعض البطائق البريدية الخاصة بأعياد الميلاد وبعد جهد جهيد استطعت اختيار واحد للسيدة روجرز ، لم يكن من السهل علي اختيار البطاقة فمعظم البطائق المعروضة لم تكن تليق بسن السيدة روجرز ، كانت معظمها تناسب الاطفال او الشباب المراهق ، ولكنني وجدت ظالتي في بطاقة بسيطة وانيقة بها رسمة منقولة عن لوحة تشكيلية للفنان الانكليزي الكبير تيرنر ، واسفل البطاقة كتبت " للسيدة روجرز ، آمل ان اوصل لك بطاقة من ابنك غداً ، ساعي البريد " ، شعرت بنوع من الراحة بما قمت به ان وطبعاً بطاقة من غريب ليس لها وقع الاثر مثل بطاقة من ولدها كنت اعرف ذلك ، ولكنني على الاقل قمت بما يمليه علي ضميري كما انها ستشعر بأن هناك من يفكر بها على الاقل مما سيخفف كثيراً من حزنها ، ركبت دراجتي واتجهت صوب شارع الكنيسة ، وكانت هناك شاحنة كبيرة تقف بالقرب من احد المنازل فلم استطع من المرور فكان علي الانتظار وكنت اعرف أني سأصل متأخراً إلى المنزل رقم (91) ، وبينما كنت منتظراً الشاحنة لتمر كنت افكر في امر السيدة روجرز واقول لنفسي لقد مضي على هنا اكثر من ستة اسابيع وانا اوصل الرسائل إلى اصحابها وكذا في شارع الكنيسة ولكن لماذا لم ارى السيدة روجرز من قبل ، لا اذكر انني قمت بتوصيل رسالة او بطاقة بريدية إلى المنزل رقم (91) من قبل ، كان ذلك غريباً علي بعض الشيء ، بدأت الشاحنة بالتحرك وعلى التو توجهت صوب المنزل رقم (91) الخاص بالسيدة روجرز ، تركت دراجتي بالقرب من بوابة حديقة منزلها بعدها سالت نفسي " هل من الممكن ان اضع البطاقة على صندوق الرسائل ؟ ولكنني بعدها فكرت لن يكون ذلك لطيفاً ، ان اليوم هو عيد ميلادها فمن المؤكد انها تود الحديث مع اي شخص ، كما انني كنت اريد ان ارى السعادة على وجهها وهي تستلم البطاقة البريدية مني يداً بيد ، بدأت اطرق الباب وكنت احمل البطاقة على يدي اليسرى ، وفجأة سمعت صوتا من المنزل المجاور يقول " لن يرد عليك احد ياساعي البريد " ، لقدرأيتها من قبل انها السيدة سبارسون ، وقد بدأت وكأنها تعرف شيئاً عن السيدة روجرز فقلت لها " لا افهم ما تعنينه باسيدتي " ، فقالت " اقول لك بأنك لن تلقى جوابا " ، فقلت لها " ولكنني احمل بطاقة بريدية للمنزل رقم (91) ، فقالت " لايوجد احد بهذا المنزل " ، فقلت بالحاح " ولكنني احمل بطاقة بريدية للسيدة روجرز ، ان اليوم هو عيد ميلادها " فقالت " نعم ان اليوم هو عيد ميلادها ، او بالاحرى كان عيد ميلادها " فسألتها بدهشة " كان ؟؟!! ماذا تقصدين ياسيدتي ؟" فقالت شارحة " اعني بأن السيدة روجرز لا تعيش في هذا المنزل . لا احد يعيش في هذا المنزل منذ السنة الماضية " ، فقلت لها " ولكنني رأيت السيدة روجرز هذا الصباح " فقالت " لابد انك كنت تحلم " ، فقلت لها مجدداً " كانت تنتظرني واخبرتني بأنها تنتظر رسالة من ابنها الذي يعيش في امريكا " ، ردت السيدة سبارسون قائلة " كان يعيش في امريكا ، اسمع ياساعي البريد مثل هذا اليوم وقبل عام مضى كانت السيدة روجرز تنتظر بطاقة معايدة من ابنها بمناسبة عيد ميلادها ، ولم ينسى ابنها يوم عيد ميلادها قط ، ولكن للأسف لم تصل البطاقة ولكن في وقت لاحق من نفس ذلك اليوم وصل تلغرافا من امريكا للمنزل رقم (91) يخبرها بوفاة ولدها نتيجة لحادث الم به في سيارته " ، فقلت " مسكينة السيدة روجرز ، يالها من اخبار مفزعة للسيدة روجرز وفي عيد ميلادها " ، واصلت السيدة سبارسون كلامها قائلة " نعم بالفعل كانت اخبار سيئة ، وبعدها اصيبت السيدة روجرز بسكتة قلبية لهول الصدمة عليها ، وتوفيت لاحقاً في نفس ذلك اليوم قبل عام " ، تسمرت في مكانها لبرهة من الوقت لهول ماسمعت ونظرت إلى السيدة سبارسون وبعدها دخلت منزلها ، كانت صدمة بالنسبة لي انا ايضاً .