الشاعر عبدالرحمن السقاف
مجازاً تجربة الشعراء الشباب أو الجيل السبعيني كما عرف بذلك , وهو جيل ظهر في عدن بوجه خاص اتسم شعرهم بالغضب والثورية والحزن والألم وقليل من الفرح , وفي جانبه الفني التزم الغموض مدخلاً بارزاً ومشهداً دائماً في أغلب قصائدهم . هذا الجيل الشاب حينها – أي قبل ثلاثة عقود – أصبح أغلبهم اليوم من كبار شعراء اليمن / محمد حسين هيثم , عبدالرحمن إبراهيم , نجيب مقبل , شوقي شفيق , جنيد الجنيد , مبارك سالمين , محمد ناصر شراء , علي الصيعري ,آخرين .سعيد صالح بامكريدهذا الجيل بدأ الكتابة الإبداعية في ظل تصاعد المد الثوري وانتشار أفكار اليسار العالمية وتزايد حركات الكفاح المسلح الثورية في عدد من بلدان العالم .. في هذه المرحلة تشكل الحس الأدبي والرؤية الإبداعية والموقف السياسي لدى هذا الجيل الذي ناضل من أجل الاستقلال السياسي والتحرر الاقتصادي والاجتماعي في اليمن .. هذا الجيل مر فنياً وإبداعياً بمرحلة " التجريب " ومحاولة التشكل والتبلور مقدمين تجربة لا يمكن تجاوزها عند دراسة تطور القصيدة الحديثة في بلادنا, أو عند الحديث عن الأجيال الشعرية أو تطور الإبداع الشعري في مسيرة الحياة الأدبية والثقافية في اليمن .سأحاول هنا قدر الإمكان الاقتراب من بعض جماليات وفنيات القصيد عند الشاعر / عبدالرحمن السقاف الذي أراد منذ انطلاقته الأدبية تقديم نفسه من خلال لغته الخاصة ومكوناتها الذاتية , وكأنه يقول دعوني أعطيكم لغتي وبلاغتي الممتلئة بالغناء والسحر والجمال وإسقاط الحاجز بين لغة الأدب ولغة الحياة اليومية , إن كان هناك حاجز في الأصل .لنرى بعض بداياته في قصيدته المسماة " مفاتيح المدن الصباحية " من ديوانه الأول الموسوم " وللوردة رأي أيضاً " الصادر عن وزارة الثقافة – الشطر الجنوبي بالتعاون مع دار الفارابي بيروت – يقول :[c1]حكايات حزني كثيرةهاتي مفاتيح صبح الشجيراتونامي على شاطئ وأحملينينحو جزائر نورراودتني كثيراًطلي على أغنيات الحمائمفما زال قلبي يحن إلى النبعيؤرقني شوق السنابلإلى مدن شيدتها الرياح[/c]يبدو جلياً التداخل والتشابك بين مخزونات الذاكرة ومعطيات الحواس مندمجاًَ مع البراءة واللغة الرومانسية لتشكل صورة شعرية يكتنفها بعض الغموض والبحث عن فردوس مفقود أو عالم طوباوي , لذا نجد أنفسنا أمام عالم صادق ونقي يمثل مفتاحاً لفهم الشاعر أو العالم الذي يريد أن يكون , ها نحن نراه يؤكد ذلك بجزم في قصيدته " من أغاني الأشواق للقادم من مدن التعب " في نفس الديوان وللوردة رأي أيضاً , حيث يقول :[c1]ترتاح على هرب الحلم عيونيحين تزف طيور الماء حكايا الشوقالمنساح على جدران القلبفأغني :يا ابن الوجع / الأحزانيا قطرات الضوء المخيفة ...علمنا الحب ...كيف نحيط الطرحةمن خرق الأكفانعلمنا الحب كيف نلملم آهات الإنسان[/c]يظهر جلياً نجاح الشاعر في استخدام وتوظيف ألفاظ وعبارات اللغة اليومية في سياق شعري بديع ليوصل الفكرة والموقف إلى المتلقي بصورة سلسلة واضحة , كما بدأت تتجلى اللغة الغنائية عند الشاعر من حيث اكتنازها بالنغم والموسيقى والبساطة والجمال , دعونا نرى ذلك في قصيدته الرشيقة التي سماها أغنية في ديوانه الثاني " دندنات لسيدة الموج " الصادر عام 1988م عن دار الهمداني للطباعة والنشر في عدن .. يقول في كلماتها :[c1]ولما التقيناومرّ الحديث على شفتينارقيقاً وذابولما التقيناوراحت تغني على نظراتناحكايا عذابنسينا بأنا" زمان افترقنا "وأنا تركناهوانا الغريقنسينا بأناأضعنا خطاناوشكل الطريقوغصنا بصمتكليل العذابوطعم الحريق[/c]ظلت " الغنائية " برقة كلماتها وسحر صورها وتجانس أنغامها سمة مميزة لشاعرنا / عبدالرحمن السقاف , وهذا ما جعله يتقدم على بعض أقرانه وزملائه في هذا المجال , فعدد لا بأس به من قصائده أصبحت أغاني مشهورة على لسان كبار الفنانين , فقد غنى لشاعرنا السقاف الفنان الراحل / أحمد بن أحمد قاسم والفنانة الرائعة / أمل كعدل وكثير من الفنانين المعروفين في اليمن وعدن بوجه خاص .أما عمله الشعري الجديد الموسوم " دم الينابيع هذه رطانتي " الصادر عام 1995م عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين , والذي سنتوقف عنده بعض الشيء وذلك للحضور الكبير لمدينته ومسقط رأسه ومحط أحلامه وحديقة عشقه عدن بما تحمله من رائحة المكان وزرقة البحر وشطآنها المليئة بالدفء والحنان , كيف هي عدن عند شاعرنا الذي يقول في قصيدته " من ذاكرة الماء " :"[c1] حنجرتي دقت باب الماءيا عدن انفتحي بستاناً ورواءظمأ يشتد "ويضيف في مقطع آخر :حنجرتي دقت باب الماءيا عدن اقتربيأشجاراً وسماءأمطاراً وغداءأحلاماً وغناءيا عدن انفتحي فينا أضواءطيري فوق جبينيأشعاراً وهواء[/c]هذه هي عدن التي يأمل عودتها إليه مدينة العطاء الثقافي والإبداعي والشعري والفني مدينة الأضواء والجمال والأحلام والعطاء الدائم , مدينة تتفتح حضارة ومدينة وسلام, ما أروعه السقاف وهو يقول :[c1]طيري فوق جبينيأشعاراً وهواء [/c]أي فناً وإبداعاً جميلاً وحرية لا حدود لها , لان الحرية هي وطن الإبداع الحقيقي , ودونها لا إبداع بل لا حياة حقيقية للإنسان .وفي قصيدته الأجمل عن " عدن " من نفس الديوان " دم الينابيع " والتي سماها سلامٌ عدن " يقول فيها :" [c1]سلام عدن "سلام البحر يضم اللياليفي حضن صيرة "[/c]تأملوا معي هذا الصورة الشعرية الجميلة وذاك المشهد الأخاذ , ستبقى هذه الصورة وذاك المشهد ماثلاً على الدوام في ذهن القارئ وها هو يضيف لاستكمال ذلك المشهد البديع قائلاً :[c1]سلامٌ لشط هوى العاشقينفي " ساحل أبين "يشدو عبيراًسلام لعينينخجلى تطير نوراً ونوراًسلام لفجر صبايا عدننراه يرفرف علينا سروراً( وذكرى لقاء الأحبة فينا حماماً وطيراً ) [/c]السقاف شاعرٌ أحب عدن أيما حب بل حباً لا حد له , وعدن مدينة ساحرة تستحق كل ذلك الحب وربما أكثر .شاعرنا ترعرع ونما في شوارع عدن وأحيائها وأزقتها وحواريها , ولا ضير أن يبدع فيها وعنها شعراً وفناً بديعاً , ,أن يذوب عشقاً فيها , وهو أيضاً الوفاء للمكان الذي أحتضن أجمل الذكريات واصدق التجارب الإنسانية .. دعونا نرى ذلك :[c1]سلامٌ عدنحواري عدنبخور عدنوالعذراء ربيعوماءووجه حسنوالصباحات تجريبسحر وفنوالشموس تغنيبصوت أغنسلام عدن .[/c]