من أعلام السينما العربية
عرف عنه أنه أفضل من قدم المسرح الشعري .. فقد رشحه عميد المسرح يوسف وهبي ليخلفه على خشبة المسرح وبكت عليه جيهان السادات عندما مات في "الوزير العاشق" أنه النجم المسرحي "عبدالله غيث" الذي رفض التنازلات الفنية ليظل أحد أبرز نجوم المسرح العربي طوال خمسين عاماً.ولد عبدالله غيث في 28/1/1928م بقرية شلشمون مركز منيا القمح بالشرقية .. فهو من أسرة تمتلك مئات الأفدنة لأب يجيد الإنجليزية ويدرس الطب في لندن واستدعي أبوه ليتولى العمودية بقريته مع بوادر الحرب العالمية الاولى .. فتزوج وأنجب خمسة أبناء وقد كان عبدالله غيث أصغر ابنائه .توفي والده وهو لايزال صغيراً فاستمر في دراسته بالقرية إلا أنه كان تلميذاً شقياً يحب الهروب من المدرسة ليذهب إلى السينما والمسارح والحفلات الصباحية وبالكاد يحصل على الاعدادية ثم الثانوية وظل بعدها يعمل بالزراعة ويشرف على ارضه مدة عشر سنوات ثم انتقل إلى القاهرة والتحق بمعهد الفنون المسرحية بإشراف أخيه حمدي غيث الذي عمل استاذاً بالمعهد بعد رجوعه من بعثته بباريس.التحق عبدالله غيث بالمسرح القومي وهو لايزال طالباً في المعهد ولم يصادف أي مشكلة في دخوله إلى عالم الفن.تزوج الفنان عبدالله غيث صغراً "18 سنة" من ابنة خالته التي رافقته طوال رحلة عمره وانجبت له أدهم وأنا وعبلة والحسيني .. فقد كان محافظاً في بيته لايخلط بين صداقات الفن وجو الأسرة إلا في أضيق الحدود .. بدأ عبدالله غيث عمله في المسرح القومي بأعمال كلاسيكية مترجمة وصلت إلى مئات المسرحيات منها : "وراء الأفق" و"حبيبتي شامينا" و "الخال فانيا" و"دنشواي الحمراء" و"كفاح شعب" و"مأساة جميلة" و" تحت الرماد" و"الدخان" و"الكراسي" و"الوزير العاشق" و"مرتفعات وذرنج" و"ملك القطن" و"آه ياغجر" و"الزير سالم" وكثيراً ماكانو يرشحونه للادوار الصعبة.وتلا ذلك قيامه بأدوار البطولة في معظم المسرحيات الشعرية فاستحق عن جدارة لقب النجم الأول على مستوى الوطن العربي للمسرح الذي يؤدي شعراً وكان من قبل يفني .. لم يكن يحلم بأن يكون مهندساً أومحامياً وانحصر حلمه في شيئين أما أن يكون فلاحاً أو فناناً فقد كان يعشق الريف ولايجد نفسه على حقيقتها إلا في قريته وهو يرتدي الجلباب ويجلس على المصطبة تحت الجميزة في الغيط على شاطئ الترعة بعيداً عن المظاهر والشكليات.وكان يتردد مرتين في الاسبوع على قريته ما جعله يشارك أهله وجيرانه كفاحهم والتعرف على مشاكلهم ومتاعبهم وآلامهم وأمانيهم ولذلك منحوه الحب والثقة ورشحوه للعمودية بعد وفاة والده وأخيه الأكبر .. وعندما أعلن موافقته المبدئية على المنصب اضيئت المنازل في الريف ترحيباً بهذه الموافقة ولما شغله الفن عن تولي العمودية ساهم في توليتها لابن عمه.لم يشارك عبدالله غيث إلا في عدد قليل من الأفلام اشهرها "أدهم الشرقاوي" عام 1964م و"حكاية من بلدنا" و"السمان والخريف" و"جفت الامطار" و"الحرام" وكان لفيلم "الرسالة" العالمي وضع خاص .. ويرجع قلة الافلام إلى عدم استعداده لتقديم أي تنازلات وكان يدقق في ما يختاره ويناسبه من الناحية الفنية فظل يمارس الفن بروح الهواية ولم يستطع أحد منافسته خاصة في نوعية الادوار التي يختارها.وقع اختيار المنتج والمخرج السوري "مصطفى العقاد" على عبدالله غيث للقيام بدور حمزة" عم الرسول صلى الله عليه وسلم في فيلم الرسالة عام 1966م والذي صورت معظم مشاهده ما بين أرض ليبيا والمغرب وتم انتاج نسختين منه عربية وانجليزية بنفس الديكور والمناظر مع تغيير في المجاميع والابطال وفي المقابل قام الممثل العالمي "انتوني كوين" بدور حمزة" في النسخة الانجليزية اعتقد المخرج مصطفى العقاد في البداية أن الممثلين العرب سوف يتعلمون الأداء الدرامي من الاجانب فتعمد ان يبدأ تصوير كل مشهد بالابطال الأجانب وبعد مضي ثلاثة مشاهد بالتحديد فوجئ العقاد بالفرق في الاحساس بالشخصية وطريقة الأداء بين الممثل العربي وزميله الأجنبي فطلب من أنتوني كوين أن يجعل المجموعة العربية تبدأ بالتمثيل إذ لايعقل ان تمثل شخصية إسلامية مثل "أسد قريش بأسلوب أمريكاني يطغي عليه الكابوي كان انتوني كوين يقف معجباً مشدوهاً وهو يتابع عبدالله غيث حيث قال "لو كان عبدالله غيث في أوروبا أو امريكا لكان له شأن آخر" وأيدته النجمة العالمية في هذا الرأي قائلة : " إن عبدالله غيث فنان عالمي على مستوى عال".أما في عالم التلفزيون اشتهر في العديد من المسلسلات الناجحة أولها مسلسل "هارب من الأيام" عام 1963م ولقب بعده بملك الفيديو "الصبر" و"الثعلب" و "المال والبنون" و"محمد رسول الله" و "الحرية" و"الكبرياء تليق بالفرسان" وآخرها "ذئاب الجبل" ولم يكن عبدالله راغباً في التردد على الاطباء أو المستشفيات لذلك لم تكتشف اصابته بسرطان الرئة والكبد معاً إلا في مراحلهما الاخيرة وكان وقتها يعمل في مسلسل "ذئاب الجبل" وفي مسرحية "آه يا غجر" تحامل على نفسه حتى انتهت المسرحية ولم يستطع اكمال اربعة مشاهد من "ذئاب الجبل" وأثناء وجوده بالمستشفى فوجئ بوفد ليبي ينوب عن الرئيس العقيد معمر القذافي يبلغه بأن هناك طائرة طبية خاصة تنتظره لنقله إلى أي بلد في العالم للعلاج اخبرهم طبيبه الخاص بأنه قد فات الاوان .. رحل عبدالله غيث عن الدنيا في يوم الاربعاء "10/3"1993م".