إعداد / أ.د. محمد سعد عبد اللطيف : يرى الأطباء أن هذا المرض ينتج عن اضطراب العمليات الكيمائية في الأجهزة العصبية المركزية إلا أن الحياة النفسية للناس لها أيضا تأثير على الأجهزة العصبية المركزية التي تضطرب نتيجة لاستمرار القلق والمخاوف خاصة المخاوف الدينية وهذه الظاهرة لاحظناها حول مرض الوسواس .. ومن الملاحظات التي وجدناها أيضا أن مرضى الوسواس خاصة إذا كانت الأعراض هي وسوسة دينية يزداد قلقهم ويكون هذا مدعاة لاستمرار سؤالهم لرجال الدين حول موقفهم هل هو حرام ، وكيف يستطيعون التخلص من هذه الأفكار .. لذا كان على رجال الطب النفسي أن يحاولوا إقناع الدعاة أن هذه الأفكار لا يمكن وقفها بإرادة المريض وأنها لا تدخل في نطاق الشكوك الدينية التي ربما كانت عند الأشخاص الأسوياء توقع في الحرمات. [c1]علاقة قوية بين الاكتئاب والوسواس[/c]الأفكار الوسواسية .. تسلطية.. عدوانية.. تشككية، فهناك فرق بين الأشخاص الذين تنتابهم شكوك مرضية وبين هؤلاء المرضى الذين يعانون من أفكار وسواسية قهرية ليست للإرادة الإنسانية وقفها عند حد من الحدود . وعلى رجال الدعوة بيان ذلك والقرآن الكريم يقول : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) فمسئولية هؤلاء المرضى غير ذات موضوع نظرا لحالتهم المرضية التي تعفيهم من المسئولية و هناك علاقة قوية بين الاكتئاب والوسواس فحالات الوسواس تزداد مع زيادة موجات الاكتئاب، لذا يجب على الطبيب النفسي أن يهتم بعلاج هذه الأمراض الوسواسية ويعطي الاهتمام لعلاج الأعراض الاكتئابية.. والعلاج الكيميائي في هذا المرض غير من توقعات الأطباء فكنا في الماضي نجد من الصعوبة إيقاف هذه الأعراض أما الآن فمع العقاقير الجديدة والأدوية المستحدثة حول علاج الوسوسة القهرية هناك أثر صحي إيجابي مع العلاج وعلى الطبيب أن يضع أمام المريض هذه الحقيقة ويطالبه بتوقع الشفاء التام بإذن الله.[c1]أفكار متسلطة [/c]يقول د. حامد زهران أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس أن الوسواس أفكار متسلطة يتكرر ورودها دائما ويظهر معها أو يصاحبها سلوك قهري يستحوذ على المريض ويفرض نفسه عليه ولا يستطيع أن يقاومه على الرغم من أنه فكر غريب وسلوك غريب ويشعر الفرد بالقلق والتوتر إذا قاوم ما توسوس به نفسه ويبدو أن الفكر الوسواسي والسلوك القهري المصاحب له يسيطران على شعور الفرد ويسكتان صوت المنطق .. إذن الفكر الوسواسي والسلوك القهري متلازمان كأنهما وجهان لعملة واحدة . [c1]الوسواس ينهك الإنسان [/c]الوسواس ينهك الفرد لأنه فكر غير طبيعي وسلوك شاذ يصاحبه قلق وخوف مرضي وشعور بالإجهاد والإنسان الذي يعانى من الوسواس والقهر يطلق عليه الشخصية الوسواسية القهرية وتتصف بالجمود والتزمت والتردد والتشكك والتدقيق والتمركز حول الذات ويبدو أنه يتمسك بالنظافة والفضيلة والكمال وحب النظام ودقة المواعيد ويبدو أنه شخص فاضل ولكنه غير سعيد ومن أمثلة الشخصيات الوسواسية القهرية الموظف الروتيني الشكلي الذي يبالغ في المراجعة والتدقيق وربة البيت التي تعمل ليل نهار في نظافة المنزل والأطفال والملابس والأواني .. ومن أخطر أسباب الإصابة بالوسواس القهري الأمراض المعدية الخطيرة والحوادث والصراع بين الخير والشر داخل الإنسان والإحباط المستمر والخوف وعدم الثقة في النفس والتنشئة الاجتماعية الخاطئة والشعور بالذنب وتأنيب الضمير وتقليد سلوك الآخرين المرضى بالوسواس. والأفكار الوسواسية المتسلطة معظمها تشككية أو اتهامية للزوج أو الزوجة أو عدوانية أو تفكير في شيء معين كالحياة الزوجية أو الموت وأحيانا نجد الفكر المعاود كتكرار الأغاني والفكر الخرافي أو الأفكار السوداء التشاؤمية وتوقع الشر والأفكار التي تعبر عن الضمير الحي الزائد عن الطبيعي ولوم الذات وعدم التسامح والاستغراق في أحلام اليقظة والقلق الشديد جدا إذا خرج الفرد عن الحدود والتحريمات التي فرضها على نفسه . وتبرز سلوكيات الشخص المصاب بالوسواس القهري من خلال طقوس حركية غريبة مثل المشي على الرصيف بشكل منتظم والنظافة المتكررة مثل غسيل الأيدي المتكرر في اليوم الواحد والاستهلاك للمناديل الورقية والشك المتطرف في الذات والآخرين خاصة الأزواج.وأحيانا يكون هذا السلوك موجها للمجتمع مثل مضايقة الناس في الشوارع والحفلات والمناسبات . أما التعرف على هؤلاء المرضى، فيعتبر سهلا حيث يلحظهم الناس من تصرفاته الغريبة والشاذة وقد لا يكون الوسواس مرضا في حد ذاته ولكنه عرض لمرض آخر مثل ذهان الهوس والاكتئاب لذا يجب أن يلجأ الإنسان للعلاج النفسي والاجتماعي إذا لاحظ بعض الأعراض الخفيفة السابقة، وخاصة في بداية ظهوره، والتغلب على الأسباب السيئة المحيطة والمساعدة على حدوث التوافق النفسي والاجتماعي الذي يركز على إزالة الأسباب المرضية عند كل فرد على حدة .. واستخدام العلاج السلوكي للتخلص من الأمراض. [c1]الاتهام بالجنون [/c]يقول د . ممتاز عبد الوهاب أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة :إن الوسواس القهري هو أحد الأمراض النفسية التي تنتشر في كل المجتمعات تقريبا ومن بينها المجتمع المصري .. وكانت الأبحاث القديمة تقدره بنسبة ضئيلة .. ولكن الأبحاث الوبائية الجديدة كشفت عن زيادة نسبته التي وصلت إلى 5 % من مجموع الناس .. ولكن كثيرا من المصابين بالوساوس يحاولون إخفاءها والتقليل من شأنها خوفا من أن يتهموا بالجنون أو المرض النفسي الذي ما زال كثير من الناس يعتبرونه عيبا في الإنسان مع أنه مرض مثل أي مرض في الدنيا .. ويضيف الدكتور مختار عبد الوهاب أن الوسواس القهري عبارة عن أعراض متكررة بنفس الطريقة والمريض يعلم ويدرى أنها خاطئة ويحاول مقاومتها ولكنها تفرض نفسها عليه في النهاية وقد تصيب أي وظيفة نفسية فإذا أصابت مثلا التفكير، تسمى Rumination أي الاجترار تشبها بعملية اجترار الطعام الذي تقوم به الحيوانات. [c1]أعراض متكررة [/c]مريض الوسواس تعتريه أفكار معينة يجد نفسه من خلالها يفكر في فكرة معينة ويعلم أنها فكرة خاطئة فيحاول إبعادها عن مخه ويشعر بقلق وتوتر شديد يظل في التصاعد حتى يضطر للتفكير فيها مرة أخرى وغالبا ما تكون أفكارا فلسفية أو دينية متعلقة بالخالق فقد يشعر المريض بأنه يلفظ بألفاظ خارجة أثناء الصلاة أو أنه يفكر في موضوعات لها علاقة بالدين ويحاول السيطرة على أفكاره ولكنه يفشل وقد يصاب الإنسان بالوسوسة في الحركة وهو ما يسمى Retinols أي الطقوس فيشعر الإنسان أن يديه ملوثتان ويحاول إبعاد هذه الفكرة فهو يعلم أن يديه نظيفتان ولكن تظل الفكرة ويظل يقاومها وتتصاعد حدة التوتر والقلق حتى يضطر أن يغسل يديه فيرتاح ويهدأ نفسيا. ثم تبدأ الفكرة مرة أخرى في الإلحاح عليه ويبدأ في مقاومتها فيزداد القلق النفسي والتوتر حتى يضطر إلى غسل يديه مرة أخرى . أما إذا أصاب الوسواس المشاعر فإن المريض يشعر بالخوف غير الواقعي وغير المستند إلى الحقيقة فهو يخاف من أشياء كثيرة خوفا مما يتبعها من أحداث وأفكار فهو يخاف لأنه يشعر أنه قد يعتدي بها على الآخرين خصوصا أولاده على سبيل المثال . أو يخاف من حيوانات معينة وقد يصل به الخوف مداه ويصاب بحالة من الهلع إذا هو شاهدها .. وفى كل الأحوال يعمل على أن يتجنبها في طريقه ويبتعد عنها حتى لا يصادفها.والإنسان العادي قد يصاب ببعض الأعراض الو سواسية فمثلا كل من قد يفاجأ وهو يردد لحنا أو أغنية معينة تلح على تفكيره ويحاول إبعادها عن ذهنه وهذا لا يعتبر وسواسا. أما الوسواس فلابد له من الاستمرار ما يهدد الراحة النفسية للإنسان ويهدد قدرته على التأقلم والعمل. والوسواس القهري قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية كثيرة فقد يؤدي إلى فشل الحياة الزوجية، فإذا كانت المرأة مثلا مصابة بالوسواس القهري قد ترفض الاقتراب من زوجها أو إقامة علاقة معه خوفا من الدنس وعدم الطهارة .. كما قد يكون لها طقوس خاصة بالمنزل تجعل زوجها يهرب من هذا العذاب فهناك سيدات يطلبن من أزواجهن خلع الأحذية قبل دخول الشقة أو تمضين كل وقتهن في التنظيف والتطهير وغسل الأشياء غير القابلة للغسيل مثل الأجهزة الكهربائية كالراديو والتليفزيون. تزداد الوساوس القهرية في الشخصية الموسوسة أي الشخصية التي تحب النظافة والنظام الشديدين وتتميز بالدقة الشديدة في كل شيء، فهو يحب كل شيء في مكانه.[c1]الفـرق بين الشك البنـاء والوسـواس[/c]الشخص الموسوس منطو بطبعه يميل إلى الحزن صاحي الضمير ويحاسب على كل شيء ومتردد وغير قادر على اتخاذ القرارات لأنه يخاف من عواقب هذا القرار وهو لا يحتمل الخطأ . كما لوحظ أن مرض الوسواس القهري يكثر بين الأسر الموجود بها مريض عن طريق الوراثة أو عن طريق التعلم والنقل عنه . كما أن الأم التي تبذل مجهودا كبيرا واهتماما فائقا بتعليم أطفالها التحكم في التبول والتبرز مايعرضهم أكثر للوساوس . والفرق بين الشك البناء والوسواس أن يعيد الإنسان النظر في ما يفعله أو يعتقده محاولة منه للنقد الذاتي حتى يحقق أفضل نتيجة .. فلا مانع أن يراجع الإنسان عمله ليتأكد من أدائه حيث أنه ليس هناك إنسان معصوم من الخطأ ، فالشك البناء هو الشك الذي يؤدي إلى التصحيح ويعتمد على الثقة بالنفس والوعي الكامل بالمسئولية والدراية بظروف العمل والحياة والمرونة والنضج العقلي ويؤدي إلى النجاح والإبداع . أما الوسوسة فهي عدم الثقة بالنفس والتردد ومضيعة للوقت والجهد ومشاكل عديدة في الحياة وفى العمل وغالبا ما تنتهي بالفشل إذا لم يتداركها الإنسان بالعلاج فهو معيق ومعطل للإنسان .. وعلينا أن نتعامل مع الشخص الموسوس على أنه مريض لابد من طمأنته وتشجيعه وزرع الثقة في نفسه ويجب أن نقلل من إحساسه بالذنب لما يعتريه من أفكار ونشرح له أنها تحدث رغما عنه وان الله غفور رحيم ويعلم أنه مريض ولن يحاسبه عليها. كما يجب أن نشجعه على مقاومة هذه الوساوس والتحكم بها وأن يتعلم كيف يوجه عقله وتفكيره إلى أشياء أخرى. [c1]الإنسان العادي قد يصاب بالمرض [/c]الوساوس قد ترغم الإنسان على سلوكيات بذاتها وقد تكون منافية لعادات المجتمع وتقاليده الأمر الذي يصبح فيه الشخص غريبا وشاذا وهناك ما نسميه بالمخاوف الو سواسية وهو نوع من أنواع الانفصال بالخوف يتصور فيه الإنسان أنه سيرتكب عملا يخشى من آثاره . ومن طبيعة مريض الوسواس أنه متردد ويفكر في الشيء ونقيضه .. ولا يصل إلى قرار؛ لأنه يشك فيه وكثيرا ما يسمون هذا العصاب بعصاب الشك، والإنسان يمكنه أن يكتشف أنه مصاب إذا ما انطبقت عليه الأعراض السابقة .. وعلى كل حال فإن الوسواس مرض يمكن شفاؤه حيث أن الأدوية التي تعالجه تماما أصبحت كثيرة وفى متناول الجميع .
الفكر الوسواسي والسلوك القهري وجهان لعملة واحدة
أخبار متعلقة