أضواء
فشلت الاشتراكية الماركسية بسبب نظامها القمعي، وامتلاك كل مقومات الاقتصاد بيد الدولة حتى تحين رحلة التطبيق الشيوعي الكامل، وهو نظام أقرب «لليوتوبيا» منه إلى الواقع المعاش..تثبت أمريكا ـ كنظام أخلاقي اجتماعي ـ خطورة الحرية المطلقة. تثبت تجاربها أن الإنسان يتحول إلى قنبلة حينما يتدثر الحرية الموغلة في استقلالية الفرد عن الجماعة. آمنت أمريكا بحق الفرد في حمل واقتناء السلاح وفتحت له الدكاكين فاكتشفت في عشر سنوات فقط مقتل المئات في باحات المدارس. وتحسبا لمجرد واحد من بين كل مليون، اضطر ـ المليون ـ الأخير لاقتناء السلاح دفاعا عن النفس. آمنت أمريكا بحق ـ المثليين ـ في المعاملة الإنسانية من باب حرية الاختيار فاكتشفت أن الإيدز يسري كالهشيم في الأجساد لأن ـ اللواط ـ بيئة الفيروس الدافئة. آمنت أمريكا بحرية الاعتقاد فأصبح ـ المسيح ـ عليه السلام صورة كارتونية في صدر الصحف للاستهزاء والسخرية فمن يلجم الرسام عن بقية الأديان. آمنت أمريكا بحرية السوق المطلقة وعندما وقف سوقها الضخم على حافة الإفلاس والانهيار عادت لتضرب كل تاريخ هذه الحرية بقانون تمويل واحد من عشر صفحات: اشترت كل الديون الهالكة والأصول المدينة فتحولت أمريكا في أربع ساعات فقط لأكبر مشروع ـ تأميم ـ عرفته الإنسانية وباتت في ظرف ليلة واحدة أكبر مشروع ـ اشتراكي ـ عرفه تاريخ الأنظمة السياسية. من يصدق أن الحكومة الأمريكية تشتري ملايين البيوت وحصص مئات البنوك ومن يصدق أن أمريكا تمتلك في سوقها الحر اليوم ضعف ما تمتلكه شيوعية الصين. تثبت تجارب أمريكا خطورة الحرية المطلقة وأكثر من هذا خطورة استقلالية الفرد ـ الكاملة عن منظومة الجماعة. آمنت أمريكا تماما بأفكار جون آدم سميث، منظر الرأسمالية الأول، ثم عادت بعد قرنين، وفي ظرف ساعتين، لتستنجد بشيء من نظريات كارل ماركس الاشتراكية. آمنت أمريكا بقيم تشارلز إيرفنج في أن الإنسان يولد بلا قيود دينية ثم عادت بعد قرنين لتنتخب المحافظين الجدد في أشمل نزعة تطرف ديني تجتاح مجتمعا في كل التاريخ. تثبت القصة الأمريكية برهاناً واحداً: أن الحرية تبقى فكرة نسبية وأن الأفكار والأفراد المستقلة تحمل كل قنابل الخطورة إذا لم تكن متناغمة وليدة من الرحم الاجتماعي الشامل. [c1]* عن/ صحيفة(الوطن) السعودية [/c]