الاعتماد على الحوار سبيلاً لحل المشاكل من الأساليب الديمقراطية والحضارية الراقية الراسخة في النهج الديمقراطي المعتمد على التعددية السياسية وحرية التعبير والتبادل السلمي للسلطة في الجمهورية اليمنية. ومنذ أن تلازمت الوحدة اليمنية بالديمقراطية حتى يومنا هذا ما برحت التجربة الديمقراطية في اليمن تزداد ترسخاً وان شابتها بعض الإخفاقات والاختلالات فثقافة الحوار في حد ذاتها تحتاج إلى مزيد من العناية والرعاية والاهتمام من قبل الجميع على الساحة الوطنية في اليمن ومن جميع المشاركين في اللعبة السياسية أو العمل السياسي حيث تبرز بين الفينة والأخرى عدم المقدرة على العمل السياسي المبني على روح العطاء والأخذ بين الأطراف المختلفة في المنظومة السياسية وذلك في حد ذاته يمثل اخطر جوانب القصور في العملية الديمقراطية في اليمن والأخطر منه أن تحذر الأمور إلى المجابهة الدامية والمظاهرات وحركات الاحتجاج السياسية الصاخبة مما يهدد المشروع السياسي بالفشل الذريع وتبرز معه الخشية من الارتداد عن الديمقراطية إذ أن فشل مختلف الأطراف في البلد في إدارة المشروع السياسي عن طريق التقاسم المشترك وان تشارك بصيغ مرنة تقوم على التبادل الذكي للمصالح وإعطاء ثقافة الحوار حقها من الاهتمام والرعاية وحلت محله الحلول المتشنجة والتكفير والتخوين والتفسيق وأمور أخرى باتت تهدد مصالح البلد لا أول لها ولا أخر هذا الفشل طال الجميع سلطة ومعارضة ويجب أن نعترف به. وبنظرة واقعية للأمور اليوم يجد المرء نفسه حائراً أمام ممارسات المعارضة وردود أفعال السلطة والعكس فبين دعوة المعارضة إلى الحوار فيما بينها وما تم حتى الآن في هذا الصدد وبين دعوة رئيس الجمهورية إلى مؤتمر الحوار وأجواء التحضير لعقد المؤتمر تحت قبة مجلس الشورى غير أن هذه الحيرة تتلاشى تدريجياً مع كل تقدم في مستوى الحوار أن بين أطراف المعارضة أو مؤتمر الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية آملاً أبناء هذا الوطن على إدارة اختلافهم بطريقة عقلانية ومنطقية وواقعية بعيداً عن تأزيم المواقف والنزاع والشقاق المدمر والمواجهة والصراع الداميين. نعم خلال الفترة القريبة الماضية خروج عن قواعد اللعبة الديمقراطية فالسلطة تتهم المعارضة بتشجيع تأزيم الأوضاع إن لم يكن السكوت عما يجري في بعض المحافظات والمعارضة تتهم السلطة بالنكوص عن ما تم الاتفاق عليه في اللقاءات السابقة فيما بينهما وأقصى ما نخشاه إذا ما فشل عقد الحوار بين مختلف الأطراف وأصرت المعارضة على عدم الدخول في الحوار مع السلطة أن يتم تكريس الصراع غير المتقن والخالي من الآليات المتفق عليها في العمل السياسي في البلد بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة ويتحول بموجب ذلك الاختلاف إلى مزيد من الصراع الذي يرهق كأهل البلد ويحملها المزيد من الأعباء وينعكس ذلك على مستوى حياة المواطنين المعيشية نظراً للأعباء الباهظة الناجمة عن الوضع الحالي المتأزم في البلد. في تقديرنا أن الحوار هو انجح السبل لوضع المعالجات لكل ما يجري في الوطن الذي تتلاطمه الأمواج العاتية وهذا القارب هو أمل الجميع فنحن نرى أن هناك من يصر على العيش وسط أمواج البحر المتلاطمة رافضاً مد يده إلى القارب للمشاركة في إيصال الوطن إلى بر الأمان بسبب افتقاده النية بالنجاة وكلما اقترب القارب تلكأ بالإمساك به ويضيع الفرص السانحة ليس في إنقاذ نفسه فحسب بل والمشاركة في إيصال القارب إلى بر الأمان. ومشاركة منا في تعزيز ثقافة الحوار بين كافة الأطراف وتعزيزاً ايضاً للجهود المبذولة لإنجاح وترسيخ هذه الثقافة فإننا نستعرض هنا ابرز القضايا المساعدة على إنجاح الحوار ولا يعني ذلك إغفال لدور المتخصصين في المجتمع الذين هم اليوم أكثر من أي وقت مضى معنيون لإجراء الدراسات المعمقة بطبيعة الظواهر الاجتماعية في مجتمعنا عبر الوسائل وأساليب التحليل المناسبة لما يجري في المجتمع بطريقة منطقية وعقلانية ليكون ذلك مادة هامة تساعد على مواجهة بعض الظواهر ومجابهتها ومع ذلك فان موضوعنا المطروق حول ثقافة الحوار وسبل إنجاحها وتعزيزها يعد اسهاماً متواضعاً استخلصناه من تجربتنا في مجال العمل الاجتماعي مستفيدين من خبرة وتجارب الاسبقين . إن أفضل السبل لإنجاح الحوار تكمن في التعرف على أفضل وسائل تكوين الأرضيات المشتركة والتفاهم الفعال رغم اختلاف الرؤى للقضايا وطرائق معالجتها وتجنب تفجير الصراعات والجدل العقيم الذي يستنفد الوقت والجهد وفي حال تعارض أهداف وأجندات المتحاورين أو اختلفت أساليبهم في معالجة هذه المشكلة أو تلك لابد من البحث عن الأرضيات المشتركة بهدف الوصول إلى أفضل الاختيارات أو الاتفاقات الممكنة التي من شأنها أن تتيح للمتحاورين الارتقاء بمستوى أدائهم الحواري والتركيز على حل المشاكل دون الاصطدام السلبي بين الأشخاص وتجنب حالات سوء الفهم خاصة غير المقصودة كما يفترض تجنب كل ما يعمق الصراعات دون مبرر حقيقي والدخول إلى الحوار بعد أن يتعرف الجميع على اهتمامات بعضهم بعضاً لكي يأخذها الجميع بعين الاعتبار للوصول إلى صيغ مشتركة مفيدة للمصلحة العامة وبصورة واقعية وهكذا بوجه عام علينا جميعاً امتلاك القدرة العلمية والعملية على فهم طبيعة وتعقيدات الحوار التي تستلزم معرفة تقنيات ومهارات وكفاءات الحوار المختلفة وعملية التواصل أي أن ثقافة الحوار تستلزم التركيز على حل المشاكل وتجنب التعرض للأشخاص بأي نوع من التشويه أي تحري الموضوعية وتجنب الشخصية في تناول المسائل وامتداح الموقف الايجابي أي كان واضعه أو متخذه والاهتمام بمصالح الجميع في الوطن ثم تنمية حسن الاستماع الجيد للآخرين وتجنب هيمنة الافتراضات المسبقة التي نرسمها في أذهاننا عن بعضنا بعضاً واستيعاب ما يطرح وتخزينه في الذاكرة بصورة منظمة لاسترجاعه في الوقت المناسب في الحوار.هناك أمور أخرى مساعدة على إنجاح الحوار كضرورة مقاومة الخضوع للأهواء والأمزجة أي تصديق كل رأي بتسرع دون وجود أدلة أو براهين تؤكد صحة ما طرح كما أنه ستبرز خلال الحوار عدداً من الحجج المختلفة هذه الحجج لا يفترض أن توضع بهدف إلحاق الهزيمة بالطرف الآخر المشارك في الحوار وتجسد مبدأ التسلط في الحوار وهو مبدأ هدام ينسف الحوار من أساسه كما أن هناك أمور أخرى مساعدة لإنجاح الحوار كالاهتمام بالوقت واستخدامه ايجابياً لإنجاح الحوار والابتعاد عن الأسلوب غير المباشر في الأمور التي تحتاج إلى توضيح دقيق وتجنب أساليب المغالطات والدفاع عن الأوضاع الخاطئة أو عدم الاعتراف بالخطأ أي كان الطرف الذي ارتكبه من الأطراف المشاركة في الحوار وتجنب التقوقع داخل الذات والخوف من المواجهة الايجابية مع الآخرين كما أن على جميع المشاركين في الحوار انتهاج مبدأ تحقيق الممكن وتجنب السقوط في الحب النظري لانجاز كل شيء دفعة واحدة فالكمال لله وحده وعلى أي مشارك في الحوار أن يشعر بتعقيدات الأمور وحيثيات التطبيق المنطقية وأن كل الأمور لا تحل بعصى سحرية لذلك فعلى المتحاورين استنفاذ كافة السبل لتحقيق الممكن الذي يفيد البلد والناس فيها أن كانت انتماءاتهم السياسية ومشاربهم الفكرية.كل متحاور منا سواء في حوار المعارضة فيما بينها أو الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية عليه أن يعي جيداً أن مبدأ الحوار يقتضي تحديد النقاط التي يمكن التحاور بشأنها والتي تؤسس لأرضيه مشتركه مع الآخرين بقدر الإمكان ولابد من تحديد أولويات الحوار هل نبدأ بالمشكلات الرئيسية أم الثانوية كما أن علينا أن نختار جهة مشتركة لتقييم الموقف التحاوري ومعرفة مستجداته التي حدثت أثناء الحوار لإشعار المتحاورين بالأهداف المحققة والتي لم يتم الاتفاق حولها كما أن المتحاورين يفترض بهم جميعاً مراعاة كمية المعلومات التي تلقى على ساحة الحوار ولابد أن يتحلى المتحاورين بصفة وهي ألا يخرجوا لا أكثر عن أسلوب الحوار وما يتطلبه ولا أقل بل أن عليهم أن يزنوا الأمور بالأسلوب الذي يتيح النجاح للعملية التحاورية والإيفاء بما يتم الاتفاق عليه في الحوار أي أن يكون للكلام قوته ومعقوليته على ساحة التنفيذ والالتزام.كما أنه يجب توثيق أحداث الحوار في المجالات المختلفة ومقارنتها بالأهداف عند الدخول إلى الحوار أي في بدايته لمعرفة ما يتم انجازه وتحديد جهة قانونية ودستورية تضمن مدى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في المحصلة النهائية للحوار فعدم وجود جدول زمني محدد للحلول يلتزم به كافة المتحاورين يعني عدم الجدية في التعامل مع القضايا من كافة الأطراف المتحاورة إن في الحوار الوطني الشامل أو الحوار بين أحزاب المعارضة على حد سواء.
|
ءات
الحوار.. كيف نمارسه ثقافة ومنهاج حياة
أخبار متعلقة