عشق عدن لأنها وطنه الأول
حوار وعدسة : نادرة عبد القدوسهو من أبناء كريتر في مدينه عدن .. أحبها حد النخاع .. لم يتعد العقد الرابع من العمر إلا أنه عندما يحدثك عن مدينته الساحرة عدن بكثير من التفاصيل التاريخية تشعر وكأنما الرجل أحد المؤرخين لتاريخ المدينة .. أما عندما تسمعه يتحدث عن الفن العدني وتلك الأغاني القديمة التي ظهرت منذ عقود يخال لك بأنه كان واحداً من المؤسسين للأغنية العدنية .. فهو يحفظ أسماء مطربي ومغنيي تلك المرحلة البعيدة و أسماء أغانيهم التي أطربت وأشجت الناس . ولأنها كانت البداية والأصل للأغاني الطربية والإيقاعية على مستوى الجزيرة والخليج فقد تم الاقتباس منها والافتتان بها إلى حد نقلها واستنساخها واعتبارها من تراثهم القديم .. لذلك لازلنا نسمع الكثير من الأغاني العدنية تُغنى في دول الخليج دون الإشارة إلى أصلها ونسبها بتجاهل تام منهم ومنا فيضيع حق الشعراء والملحنين اليمنيين الذين أنتجوها ، فضلاً عن حق المطرب والفنان اليمني الذي شدى بها وأوصلها إلى مسامعهم .. صاحبنا هو الشاب محمد عبده محمد عيسى صاحب محل " ماريا " لبيع الأشرطة الغنائية المختلفة منها القديمة والحديثة العربية وغير العربية القابع في موضع صغير غير مرئي في أحد شوارع مدينة كريتر الخلابة ، المكتظة بالناس ليلاً ونهاراً وكأنها خلية نحل ، وتكون ذروة الاكتظاظ في شهر رمضان الكريم حيث يؤمها المواطنون من كل فج قصي في الوطن .. لأنها مدينة الحب والحلم والجمال والسكينة والبحر المعطاء .. سألت "حمدين" ( هكذا ينادونه ) عن أسباب اهتمامه بالأغاني العدنية القديمة ؟ فرد مبتسماً وبنبرة هادئة كرومانسي يحدث عن عشيقته " حبي لعدن وتراثها القديم والأصيل .. عدن أم المدن . هي البداية وهي النهاية للإنسان وبالذات مدينة كريتر التي تحضن الناس بجبالها الشامخة وببحرها الجميل الصافي المرتبط بها ارتباطاً دون انفصام منذ الأزل .. " والأغاني العدنية كيف تجمعها خاصة القديمة منها ؟" أجاب وابتسامته لم تفارقه " هذه قصة طويلة وسر لا يذاع لكن استطيع أن أقول لك فقط إنني أملك أغانٍ عدنية من عشرينيات القرن المنصرم لإبراهيم الماس والشيخ أبوبكر باشراحيل والجراش ومحمد جمعه خان ومنها أغانٍ نادرة لم يسمعها أحد بعد ". وبعد هنيهة صمت استطرد حمدين قائلاً " مئات الأشرطة عندي لأحمد قاسم في تسجيلات خاصة ومحمد عبده زيدي ومحمد سعد والمرشدي وفؤاد الشريف وخليل محمد خليل وغيرهم " ." وماذا عن المطربات العدنيات اللاتي أطربن بأصواتهن شعوب البلدان المجاورة كصباح منصر ورجاء باسودان وفتحيه الصغيرة ( الثلاثي اللطيف ) في الستينيات وغيرهن من مطربات ذلك الزمان الجميل ؟" ضحكته كانت بمثابة الرد على سؤالي ولكنه أكد لي " أنا ليس عندي فقط أغانيهن المسجلة في الستينيات وأوائل السبعينيات بل عندي ماهو أقدم .." فقاطعته " ماذا تقصد ؟" قال :" عندي تسجيلات أغاني الأطفال التي صدحت بأصواتهن ..هل أسمعك ؟" وبدون أي تردد وبكل حماس وشوق للاستماع أجبته بالموافقة فقد كانت لهذه الأغاني نكهة أخاذة في طفولتي حين كنت أرددها مع بنات أعمامي في بيت العائلة الكبير الذي نشأنا وترعرعنا فيه جميعنا وافترقنا بعد امتداد الزمن..وبدأ الشريط يدور في جهاز التسجيل وانساب صوت الإعلامي المتميز الذي فقدناه علوي السقاف وهو يقدم أنشودة الثلاث البطات التي كانت إحداهن بنيّة اللون وأنشودة الأرنبة تفاحة التي خالفت نصيحة أمها وخرجت من البيت لتلعب فخطفها الذئب وأنشودة بيع التيس وغيرها من الأناشيد الجميلة المنطلقة من فلكلورنا وقصصنا الشعبية وعادت بي الذكريات إلى الماضي البعيد القريب حين كانت جدتي تحكي لي ولأخوتي الصغار حكايات قبل النوم.. وكنا نلتف حولها بآذانٍ صاغية تشنف لما تقول الجدة وننام على النهاية السعيدة لحكاياتها وما أكثرها وما أجملها . سألت محدثي العاشق لعدن ولكريتر بالذات : " هل تجد الأغاني العدنية طلباً في السوق ؟" رد بتفاخر جم " كثير جداً خاصة الأغاني القديمة " فسألته ممازحة " مؤكد من الكهولة ؟" رد علي ضاحكاً " أسمحي لي بأن أخالفك الرأي فإن الشباب أكثر طلباً على الأغاني العدنية القديمة والحديثة".