نجوى عبدالقادر لم يجد الباحث عن احتلال عدن كتاباً آخر يضم في طياته كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة عن قصة الاحتلال البريطاني .. كما جاءت في كتاب ( هدية الزمن ) .ولقد بذل الأمير أحمد فضل القمندان كل جهوده وإمكانياته الأدبية والعلمية ليؤرخ الفترة الزمنية الصعبة والدول التي حكمت مخالف لحج وبندر عدن . وكما ورد في مقدمة المؤلف : ( .. وبما اني ابن البلاد اللحجية ، وقد رأيت أن ما يكتبه الكتاب عن بلادنا لايخلو من الأغلاط الخفية والجلية ، طالعت الأسفار وتحققت الأخبار ، وتحريت أنباء الصغار والكبار ، فأبنت عن واهيها ومكذوبها ، وعلى حد المثل فإن أهل مكة أدرى بشعابها ، وقد لاقينا في جمعها من مشقة الحصول على بعض التواريخ اليمنية القلمية وصعوبة قراءة مخطوطها إما للقدم او لأنها غير منقوطة ولا مشكوله ، وذلك ما يشكو منه الكثير من قراء التواريخ اليمنية المخطوطة) . والقارئ ( لهدية الزمن ) سيجد مادة شائقة وممتعة ومفيدة معاً ذلك أن القمندان لم يترك شاردة ولا واردة عن تاريخ لحج وعدن الا ضمها في كتابه والذي يحوي في طياته عدة فصول مهمة ولعل أهم فصل فيه هو الفصل الثاني عشر وفيه يتحدث المؤرخ عن دولة الأتراك في لحج وعدن وطمع البرتغاليين في عدن .. وثورة العدنيين على الأتراك والمحاولات الأولى في احتلال عدن .. ثم وصول أول سفينة بريطانية إلى عدن .. وغيرها من الأحداث الداخلية والفتن والمناوشات التي أضعفت الحكام والأمراء والسلاطين في جميع مناطق اليمن . اما الفصل الثالث عشر : فيتحدث فيه عن المحاولات الفرنسية ، مطامع نابليون بعد أن قدمت البعثة الفرنسية إلى عدن وانشغال البلاد العربية بالحملة الوهابية والتصدي لها .. وهذا ما جعل الطريق ممهداً لاحتلال عدن بعد محاولات يائسة من قبل الانجليز والفرنسيين وكان قد سبقهما البرتغاليون . وكما يؤكد لنا المؤلف أن الفتن الداخلية بين سلاطين لحج والمناطق المجاورة لها وحكامها .. كانت قد أضعفت المقاومة الصارمة لهذا الاحتلال البريطاني ناهيك عن المنازعات القبلية والحروب الطائفية بين الشافعية والزيدية . ويستمر الأمير أحمد فضل القمندان بسرد هذه الأحداث الداخلية .. واستغلال الانجليز لهذه الفتن والمنازعات حتى بدأت تتوغل في المناطق اليمنية الواحدة بعد الأخرى من خلال المعاهدات والاتفاقيات التي كان الانجليز يعقدونها مع السلاطين والأمراء والمشائخ بغرض الحماية وممارسة السياسة الاستعمارية المعروفة بشتى أساليبها المقنعة والمفرقة بين اليمنيين .. حتى أصبحت الولايات والمخاليف اليمنية جميعها تحت حماية هذه المستعمرة البريطانية التي ربطت جنوب اليمن بمستعمرتها الهندية لفترة طويلة من الزمن . ويكشف لنا المؤرخ جانباً كبيراً من الأحداث المهمة التي مرت بها منطقة لحج في جنوب العالمية الأولى وكيف تعرضت هذه المنطقة للاحتلال التركي من قبل علي سعيد باشا ، وما قاسته هذه المنطقة وأهاليها من ويلات الحرب العظمى .. وما تعرضت له من الأوبئة والمجاعات والتشرد وهدم المنازل والمساجد ولم تمتد يد الحماية البريطانية إليهم رغم المعاهدات الودية بين بريطانيا وسلاطين لحج .. ويصور المؤلف ايضاً حالة البؤس والذعر والدمار التي لحقت بلحج وأبنائها واراضيها الزراعية ومواشيها نتيجة مهاجمة الأتراك قراهم الآمنة .. واكتفت بريطانيا بحماية منطقة عدن والمناطق التابعة لمصالحها حول مدينة عدن .. وكان الاتراك في الحرب العالمية الأولى كما نعرف في صف المانيا وحلفائها .. اما بريطانيا وفرنسا فقد كانت في الصف الآخر .. ورغم وقوف بريطانيا موقف المتفرج في هذه الحرب التي شنها الأتراك طمعاً منهم في احتلال البلاد العربية وامتداد طموحهم إلى احتلال الصومال والدناقلة اذا تم النصر لالمانيا .. الا أن سلاطين لحج والقبائل اليمنية المتحالفة معهم قاومت الاحتلال التركي مقاومة عنيفة وعاد الأتراك من هذه الحرب بخسارة كبيرة وهزيمة أكبر عندما أضعفت المانيا وحلفاؤها في نهاية الحرب العالمية الأولى . وما يميز كتاب ( هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن ) أنه يؤرخ للتاريخ القريب والبعيد في الزمن الذي عاصره القمندان . أما التاريخ القريب فقد عمد المؤلف إلى الرواية الإخبارية والشفهية التي لجأ إليها لتدوين تاريخ لحج وعدن من السنة الشيوخ الكبار في السن وهنا يعتمد في الرواية الشفهية أكثر من مصدر ، أكثر من شخص واحد .. وعند اتفاق الرواية يعتمدها كمصدر من مصادر جمع المعلومات .هذا بالاضافة إلى المراجع المطبوعة والمخطوطة والوثائق الرسمية المخطوطة والوثائق التركية بلغتها والوثائق الانجليزية المترجمة ويلحق بالمراجع مجموعة الجداول الزمنية والمكانية وجدول لولاة عدن من قبل بريطانيا وجدول بترتيب سلاطين لحج ، وعدن ودولها المتعاقبة على الحكم قبل الاحتلال ، ثم جدول بأشهر القبائل والعائلات اللحجية . ورغم ما يحتويه الكتاب من فصول مهمة تاريخ لحج وعدن الا أن ما نرصده هنا إشارة الكتاب إلى تاريخ الاحتلال البريطاني لمنطقة عدن والمحاولات الأولى التي سبقت احتلال عدن وتوسع بريطانيا إلى المناطق الجنوبية بغرض الحماية أو تأمين مصالحها واستغلال خيراتها الزراعية وبسط نفوذها على أهم ميناء تجاري في طريق الملاحة البحرية .
|
ثقافة
المحاولات الأولى لاحتلال عدن كما يرويها المؤرخ الأمير أحمد فضل القمندان في كتابه هدية الزمن في أخبار لحج وعدن
أخبار متعلقة