الفنان التشكيلي الراحل نبيل القاضي
[c1]د. زينب حزام [/c]في أعماله ملمح إنساني خاص ، بسيط متطلع للمستقبل الأفضل يسعى دوماً للتغيير والتجديد في عمله الفني ، ولهذا رغم رحيله ، بقي فنه خالداً يدل على فنان عشق الفن بكل حواسه وعقله ليبين لنا أين يبدأ القصد وماهي حدود المصادفة .الفنان الراحل نبيل القاضي ، عشق الفن التشكيلي ،وسعى إلى التجديد في معظم أعماله الفنية ، حيث بدأت معظم اعماله متحولة بشكل مستمر من تعقدات معالجة السطح التصويري باللمسات المتداخلة والمتراكمة والمحددة في قسوة العلاقة والتناقض بين الظل والضوء ، فقد سعى إلى تبسيط اعماله الفنية حتى تكون واضحة للمشاهد، إذ كان يرسم اللوحات الفنية ذات الملامح والأشكال التي تحمل الفانتازيا اللون ونثر الزخارف الملونة على السطح تحولاً ليس طفرياً ، قدر ماهو واع بلغة الشكل ، مبتعد عن المباشرة في عمله الفني للوحة .كان الفنان القاضي ، يميل إلى رسم شواطئ عدن الذهبية لحبه الشديد للبحر والنوارس واللون الازرق .. للبحر والسماء وهو يرسم القوارب والسفن والأسماك ، والأحياء الشعبية في منطقة الشيخ عثمان والمنصورة حيث نشأ وترعرع فيها ، ونال دراسته الابتدائية والثانوية ، ثم سافر إلى موسكو لدراسة الفن التشكيلي وحصل على شهادة الماجستير ، وقد نشأ في أسرة أدبية تحترم الآداب والفنون الجميلة ، وهو ابن الاديب الكبير الراحل عبدالمجيد القاضي . وقد أثر هذا الجو الأدبي الذي نشأ عليه الفنان الراحل نبيل القاضي على فنه ، فأخذ يرسم لوحات فنية تنبض بالحياة ، سواء جاء النتاج ذا ملامح هندسية ساكنة مجردة أو بعفوية تعبيرية هادرة أي أنه وببساطة شديدة قد فهم بوعي ان الفن التشكيلي هو من الفنون الانسانية التي تحمل المشاعر والاحاسيس الوجدانية للانسان ، تخاطب العقل والوجدان ، فراح فناننا اليمني الراحل يرسم من أجل الفن والانسان مواضيع متنوعة شديد الرقة حتى وان ارتطم فيها الضوء بالقتامة ، او تناقضت فيها الالوان الليلية الباردة بالنهارية الساخنة ، أو تبينت المواضيع بالمعالجات الساخنة والباردة والخشنة والمواضيع ذات النعومة والمضمون الهادئ ، فهي دوماً تحمل المشاعر والمعنى الانساني البسيط في محتواه الفني .[c1]الملمح الإنساني في لوحاته[/c]لقد أبدع الفنان القاضي في عمله الفني ، الذي يحمل المعاني والمشاعر الانسانية البسيطة والتي ترجمت الواقع المعيشي للمجتمع اليمني ، ولم يعبر عن ذلك مقيداً بطرح رأي موقوت ، وإنما يأتي مجرداً عن المباشرة ، مرتبطاً فحسب بمفهومه الانساني ومشاعره الفياضة بحب اليمن السعيد وحب الفن التشكيلي.وعبر عن ذلك في لوحاته الفنية بصياغات بسيطة ورائقة وحاذقة معاً، وهو ما نرى ان الفنان القاضي يعمد دائماً إلى فعله ، فالموضوعات في معظم لوحاته بسيطة العناصر والمظهر مهما كان يحمل المضمون المعقد، والصياغات التقنية تجيء لديه دائماً مواكبة في أسلوبها للموضوع المطروح ، دون تقيد أو تكرار ._وشخصية فناننا الراحل تقتفي خطى الفنان التشكيلي العالمي بيكاسو الذي لم يتقيد يوماً واحداً بما حققه من نتائج تقنية رفيعة المستوى .وإنما بدا دائماً متغيراً ومتنامياً دون انقطاع ، وهو ما حقق له ذلك التنوع الثري فيما تركه من نتائج ، وبنفس المنطق مع فارق الرؤية والأسلوب نجد أن فناننا الراحل نبيل القاضي قد تحرر من أسر الثبات المقيد بأسلوب واحد، وراح يتنقل في حرية من الواقعية التشخيصية نحو التجريد ، ومن تعقيد البناء الهندسي للأشكال ذات البعد المنظوري إلى بساطة التسطيح ، بل ومن تراكيب الملمسات اللونية الكثيفة وتكدس العناصر إلى تجاور الزخارف وانتشارها على سطح منبسطة مسالمة ونرى ذلك في وضوح في لوحة "المعمار اليمني" ولوحة "قلعة صيرة" وغيرها من لوحاته الفنية .[c1]عاشق للطبيعة اليمنية[/c]خلاصة القول ان الفنان التشكيلي اليمني الراحل نبيل القاضي رسم البحر باللون الأزرق لون السماء وهذا اللون المفضل للفنان ولوحة البحر خير دليل على حب الفنان للطبيعة اليمنية ، وهو الفنان الذي كان يرفض القيود والحدود وعمل بمهارة وبأداء واع بلغة الشكل ،والرؤية البعيدة ، وقد اتاحت له الظروف السياسية حرية الرأي والتعبير الفني فأخذ يرسم بكل حرية دون قيود سياسية تفرض نفسها على الفكر الفني والثقافي والأدبي في اليمن ، فجاءت اعماله جميعها مشحونة بالنبض الانساني ، كما جاءت تنبض بالحرية .وكانت أعماله مستوحاة من المجتمع اليمني التراث الإسلامي والشعبي ، والفنون الشعبية اليمنية ، وقد امتزجت بحواس الفنان تهدر بالتعبير الفطري البدائي ، أو يتحول لونها الذي وضعه فناننا الراحل نبيل القاضي إلى همس لوني شاعري رقيق ، قدر ما يهم مدى التوافق بين المشاعر والافكار وأساليب الصياغة ، وهو ما يجعل نتاجاته تبدو متعددة الهيئات والاساليب والصياغات ، برغم ما يربطها جميعاً من روح واحدة إنسانية شاعرية النكهة وهذا ليس غريب على فنان نشأ وترعرع في أسرة ثقافية فهو ابن الاديب الكبير الراحل عبدالمجيد القاضي .وأهم ما يميز نتاجات الفنان القاضي تلك الروح اليمنية التي تنبعث من كل أعماله الفنية ، فهو يقتبس مواضيعه من المناظر الطبيعية اليمنية مثل "لوحة البحر" ولوحة "القهوة اليمنية" مهما جعل لوحاته تحمل الطابع الشعبي اليمني ونستشعرها كرائحة نسيم البحر أو رائحة البن اليمني .صحيح أنه جمع بين السريالية والميتافيزيقية وحتى التجريد في توليفة واحدة ، جمعا ناتجاً عن الوعي بها والاستيعاب الهاضم لمعطياتها ، وهو يقصد بهذا ان يختار مواضيع ذات طابع إنساني ، وليس بهدف تصوير الطبيعة اليمنية ، فحبه لليمن قد امتزج بدمه فجاءت لوحاته تلقائية مشبعة بحب اليمن ، بوطنيته وايمانه بوحدة اليمن والسعي للمستقبل المشرق للاجيال القادمة ، ورسم فناننا الراحل الأسواق الشعبية المملوءة برائحة البن واللبان والفلفل في منطقة كريتر ، ورسم حقول البن في صنعاء ، والاحتفالات الدينية والاعراس ذات الطابع الشعبي كل هذا تعبيراً عن تلك الروح اليمنية وتمسكه بالعادات والتقاليد الشعبية .[c1]الطبيعة اليمنية مصدره الفني[/c]رسم الفنان القاضي في مشواره الفني العديد من اللوحات التي استوحاها من الطبيعة اليمنية ، وهناك ثلاث لوحات فنية عن البحر والشواطئ الذهبية والنوارس في مدينة التواهي وخورمكسر وصيرة ، وفي هذه المجموعة الرئيسية من اعماله الفنية اثبت الفنان الراحل نبيل القاضي الحضور الانساني للانسان اليمني وحبه القوي لوطنه والمجتمع والبيئة التي يعيشها ، واثبت مشاعره الرقيقة ورغباته وأحلامه الشاعرية وحضوره في اعماله الفنية التي تعكس فكرة وحبه للطبيعة اليمنية والتي هي مصدر اعماله الفنية ، حيث بدا المضمون انسانياً بسيطاً ، بينما اختلفت البناءات وتنوعت فقد بدت في مجموعته الاولى وهي "فن المعمار اليمني" هندسية صارمة .وانتشرت فيها المثلثات والمربعات لتملأ السطح كله ، كبيوت وأبواب ونوافذ تمثل قلعة صيرة ، وصنعاء القديمة والصهاريج وجميع هذه اللوحات تنبض بحب الوطن ، وقد بدأت ذات حس تعبيري عال ، مؤكداً تلك السمة الاساسية التي تتمحور حولها تجربته كلها كلما تعددت طرائق الأداء أو اختلفت اساليب الصياغة ، وهي أن الانسان بهيئته كما هي ، أو تحورت ملامحه لتزيد من قدراته في التعبير الفني ، أو بقيت آثاره وانفعالاته في هيئات لونية مجردة ، وسواء جاءت لتملئة الفراغ الشاسع الذي يحيطه كالمجهول ، أو تزاحمت هذه العناصر والمفردات فان فناننا ظل دائماً حاضراً في قلوب اصدقائه من الوسط الفني والثقافي وقلوب اهله واحبته ظل فناناً متميزاً بسيط المظهر ورغم المرض الذي صاحبه فترة طويلة إلا انه لم يعقه من عمله الفني الذي تميز بحب الوطن والفن.