آباء ما زالوا يختنون بناتهم
نواكشوط/ سكينة اصنيب : قليلا ما لا يختلف رجال الدين وعلماء الاجتماع حول ظاهرة "خفاض البنات" التي أخذت بعدا اجتماعيا كبيرا ثم ارتقت للمحافل القانونية الدولية تحت طائلة "العنف ضد النساء"، ولأننا محاطون في وطنا العربي بأشخاص يفضلون الاصطياد في المياه العكرة وتحويل حالات شاذة في مجتمعنا الى ممارسات جماعية وقضايا تسيء لعادات وأعراف موروثة منذ القدم فإن إماطة اللثام عن سلوكنا وموقفنا من هذه التقاليد واجب لإزالة اللبس عما هو حق وشرعي وما هو من باب العادات المتوارثة.ففي زيارته الأخيرة لموريتانيا قال ريديجير نهبرغ رئيس منظمة "تارجت" الألمانية لمناهضة خفاض البنات، ان القضاء على هذه الظاهرة سيساهم في تقديم صورة جيدة عن الإسلام، مما يؤكد ربط الغرب بين ختان البنات والتشريعات الاسلامية وكأن الاسلام دعا لختان النساء وأوجبه.وأكد نهبرغ أنه جاء الى موريتانيا بهدف مكافحة ظاهرة خفاض البنات، وأوضح أن منظمته مستعدة لمساعدة موريتانيا في مكافحة ختان البنات، كما ساعدت 28 دولة في العالم في القضاء على خفاض البنات.وتحتل موريتانيا المرتبة الثامنة عالميا على اللائحة الدول التي تحوي أعلى نسب لخفاض البنات وفقا لإحصاءات اليونيسيف، بينما جاءت أعلى نسبة في ختان الإناث، في غينيا، فمصر ومالي والسودان، ثم أريتريا واثيوبيا وبوركينا فاسو ثم موريتانيا وساحل العاج وكينيا، أما أقل نسب ختان الإناث فجاءت في النيجر. وأكدت اليونيسيف في دراسة حديثة أن ما بين 100 إلى 140 مليون فتاة وامرأة، تتعرضن سنويا في العالم إلى عملية الختان، يعيش معظمهن في قارة أفريقيا والشرق الأوسط. وأوضحت دراسة اليونيسيف أن أهم عقبة تواجه حملة مكافحة ختان الإناث، هي إقناع المرأة نفسها بعدم وجود صلة بين الدين والختان، ورفع الوعي الصحي والديني بمساوئ الختان. فقدت الاحساس فدمرت حياتي وخرب بيتيوبينما تبحث الدول والمنظمات عن طريقة للتخلص من هذه العادة، تعيش ضحايا الختان معاناة كبيرة تتكرر جيلا بعد جيل. سعاد (32 سنة) تتذكر تجربة خفاضها قائلة: "هو يوم لا يُنسى رغم أن سني لم يتجاوز العاشرة حينها، فلا زلت أتذكره بكل تفاصيله، حين بدأت أمي وجدتي تحضير ما يلزم لاجراء العملية بعد أن استقبلتا خفاضة ودار الحديث بينهن حول شيء مهم عليهن القيام به حالما يغادر الرجال المنزل حتى لا يثير صراخي الذي انتباههم، وبعد دقائق من العملية غبت عن الوعي من شدة الألم والصراخ. تفاقمت الآلام يوما بعد آخر واختفت بمرور أسبوعين على الختان".وتستطرد قائلة: "عشت معاناة كبيرة بسبب أمراض كحرقة البول والحكة الشديدة، وهي مضاعفات تظهر متأخرة في بعض حالات الختان كما أكد لي الطبيب، وحين بدأت حياتي الزوجية أدركت أنني فقدت إحساسي بلذة المعاشرة وقدرتي على التجاوب مع زوجي، وبمرور الأيام واستمرار المشكل تحولت حياتنا الى جحيم، مما دفعني الى استعمال الأدوية الطبية والوصفات الشعبية طلبا للعلاج من دون نتيجة، حيث أكدت الطبيبة أن الختان حرمني من التمتع بحياتي كباقي بنات جنسي، شعرت بمهانة وانكسار شديدين وكرهت العادات والتقاليد التي سلبتني جزء من جسمي بغير وجه حق، وحكمت علي بدون جرم وأنهت حياتي الزوجية بعد 4 سنوات والتي ظننتها ستطول مدى العمر".[c1]الختان يزيد من فرص الزواج ويكسب الاحترام[/c]مقابل معاناة سعاد نجد إصرار آمنة (الخفّاضة) وهي عجوز تجاوز 60 عاما ذاع صيتها واشتهرت بمهارتها في ختان بنات، تقول "منذ بلوغي 17 عاما أصبحت متخصصة في "قطع" البنات بعد أن توفيت الوالدة التي ورثت عنها المهنة واكتسبت أصولها من تجربتها، وطيلة فترة عملي لم أصادف أية مشكلة لأن الخبرة والإتقان كفيلان بمنع حدوث أي طارئ، سيما أنني استعمل الختان البسيط وهو استئصال جزء البظر أما أغلب المتخصصات فإنهن يعمدن الى استعمال ما يسمى بالختان الفرعوني المعروف أكثر في مصر والسودان".وتضيف آمنة "الختان البسيط ليست له عواقب خطيرة مثل الفرعوني، كما أن الجزء المقطوع من البظر يمكن أن ينمو ويرجع إلى حالته الطبيعية في الكثير من الحالات، وتتم مداواة الجرح بأعشاب طبيعية خاصة بالتطهير والتضميد". وعندما سألناه عن الفرق بين الختان قديما وحديثا أجابت: "تقدم سني وضعف بصري منعاني من الختان لكني والحمد لله علمت الكثيرات حتى لا تنقطع هذه العادة عن الممارسة في الأجيال القادمة، ولا أظن الطريقة تختلف بين الأمس واليوم، الذي اختلف هو الاقبال عليها حيث انخفض كثيرا لا سيما في المدن والحواضر رغم أن الخفاض يكسب المرأة الاحترام والفخر في وسطها العائلي وأمام زوجها ويحفظها من الوقوع في الرذيلة سنوات الصبا والطيش فغالبية المختنات مررن بمراهقة عاقلة، وقد كان الختان على أيامنا محفزا للزواج من المرأة أما غير المختنات فكان الإقبال عليهن ضعيفا جدا".وقد اعتبر الختان الوسيلة الوحيدة التي تحمي الفتاة من الرذيلة وجلب العار فتطلب الحفاظ على الشرف خوفا من المجهول بتر جزء من جسد فتاة لم تدرك بعد ما يدور حولها، وقد ظهر خفاض البنات في مصر مائة سنة قبل الميلاد وانتشر في العالم واستمرت الشعوب في ممارسة هذه العادة قبل أن تنحصر بفضل العلم والتطور، ولا تزال العديد من الدول الإفريقية مثل موريتانيا، السودان، الصومال، غينيا، مالي، نيجيريا، وساحل العاج، تعتبر ختان البنات ضروريا، فيما أحجمت الدول العربية عن ممارسته وظل رهين مناطق وقبائل متعصبة لتقاليدها وأعرافها.وينقسم الختان إلى ثلاثة أنواع:الختان البسيط: يقطع فيه جزء من البظر.الختان المتوسط: يبتر جزء أكبر من الذي قطع في الختان البسيط.الختان الفرعوني: وفيه يتم استئصال كل ما يعلو سطح الجلد في منطقة فرج الأنثى وحول فتحة المهبل من البظر والشفرتين الكبيرتين والصغيرتين، ثم تخاط المنطقة طوليا إلا فتحة صغيرة تسمح بخروج الحيض والبول. وللختان أضرار تقسم الى مرحلتين:- أضرار فورية: كالنزيف الذي يكون إما بسيطا يمكن التحكم فيه ومعالجته بالوسائل التقليدية التي غالبا ما تؤدي إلى حدوث التهابات، أو شديدا وهو نتيجة خطأ في عملية الخفاض حيث يقطع شريان كبير مما يستدعي تدخلا طبيا عاجلا. ويسبب الختان التهابات حادة وهي ناتجة عن عدم تعقيم المنطقة بشكل جيدا أو عدم تعقيم الآلات المستعملة مما ينتج عنه التهاب شديد قد يمتد ليصل الجهاز التناسلي الداخلي وكذلك البولي كالمثانة والكليتين. كما يسبب آلاما حادة لطفلة لم تتجاوز العاشرة حيث تجرى العملية دوما دون استعمال مخدر.ومن أضرار الختان الفورية اضطراب عمل الجهاز البولي حيث تحبس المختنة البول خوفا من تجدد الآلام في منطقة الختان مما ينتج منه مضاعفات خطيرة وتبول لا إرادي. كما يسبب الخفاض الوفاة بسبب صغر سن المختنات وعدم القدرة على احتمال الألم، أو حدوث مضاعفات يستعصى علاجها.- أضرار بعيدة: كالآثار السلبية لعملية الختان على نفسية الفتيات والتي تتطور من خوف وألم في البداية الى إحساس بالذل والخجل لحملها عضوا غير مرغوب وانتهاء بالمعاناة من أمراض عضوية والشعور بالنقص في الحياة الزوجية----------[c1]* نقلاعن موقع (ايلاف)[/c]