ثورة إدارية ضد الفساد المتراكم في المؤسسات الحكومية
هذه الإجراءات رغم أنها طبيعية وبديهية في الدول ذات النظم القانونية، إلا أنها في الحالة اليمنية تمثل حدثاً استثنائيا وتحولاً غير مسبوق، أتى بعد عقود من تفشي الفساد وتحوله إلى نهج متجذر في المسار الحكومي على مدى عقود، وتفاقم بفعل تغاضي الأجهزة الرقابية عن ممارسات نهب مقدرات الدولة، ما رسّخ قناعة لدى المسؤولين بعدم التعرض للمساءلة، وهذا خلق قبولاً ثقافياً للفساد في الأوساط الشعبية، حيث تفوقت الشبكات غير الرسمية في نفوذها على المؤسسات الرسمية.
لذلك يرى مراقبون أن ما حدث خلال الأيام العشرة الماضية يعتبر “ثورة إدارية” ضد الاختلالات المتجذرة في المؤسسات الرسمية، في مسار يشير إلى تحول جذري في أولويات الحكومة، وجديتها في مواجهة واحدة من أكبر المعضلات التي تشكل عائقاً أمام تحقيق التنمية والاستقرار في البلاد، ما حمل بوادر أمل إذا استمرت فيها الحكومة، فإنه من المتوقع أن تشهد تحولاً يمهد الطريق نحو تحسين ظروف المواطنين واستعادة ثقتهم بمؤسسات الدولة.
فيما يرى خبراء اقتصاديون أن جدية الحكومة في حربها على الفساد ستثبُت عندما تُعلن عن ميزانية عامة واضحة وشفافة، تبرز من خلالها الإيرادات والنفقات وتنشر حسابات ختامية دورية، مع محاسبة المؤسسات الحكومية التي تحتفظ بإيراداتها في حسابات مصرفية خارج البنك المركزي، مع اتخاذ خطوات في إطار الحرص على توريد كافة العائدات المالية من مؤسسات الدولة إلى الخزينة العامة، إلى جانب إنهاء الفساد في المالية العامة، حيث تدار الصفقات والاتفاقيات بطرق سرية، وتدار ايرادات الدولة عبر آليات غامضة وغير شفافة.
هذه القضايا تمثل نموذجاً لملفات الفساد الكبيرة والمعقدة التي تنتشر في مؤسسات الدولة، مما يؤكد أن القضاء على الفساد يُعد تحدياً وباباً يستحيل غلقه على المدى القريب.
يذكر أن التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة الدكتور أحمد بن مبارك خلال مداخلته على الفضائية اليمنية، أكدت أن مكافحة الفساد تأتي كأولوية قصوى في برنامج الحكومة، واصفاً نهب المال العام بـ ”الخيانة العظمى”، ومؤكداً أن مكافحة الفساد ليست مجرد شعار، بل هي معركة طويلة تتطلب إرادة حقيقية واستراتيجية واضحة، والأهم من ذلك “مساندة شعبية”.