شملت تلك المخططات كل المدن التي من الممكن إنشاؤها مستقبلا وعلى مدى مائة عام قادمة، لم يكتفِ المستعمر بذلك بل عمد إلى إعداد مخططات لحقول المياه خارج عدن وأسس لها أحزمة صارمة للحفاظ عليها.
اليوم وبعد 57سنة تمكن بعض الغوغاء من اقتحام تلك الأحزمة الثلاثة الحامية لحقول المياه والمحددة سلفا باكثر من 1500 متر، وباتوا يعيشون ويبنون ويُصرٍفون مخلفاتهم في قلب حقول المياه.
اليوم وبعد 57 سنة من الاستقلال نرى تلك التركة المدنية الحضرية قد دمرت، وتلك المخططات تحولت بقدرة (فاسد ونافذ ) إلى ممتلكات خاصة تبنى بها احياء عشوائية كاملة غير مخططة حضريا، أحياء أقيمت دون حتى شبكات صرف صحي واعتمدت على ما تم إدراجه مؤخرا في معجم عدن للمدن الجديدة (بيارات)، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط بل إن شبكات الصرف الصحي المعتمدة والتي تم إنشاؤها انهارت بفعل الإهمال وندرة الصيانة وإعادة التأهيل.
فقانون الخط السمائي هو كقانون يحافظ على الارتفاعات الموحدة في النسق المعماري في المنطقة الواحدة تم إسقاطه (وبرعونة مرخصة ) من جهات الاختصاص فشوه وبقسوة مفتعلة المنظر العام لمدن عدن المتعددة واختفى معها القانون الموحد للارتفاعات في المنطقة الواحدة.
في عدن انتشرت الأحياء العشوائية أمام نظر وموافقة السلطات المختصة وفي مديرية صيرة لوحدها فقط هناك أكثر من 5 بؤر عشوائية تنتشر على جبالها لتعكس منظرا قبيحا ولتتكون بسببها بيئة في المجتمعات العشوائية تنذر بكارثة مستقبلية كنتيجة حتمية، تلك عدن التي تركها المستعمر يأمل أن يكون بأجمل صورة ونحن وبعد 57 سنة لم نحافظ عليها حتى صارت بهذا الشكل (القبيح ).
مدن عدن تتألم صباح مساء بتلوث بحارها من مياه الصرف الصحي والتي مازالت تتدفق منذ أعوام إلى بحارها مُشكٍلة اكبر عملية تلويث للبحار تشهدها مدن عدن المتعددة وهي تستقبل صباح مساء عشرات الآلاف من المترات المكعبة يوميا من مياه الصرف الصحي دون معالجة بانتظار إنجاز مشاريع توجيه مياه الصرف إلى مجمعات العريش وكابوتا لمعالجتها ولكن دون جدوى.
رحم الله الاستاذ والأديب والشاعر والرسام والإعلامي الفقيد لطفي جعفر امان حين قال قبل 57سنة:
على أرضنا بعد طول الكفاح
تجلى الصباح لأول مرة
وطار الفضاء طليقاً رحيباً
بأجنحة النور ينساب ثره
ماذا سيقول رحمة الله عليه إذا كان ينظر اليوم إلى منزله في حي القطيع وهو يغرق من المطر بعد 57 سنة من إلقائه لقصيدته مبشرا بفجر جديد .