إلى يوم أمس الأحد تكون أربعون يوما قد انقضت منذ أن رحل المناضل والمؤرخ والشاعر الوطني الكبير صالح علي الغزالي بعد حياة حافلة بالنضال والعطاء المشرف الذي يستحق ان يقف الجميع إكراما له وافتخارا به.مهم الاستهلال بالقول: إن الكتابة عن فقيد الأمة الغزالي بمناسبة ذكرى أربعينيته ،ليست من باب استذكار راحل عزيز فحسب، ففي حضرة مناضل كهذا يكون الدافع الأبرز هو التذكير بحياة رجل ربما لن نخطىء ان قلنا ان من هم أمثاله قد شح وجودهم وباتت صفاتهم وسجاياهم سلعة معدومة في ظل السقوط المريع للقيم والمبادىء وربما الاخلاق الذي أصاب كثيرين ،حتى من ظننا يوما انهم جزء من أعمدة هذا الوطن ورموز ثورته. منذ فتوة الشباب وحتى لحظة معاناة آلام وأوجاع الرحيل لم تكن حياة المناضل الغزالي حياة عادية ، بل كانت حياة بطولة مبكرة اختزلت تاريخ ثورة أمة مجيدة كان له ولها شرف أن مواكبة مجرياتها منذ انطلاقة شرارتها الأولى من جبل البدوي في ردفان وهولما يزل بعد في ريعان عمره، ثم نضاله في اطارها كقيادي مخلص في مرحلة ما بعد الانتصار والعمل الثوري اللاحق. عرف الغزالي فدائيا محنكا وشجاعا،آمن ومعه كثير من مجايليه من الشباب ان المستعمر لن يرحل بضحكة أو بإبتسامة أو بالتوسل إليه بالرحيل ،بقدر حاجته إلى رجال صناديد يحملون أرواحهم على أكفهم صدقا ،وماضين إلى الشهادة بحب واقتناع طالما كان الثمن هو الحرية والكرامة والعزة في وطن فيه السيادة لأهله . وإضافة إلى دوره كمناضل عرف الفقيد مؤرخا ،أدرك في وقت مبكر ان كل أمة بلا تاريخ هي أمة بلا ماضي ،وبالتالي فمن لاماضي له لن يكون بالقطع نصيب من الحاضر أو المستقبل، لذلك فقد كرس جهده حتى في لحظة الألم وأوجاع المرض الفتاك لأن يدون على الورق ما اخنزنته ذاكرته عن تاريخ ثورة شعبه بأمانة وتجرد وانصاف متجاوزا أخطاء وعيوب كثيرين ممن كتبوا عنها ،فألحقوا بها من الضرر الكثير وشوهوا يومياتها بشوائب وأحداث ليست منها وانما من ابداع أذهان بعض لصوص التاريخ وأدعياء النضال . لن نستذكر في لحظة مؤلمة كهذه التي تمر اليوم كيف عانى الفقيد سكرات الموت وحيدا في حين كان المستفيدون من خيرات الثورة يتلذذون بسكرات النعيم ،ففي حال كهذه نؤمن ان التاريخ هو الفيصل والحكم وهو سيعيد الأمور إلى نصابها ذات يوم .
|
آراء
في ذكرى رحيل الغزالي
أخبار متعلقة