قصة قصيرة
تقترب بقدم واحدة متفحصة كل شيء من الخارج مرورا على الاوراق المستلقية على الطاولة بنظرات يكسوها الشوق الطافح المكبوح بحشرجة تتلاعب بتلك الكلمات الخارجة من جوفها إلى عالم المفاجأة الحزين الذي وجد على الطريق التي تتأبطه بهدوء.. تلقي علي تحيتها الملائكية ومدققة على كل شيء يكسوني بسكينة مفرطة.. أبحرت في مساحات لا متناهية الروعة، وردية لا مقياس لها سوى نبضات جوفها العامر حبا بقداسة الحياة التي تحتويها.. تدقق نظراتها نحوي علها تراه من خلال عيناي.. ابتسامتي.. لوني.. حركاتي.. ملابسي.. حتى خطواتي.. هامت مع ذاتها متذكرة طلته التي يبدو عليه منها الدربكة الشديدة أثناء تكور تلك الأوراق حول نفسها خجلا وإجلالاً من وقع أنامل قدميها وبرود هبوب مشيتها نحوي ودهشة ملابسها المنسقة بدقة فناني اللوحات التشكيلية في عصر النهضة.. كلما طرب نفس المكان من نغمات أنفاسها.. ها هي الآن بنفس المكان تعاود الكرة بطلتها الجميلة المعتادة لكنها هذه المرة بنصف حياة ونصف قلب ليست كسابقاتها.. أنها تتألم لغياب العنصر المشع لجمال الحياة في قلبها الذي يخفق بشدة من السعادة كلما جملت المكان بنظراتها المستلقية بهدوء.. وأيضاً محاولة بصمت وبحياء كبير ترسبت على أثرها كل لغات العالم في شفتيها لإخفاء قدمها اليسرى التي أخذتها مهزلة كبيرة تفتت قلوب الجميع وجعا تحت مسمى “حادث مروري” الذي لا يعترف بالأرواح المقدسة العامرة والمخلصة للحب الذي ينير الحياة التي تحتوينا.. لم يعبر عن واقع دهشتي وحزني الذي طغى على كل مكونات جسدي سوى الصمت.. فالصمت العلاج المر الوحيد الذي يجعلنا نشعر من خلاله أن الحياة تتوقف لوهلة لنبدأ بعد تلك اللحظة صافرة البداية بفصل جديد.. بعيدا عن تلك النهاية التي طويناها بألم وحزن ليستمر بنا المركب مرة أخرى كعامة البشر.. لم تتفوه بكلمة واحدة سوى لفظة قصيرة مليئة بحشرجة طرأت على كل شيء حتى على وقفتها المتحدية لخيانة الأيام لها بسلبها كامل خطواتها المرتبة.. لملمت كل شيء مقاطعة حبل أفكاري ودهشتي من هول اللحظة التي تمنيت من خلالها لو لم يكن لدي عينان لأنظر فاجعتها حتى لا يقع بصري سهوا على أي عكاز تنتعله لتواجه به ظلم الحياة واستهتار البشر.. قالت: هل سيعود مجدداً؟ أم ستذهب إليه لحظات قادمة؟ثم عاد الصمت كما هو لكلينا وخانني حينها لساني برهة فأحببت خيانته لي لكوني لم استطع مقاومة مشاعري وإخفاء غضبي على واقع رث يأخذ منا أجمل الأشياء وأغلاها بسخرية.. وخيل إلي أيضاً بأنها فقدت الحديث كحادثة فقدان قدمها اليسرى.. استسلمت لتلك الخيانة برغبة جامحة مكتفيا بالإشارة إلى يوم الغد.. يبرق وميض ابتسامة أعاد إلي والى تلك الأوراق المستلقية بصيص الحياة.. وحتى عادت وقفتها كما يجب للاستعداد لشيء ما تخبئه له لمصاحبتي في ذهابي إليه بيوم الغد.. تلقفته سريعاً لئلا يحدث شيء ما يساهم في ارتفاع حدة الألم ليصب الجزء المتبقي من ذلك القلب.. هو شيء من روحها وإن لم يكن كله التي تبعثه مغلفا برائحة مختلفة لا يعلو على رائحة أنفاسها.. ولون يعبر عن نقاء تلك القديسة المكسوة بروحانية السماء.. وربما ضحكاتها.. قصتها.. بهجتها.. سعادتها.. حادثة خيانة الحياة لقدمها.. ألمها.. حزنها.. فاجعتها.. حتى جسدها المتمزق شوقا لحركاته اللاواقعية في حضرة مجيئها المقدس.. يتناغم مع كل مكونات ذلك العطاء الذي بين يدي.. التفتت ملوحة بالوداع والامتنان.. لتغادر بنصف قلب وفصل جديد من حياة لم تكتب..