إعداد/ علي عبدالله الدويلةقد يبدو الموضوع عادياً من وجهة نظر بعض الناس العفويين لكونه يتعلق بجمالية الشكل في المرأة ولكنه في الحقيقة ليس مفرغاً من المحتوى الفكري بل إنه في غاية الخطورة وبالغ التأثير من الناحية الموضوعية يتناول في جوفه الكثير من الحقائق والأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها من المجالات الأخرى التي تتمحور في جوهر القضية الفكرية وتتجسد من خلال الأفكار والآراء الإنسانية بأبعادها السياسية والثقافية وما تحمله الكلمة من معانٍ سامية مفعمة بالنشاط والحيوية وبالعطاء الفكري والثقافي، ولكن نتيجة الصراعات والخلافات السياسية والثقافات البرجوانية التقليدية السائدة والتمييز العنصري والتحريض على الانحلال والهروب من مواجهة تحمل رسالة أعباء الحياة أصبح المواطنون الفرنسيون يعانون الكثير من الظواهر السلبية كالظلم والقهر النفسي والرشوة والغلاء الفاحش والبطالة وتعاطي الخمور والمخدرات والجرائم الوحشية السادية التي ترتكب في حق الحيوانات الأليفة.وقد لعبت بريجيت باردو الفنانة والنجمة الكبيرة والعالمية في بداية العقود الأولى دوراً حقيقياً وتحريضياً هاماً في مجال عملها السينمائي وهي تشق طريقها نحو سلم المجد والخلود برغم كل الهموم والمصاعب والآلام التي واجهتها طيلة مسيرة حياتها السينمائية، حيث تعد الفنانة القديرة باردو من كبار عمالقة الفن وأشهر قلائل الفنانات المبدعات في مجال السينما الذين ساهموا في التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.أدانت باردو النظام البيرقراطي الفرنسي الفاسد، من خلال الأفلام الواقعية الجديدة التي تناولتها، القائم على الفوارق الطبقية والامتيازات بين الطبقات والتمييز العنصري الذي يعانيه الزنوج أثناء عملهم، حيث تميتهم ببطء رطوبة المناجم وحرارة الأفران والتمييع والتزييف والتحريف في القصص التاريخية ونضالات الإنسان لأجل الحرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فقد أصدر البيت الأبيض في عهد الرئيس جونسن تعليماته إلى المخابرات الأميركية بتمويل إنتاج أفلام لتمييع وتزييف وتحريف نضالات الشعب الفيتنامي وتجميل الوجه الأمريكي القبيح المتعثر في مستنقعات فيتنام ولكن أهم وأبرز القضايا الفكرية التي أشارت إليها أن أعداء الحقيقة هم غالباً ما يلجؤون إلى التشويه والتزييف لكثير من حقائق الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.عاشت بريجيت باردو الحياة حلوها ومرها في زمن الكراهية والمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأحداث الجارية المريبة والمطمورة على الواقع الاجتماعي المعاش، ونتيجة الصراع السياسي وتناقضات الحياة الفكرية فرض النظام البيروقراطي الفرنسي سيطرته واستخدم الأساليب الدنيئة في كبت حرية الإنسان وتضليل عدالته الاجتماعية والممارسات القمعية وارتكب أبشع أنواع الجرائم الوحشية في حق المواطنين الفرنسيين العزل من السلاح.تميزت الفنانة الكبيرة العالمية باردو بجمال سحرها وخلفيتها الثقافية وبالخصائص الموضوعية والانطباعات الفنية الرائعة من حيث الشكل والمضمون خلاف أنها تتمتع بالحب والمشاعر والأحاسيس الصادقة وبتركيبة شخصية شديدة التناقضات طوال حياتها الاجتماعية وفي الوقت الذي كانت فيه فتاة أحلام الشباب كافة ونموذج المرأة الساحرة بجمالها وفتنتها التي يتمناها كل الرجال، فإننا نجدها تصرخ مؤخراً أنها كانت تعاني من نقص كبير في الثقة بالنفس طوال مسيرتها الفنية فعلى العكس من الأفكار والآراء الإنسانية التي تشبه الإجماع على جمالها كانت تشعر بأنها قبيحة وحاولت بقدر الإمكان أن تكون جميلة كما كانت تخشى دائماً من عدم القدرة على تحقيق التوقعات المنتظرة منها وكانت تخرج بالكاد من منزلها جراء ذلك لكنها الآن لم تعد مهتمة بهذا الأمر بسبب اعتزالها ومرور السنين وإن كل ما صار يعطيها دفعة للحياة يومياً هو رعايتها للحيوانات التي تشكل كل اهتمامها.وآخر زوابع باردو هو تهديدها باللجوء إلى روسيا واللحاق بالممثل الفرنسي (جيرارد وبارديو) الذي طلب التنازل عن جنسيته الفرنسية وهدد بالتخلي عن جواز سفره الفرنسي احتجاجاً على زيادة الضرائب التي تطال الأغنياء في فرنسا. وكان بيان قد صدر عن مؤسسة بريجيت باردو لرعاية الحيوان ومقرها باريس أكدت فيه «لقد اتخذت قراري بطلب الجنسية الروسية لأجل الهرب من هذا البلد الذي أصبح مقبرة للحيوانات» وجاء هذا التهديد بعد أن تم قتل الفيلين الصغيرين في حديقة حيوان (تات دور) لإصابتهما بمرض الدرن.لقد ولدت أسطورة السينما الفرنسية في مدينة باريس حيث نشأت منذ طفولتها وسط بيئة تعليمية راقية ساهمت في صياغة ملامح شخصيتها وجعلتها بحسب ما يقال عنها تشعر بأهمية الاعتماد على نفسها في اتخاذ قراراتها الشخصية وتحديد طرق وأساليب حياتها وعلاقاتها الاجتماعية الخاصة. التحقت باردو بمدرسة الباليه وتعلمت الرقص على يد الخبير الروسي بوريس كينازيف وعندما بلغت سن الخامسة عشرة انتقلت إلى عالم التجميل والموضة فعملت عارضة للأزياء، وقد حالفها الحظ في إحدى المرات فظهرت صورتها على الغلاف الرئيسي لمجلة موضة شهيرة وكانت هذه الفرصة الوحيدة عبارة عن الخطورة الأولى التي نقلتها فيما بعد إلى عالم السينما، حيث التقط صائدو المواهب الجديدة تلك الصورة وأخذوا يبحثون عن نجمتهم الجديدة الواعدة وكان من بينهم المخرج والكاتب روجيه فاديم الذي أصبح فيما بعد زوجها الأول، بعدها شقت طريقها إلى عالم الشهرة بسهولة منذ فيلمها الأول وكان سبب نجاحها هو جمالها وليست قدرتها الفائقة على التمثيل، قال لها شارل ديجول إنك مدللة ووحدك من يشعرني برغبة كامنة تجعلني أرفع برج أيفل فوق أكتافي، فأنت ثروة فرنسية لا تعوض في هذا الزمن الصعب ولو كنت موجودة في الحرب لخففت كثيراً من الآلام على الفرنسيين عندما سقطت باريس بيد الألمان.لقد لفتت باردو أنظار الكثير من الفرنسيين بجمالها الساحر فلم يسلم أحد من المشاهير وهي في قمة تألقها من الوقوع تحت تأثيرها حتى أنه يقال إن جان بول سارتر كان يعنيها هي في بعض من عباراته التي كتبها لذا كانت سيمون دوبوفوار تنظر دائماً إليها دون أي حماس وتردد: هي مؤدية أنا صانعة فلسفة والفرق كبير بيننا غير أن الأفكار والآراء لم تتحمس لباردو كانت أقل بكثير ممن كانوا يرونها قادرة بطلتها على أن توقظ مشاعر باريس كلها وكما كان معظم الرجال الفرنسيين مغرمين بباردو، حاولت جميع النساء تقليدها ولكنهن لم يفلحن وواقع الأمر أن فترة باردو كانت فترة شهيرة وخصبة جداً بالجمال النسائي وبالإبداع أيضاً على حد سواء (صوفي مارسو، ميراي ماتيو، أديث بياف) وجميعهن يتمتعن بالجمال والملامح الخاصة جداً بالأنوثة غير أن الجمال لا يدوم وما يبقى للفنان إلا أعماله الإبداعية ومواقفه الإنسانية التي من خلالها يمكن أن يدافع عن حريته وعدالته وكرامته بشكل مطلق من دون قيود وأيضاً من الممكن أن يضاف إليه جمال آخر لا يتأثر بتقدم العمر بل على العكس يزداد تألقاً ونضارة وهذا لم يحدث على الإطلاق مع باردو، فقد بدت في آخر صورة لها عجوزاً متشائمة مما أصابها نتيجة فقدانها لجمالها الفاتن ولمواقفها ماجعلها تلقى هجوماً كبيراً في أغلب الأحيان مما جعلها تبدو متوترة وعصبية المزاج، ويقال إنها رفعت كل المرايا في بيتها حتى لا تنظر إلى وجهها أو نفسها. وقد عرف عن بريجيت باردو عندما اعتزلت السينما أنها تفرغت لرعاية وتربية الحيوان والتطرق الشديد في انتمائها السياسي لحزب اليمين المتطرف في فرنسا بل إنها تزايد في بعض الأحيان على تشدد هذا التيار بمواقف أكثر تطرفاً وعلى سبيل المثال أدينت وحكم عليها بغرامة مالية لقولها أنها تدعي أن المسلمين هم ذابحو الخراف يجتاحون فرنسا وهذه ليست المرة الأولى والأخيرة فقد تمت مقاضاتها ما يقرب خمس مرات حينما قضت محكمة فرنسية بتغريمها ثلاثة وعشرين ألف دولار لإثارتها الكراهية العنصرية ولكن مشكلات باردو لا تنحصر في عنصريتها في فرنسا فقد كتبت رسالة إلى الرئيس الصيني طالبته فيها بمنع الصينيين من تناول لحم الكلاب ولكن الرئيس الصيني أجابها في الحال برسالة انتقادية شديدة اللهجة نشرتها الصحف الفرنسية في حينها طالبها بعدم التدخل في شؤون الغير ولا يخصها شيء من ثقافات البلدان الأخرى وهكذا تغيرت حياة نجمة من الحب الشديد والانبهار بها إلى الهجوم اللاذع على كل مواقفها الإنسانية وتصريحاتها، فغدت وحيدة تماماً ولم يبق لها شيء يؤنس وحدتها سوى الذكريات.
|
ثقافة
بريجيت باردو.. زمن الصراعات السياسية وتناقضات الحياة الفكرية
أخبار متعلقة