د. عبدالواحد عبدالرحمن أحمداستمراراً لمقالاتنا المخصصة لتحليل حكايات الدكتور علوي عبدالله طاهر التي كانت قد نشرت في الصحف خلال الربع الأخير من القرن الماضي، وهي حكايات رمزية ذات مدلولات سياسية واجتماعية مهمة، نقف الآن مع حكاية موسومة (حاضر سيدي) كانت قد نشرت في صحيفة (صوت العمال) في العدد رقم (870) الصادر في 22 /9 /1988م ص5. وخلاصة الحكاية أن طفلاً أرسلته أمه ذات يوم إلى جدته ليوصل إليها بعض النقود، وقالت له: أحفظ النقود وإياك أن تسقطها من يدك، أو يأخذها أحد منك، وسلمها لجدتك يداً بيد، وكررت ذلك مراراً، خاف الطفل من ضياع النقود منه، وظل قابضاً عليها بيده طول الطريق، حتى وصل إلى عند جدته، فرأت يده قابضة على النقود، فقالت له: كان من الأفضل لك لو وضعت النقود في جيبك حتى تبقى يدك طليقة، لتصافح بها من يقابلك في الطريق.وعند عودته أعطته أمه سلة صغيرة مملوءة بالبيض، فتذكر الطفل نصيحة جدته بأن تبقى يده طليقة، فأخرج البيض من السلة ووضعها في جيبه، ظاناً أن ذلك سيرضي أمه، وسترتاح لتصرفه هذا، وتمدحه على فعله.سار الطفل عائداً إلى أمه والبيض في جيبه، فاحتكت البيض ببعضها أثناء السير، فانكسرت بعضها من جراء الحركة، وسال زلالها على ثيابه فاتسخت. ولما رأته أمه صرخت في وجهه وقالت له: لو كنت وضعت سلة البيض على رأسك ما انكسر، ولكن عندما وضعتها في جيبك انظر ماذا حصل لثوبك، هز الطفل رأسه اعترافاً بخطئه.وفي اليوم التالي أرسلته أمه إلى جدته مرة أخرى، ليوصل إليها خروفاً لتذبحه في عيد الأضحى، اخذ الطفل الخروف وحمله على رأسه، تنفيذاً لتعليمات أمه التي قالت له عندما رأته يضع البيض في جيبه: في المرة الثانية ضع سلة البيض على رأسك. وصل الطفل إلى جدته منهكاً غير قادر على الحركة لأنه ظل طول الطريق يحمل الخروف على رأسه، فلما رأته جدته رثت لحاله، فأتت بحبل وربطت به الخروف وقالت له: في المرة القادمة أربط الخروف بالحبل هكذا وقوده خلفك. وعند عودة الطفل أعطته جدته دجاجة ليوصلها إلى أمه، فأخذها وربطها بالحبل خلفه، وقبل أن يصل الطفل إلى أمه كانت الدجاجة قد ماتت.غضبت الأم واستاءت من تصرفات طفلها وقررت عدم إرساله في أية مهمة في المرات القادمة. وذات يوم احتاجت الأم إلى رسول ليوصل الطعام إلى زوجها في الحقل، فكادت ترسل ابنها لولا أنها تذكرت مواقفه السابقة فعدلت عن قرارها، وقررت أن تقوم هي بنفسها لإيصال الطعام إلى زوجها، فطلبت من ابنها حراسة البيت حتى عودتها، وحذرته من ترك الباب، خوفاً من اللصوص.ظل الطفل واقفاً جنب الباب، حتى مل من الوقوف، ولما كانت أمه قد تأخرت وهو لا يريد ترك الباب خوفاً من أن تصيح عليه أمه، لأنه خالف أوامرها حين قالت له: ابق هنا أحرس الباب حتى أعود.قام الطفل بخلع باب البيت وحمله على ظهره، وسار به نحو الحقل للحاق بأمه التي طال غيابها، فجاء اللصوص فوجدوا الباب مخلوعاً فسرقوا محتوياته.كانت تلك هي خلاصة لحكاية (حاضر سيدي) التي كتبها الدكتور علوي طاهر، وربما كانت الحكاية أقرب إلى الواقع منها إلى الخيال، إلا أنها تحمل دلالات رمزية كثيرة، يغلب عليها طابع السخرية من واقع عاشه الكاتب، غيب فيه العقل، وسادت فيه ثقافة النظام الشمولي الذي لم يتح للإنسان أن يستقل برأيه، أو يتحكم في قراراته، في وقت كانت المنظمات القاعدية في مرافق الدولة تستجيب للتعليمات الفوقية وتعمل على فرضها على مؤسسات ومرافق الدولة، كأوامر حزبية نافذة، من غير دراسة أو مناقشة لمدى صلاحيتها من عدمه، نفذ ثم ناقش.
|
ثقافة
رؤية تحليلية للرمز في حكاية (حاضر سيدي) للدكتور علوي طاهر
أخبار متعلقة