مجلة دبي الثقافية
يصادف هذا العام مرور عشر سنوات على صدور المجلة الثقافية الرائدة في الوطن العربي (دبي الثقافية) صاحبة الحضور الإبداعي المتميز، والفكر الجامع بين الثقافات والحضارات، عبر حوار الكلمة والالتقاء الإنساني بين الأفكار.وما كان لمثل هذه المنزلة التي وصلت إليها هذه المجلة، الا بفضل العقول والعمل المتواصل من قبل الإدارة المشرفة عليها متمثلة بالكاتب المبدع الأستاذ سيف محمد المري وكل من يشارك في إصدار المجلة والكتابة فيها، فهي بحق أهم منبر ثقافي في العالم العربي.فقد لعبت الجوانب الفنية من حيث الإخراج والطباعة وتحديد مساحات الصور والعناوين، ونوعية المواد الإبداعية التي تنشر، أهم الأدوار في عملية ارتقاء المستوى الفكري لهذه المجلة.كذلك يأتي إصدار المجلة (كتاب دبي الثقافية) شهرياً مع كل عدد، ليجعل لها منزلة الكتاب الى جانب مهمة العمل الإعلامي الذي يجاور العمل الثقافي، وتلك نظرة ثاقبة من قبل إدارتها في متنوع أساليب الكتابة.تسهم عدة أقلام إبداعية عربية في الكتابة في كل عدد، مثل الافتتاحية بقلم رئيس التحرير، ودفتر أفكار لادونيس، روى للشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي, وأطياف للدكتور عبدالعزيز المقالح، وآفاق للدكتور محمد برادة، وغير هؤلاء من كتاب الأبواب الثابتة، إضافة إلى الدراسات والبحوث والترجمات في مختلف مجالات الإبداع الحضاري والذي يتحرك عبر مسافات الأزمنة والأحداث، وذلك ما يعطي لهذه المجلة صفة (الموسوعة) التي تضع المعرفة في صلب رؤيتها لمثل هذا العمل.كما قدمت صفحات المجلة العديد من الحوارات مع شخصيات أسهمت في العمل الإبداعي، كذلك تقدم آخر الإصدارات الأدبية كجزء من رسالتها في هذا الجانب.أما كتاب (دبي الثقافية) فقد أصبح مكتبة قائمة بذاتها، تسهم في كتابات تنوعت مابين الشعر والرواية والقصة القصيرة والترجمة والمسرح وأدب الرحلات والنقد الأدبي والبحث الأدبي، مما يعزز الدور الحضاري ليس على مستوى المنطقة بل في العالم.كذلك لم تغفل المجلة حضور الشعر والقصة القصيرة والرسم والنحت والسينما من كل أعدادها فهي تواكب الندوات والمهرجانات وكل ما يتصل بهذه الجوانب وحتى لا تترك جانباً يسهم في ثقافة الفرد والمجتمع.ويأتي هذا الحضور لهذه المجلة في مرحلة عصيبة وهامة تمر بها المنطقة العربية، وتحولات حضارية وتاريخية على مستوى العالم.فهي تعزز دور الكلمة الواعية والهادفة في زمن تعالت فيه صرخات الصراعات المذهبية والمناطقية والعرقية، وتحولت إلى ثقافات تناحر بين الشعوب بل في قلب المجتمع الواحد، وفي ظل مناخات مثل هذه تنهج هذه المجلة طريق العلاقات الإنسانية في جوانب الإبداع، فالعلاقات الحضارية بين الأمم لا تصنعها سوى ثقافة الوعي الإنساني، وتلك خاصية أدركتها هذه المجلة من خلال وضع الوعي في ميزان قراءة الأفكار.فعبر قراءتنا لما ينشر فيها نتعرف على جوانب من المعرفة التي لا تقف عند حدود معرفة النص المنشور، بل إيجاد رغبة البحث في هذه المعارف حتى يرتفع رصد العقل الى درجات متقدمة من العلاقة بين المعرفة والحياة.إن هذه المجلة تسعى نحو مزيد من الارتقاء بما تقدمه للفكر والثقافة، وهذا يدل على تبني رؤية كبرى في جعل الثقافة ورجالها هم من يصنع وعي الناس في المستقبل، فهي ليست مجلة تنشر، بل هي (قادة فكر) وهنا الفرق بين كلمات للبيع وأفكار لصناعة العقول، ودون شك تصبح مجلة (دبي الثقافية) في الراهن شاهدة على مرحلة من التاريخ، وتؤسس لفترات قادمة من تاريخ المنطقة العربية، وسط هذه الهيمنة الكبرى من الغرب التي تحول إنتاج الحضارة إلى قوة سيطرة على العقول.ونحن نجد صلة الاتصال مع حضارة التاريخ الإسلامي فيها المنطلقة من حق الانتماء لهذا الإرث الذي يمتلك القدرة على الاستمرار في الراهن عبر استعادة تلك الحضارة بنظرة اليوم، اما الحاضر وماينتج من ثقافة، فهو الواقع الذي يجب علينا التحاور معه، وهو عالم تسقطه المجلة من ذاكرتها الإبداعية، فهو خط المواجهة وتأسيس لهوية اليوم ورسم بملامح الوعي الذي من دونه لا تكون لنا شخصيتنا بين الشعوب.ماهو امام مجلة (دبي الثقافية) يندرج ضمن العقل الحضاري، وتلك مهمة تدخل في إطار المواجهة مع أزمات وتحديات دخلها العالم العربي منذ عقود، وما وجود مثل هذه المجلة وسط هذا التصدع، إلا دليل على أن عملية البناء الثقافي هي من تخلق الوعي بين الأفراد والأمم، فأن غابت ذهبت إنسانية الفرد، وتوحشت نفسيته.