قصة قصيرة
الوقت يمر بسرعة جنونية ورمضان في لياليه الأخيرة، همه الأكبر شراء ملابس للعيد فكر كثيراً في هذا الموضوع، هو لا يملك سوى ثلاثة آلاف ريال فقط ماذا يعمل بهذا المبلغ، مبلغ تافه في نظره، الملابس في الأسواق هذه الأيام غالية جداً والمبلغ الذي في جيبه لا يغطي نصف جسمه، خرج من المسجد مهموماً بعد صلاة العشاء والتراويح، دعا الله أن يفرج عليه كربته في هذه الليلة، قال: ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري.قرر البقاء في البيت حتى انتهاء إجازة العيد، صاحبه الذي صلى معه تلك الليلة أوعز له بفكرة لعله يخرج من تلك الدوامة قال له: المقيل أولاً قبلها فوراً لأنه يريد الخروج من بوتقته، نفسه تريد أن تخرج من تلك الدوامة التي ظلت عالقة في ذهنه، اتفق أخيراً على المقيل في إحدى اللوكندات حتى يأخذا حريتهما، الوقت يحلو لهم وهم يستمتعون بمضغ تلك الوريقات وينظرون إلى تلك المسلسلات، الوقت يداهمهم وجو الصيف يحلو أكثر، فكرة صاحبه لم تصل إليه.. رن تلفون (ماهر) لكنه لا يعيره أي اهتمام كان سرحان البال، أخيراً تنبه له، من يكون المتصل في هذه الساعة؟ فتح زر التلفون.قالت: ماهر نعم أنا (ماهر) من المتكلمة، أعطته اسمها، انتبه وكأن حشرة قد لسعته.. قالت: أراك هذه الليلة، اختلط عنده الحابل بالنابل، راح تفكيره بعيداً، قال في نفسه لقد وصلت هدية العيد، قلبه يدق كدقات ساعة مهملة في جدار مشروخ.أين المكان؟ أعطته إشارة بعد أن أقنعته بالمكان المحدد، ترك صاحبه في تلك اللوكندة ولم يعره أي اهتمام، وخرج مسرعاً يركب سيارة أجرة يبحث عن المكان المتفق عليه وهو لا يعرف شيئاً عن المكان الذي دلته عليه، كان الشارع مكتظاً بليالي رمضان الأخيرة والناس لا هم لهم سوى شراء متطلبات العيد، وقف فاتحاً فاه يتأمل تلك الأمواج من الناس أسرع إلى المكان المحدد كان يتأمل واجهات المحلات بتلك الألوان الزاهية (أنه العيد) يصدم بهذا ويتحاشى هذا، أخيراً وجد ضالته، لوحة معلقة أمامه (المركز العالمي) اتصلت به تتأكد من مجيئه، جاءها الصوت باهتاً كأنه غريق، نظر أمامه كانت واقفة لم يعرفها من شدة الزحام، جذبته من يده وراحا يصعدان السلالم، كان قلبه يدق كطبل أفريقي تصاحبه موسيقى الجاز لم يشعر إلا وهو في الدور الثالث بين تلك الأنوار الخافتة، كان يتأمل الملابس بأشكالها المختلفة وهو يتحسس جيبه الذي يملك ثلاثة آلاف ريال فقط أدخرها لأيام العيد، في الدور الأخير كانت المواجهة، أجلسته كان مهموماً ينتظر الهدية.. قال في نفسه: ستحضرها الآن، رفعت شنطتها فتحت شريطها زاد قلبه طرباً قال في نفسه (الهدية وصلت؟ لن أحتاج إلى ملابس) هدأ قلبه من تلك النبضات السريعة وأصبح كطفل ينتظر وجبته من يد حنونة لكن كان الوعاء فارغاً، أعطته صورة يتأملها، قال: من هذه؟ هزت رأسها و أشارت إلى نفسها، كشفت أخيراً ذلك اللثام، تعثر عن الكلام وكأنه طفل في الثانية، وصل النادل (اثنين عصير برتقال من فضلك) تنهد وأصبح لا تسعه الأرض ولا السماء، كان جامداً كقطعة ثلج في يوم حار، يتصبب عرقاً أمسكت يده، قال في نفسه: لقد ضاعت الهدية مطأطئاً رأسه وضاعت كل الألوان من أمامه لم يبق سوى اللون الأسود، قام مسرعاً يغسل وجهه المتصبب عرقاً ويخرج ما تبقى في فمه من وريقات القات، عاد كتيس فريد بين تلك المراعي أخذ يرشف ما هو أمامه من عصير البرتقال أخذت يده مرة ثانية كان يرتعش ككوز ذرة على نار هادئة ويتصبب عرقاً كبراد ماء جديد فاتحته بكلام لا يعرفه إلا لأول مرة، نظر إلى صدرها البارز كانت تعلوه تفاحتان حان قطفهما دنت منه وهي تحدثه اقتربت منه كثيراً ضاعت عنده كل الألوان أوقفته ضمته إلى صدرها وراحت تقبله وهو كفار مستسلم لتلك المصيدة التي أمامه عاد إلى مكانه وهو لا يعرف كيف عاد، الناس الجالسون لا هم لهم سوى النظر إلى ما بين أيديهم. يتخلل المكان هدوء إلا من تلك الهمسات التي تخرج من أفواههم كخرير نهر جار كانت الأنوار خافتة طلبت منه مصروف العيد، أخرج ما بجيبه دون أي تردد وراح يدفع الحساب ويعطيها ما بقي في جيبه ليخرج من تلك المصيدة دون هدية وهو يجر أذياله إلى بيته صفر اليدين قالها بكلمات غير مفهومة إنها لأول مرة قبل ليلة العيد.