حكاية
(ما زلت أذكر قولكِ ذات يوم : (الحب هو ما حدث بيننا. والأدب هو كل ما لم يحدث). يمكنني اليوم، بعد ما انتهى كل شيء أن أقول : هنيئا للأدب على فجيعتنا إذن فما اكبر مساحة ما لم يحدث . إنها تصلح اليوم لأكثر من كتاب . وهنيئا للحب أيضاً ...فما أجمل الذي حدث بيننا... ما أجمل الذي لم يحدث..ما أجمل الذي لن يحدث. قبل اليوم، كنت اعتقد أننا لا يمكن أن نكتب عن حياتنا إلا عندما نشفى منها . عندما يمكن أن نلمس جراحنا القديمة بقلم، دون أن نتألم مرة أخرى!.عندما نقدر على النظر خلفنا دون حنين، دون جنون، ودون حقد أيضاً. أيمكن هذا حقاً ؟ نحن لا نشفى من ذاكرتنا . ولهذا نحن نكتب، ولهذا نحن نرسم، ولهذا يموت بعضنا أيضاً. - أتريد قهوة ؟ يأتي صوت عتيقة غائبا، وكأنه يطرح السؤال على شخص غيري . معتذرا دون اعتذار، على وجه للحزن لم أخلعه منذ أيام . يخذلني صوتي فجأة... أجيب بإشارة من رأسي فقط . فتنسحب لتعود بعد لحظات، بصينية قهوة نحاسية كبيرة عليها إبريق، وفناجين، وسكرية، ومرش لماء الزهر، وصحن للحلويات !في مدن أخرى تقدم القهوة جاهزة في فنجان، وضعت جواره مسبقاً معلقة وقطعة سكر . ولكن قسنطينة مدينة تكره الإيجاز في كل شيء . إنها تفرد ما عندها دائما .تماما كما تلبس كل ما تملك. وتقول كل ما تعرف . ولهذا كان حتى الحزن وليمه في هذه المدينة . أجمع الأوراق المبعثرة أمامي ، لأترك مكاناً لفنجان القهوة وكأنني أفسح مكانا لك ..! بعضها مسودات قديمة، وأخرى أوراق بيضاء تنتظر منذ أيام بعض الكلمات فقط... كي تدب فيها الحياة، وتتحول من ورق إلى أيام . كلمات فقط، أجتاز بها الصمت إلى الكلام، والذاكرة إلى النسيان، ولكن .. تركت السكر جانبا، وارتشفت قهوتي مره كما عودني حبك . فكرت في غرابه هذا الطعم العذب للقهوة المرة . ولحظتها فقط، شعرت أنني قادر على الكتابة عنك فأشعلت سيجارة عصبية، ورحت أطارد دخان الكلمات التي أحرقتني منذ سنوات، دون أن أطفئ حرائقها مرة فوق صفحة .هل الورق مطفأة للذاكرة؟ ).