سطور
هذه المدينة الساحرة والتي تبعث دفئها لكل أبناء الوطن بمختلف أطيافهم الاجتماعية والثقافية والفكرية فتشعرك بالسلام والطمأنينة والحب لكل ما فيها ومن فيها، حاضنة البحر، والتي يـقـبـل الموج خلجانها وسواحلها بكل استحياء فيهمس بسحرٍ يأخذك إلى أبعد من العشق وأسمى معاني الفخر والاعتزاز بماضٍ متميز وحاضر مبتسم بأملٍ لا ينقطع .. (عدن) .. هذه الأم الحنون، التي أنجبـت أجيالاً من المبدعين في مختلف المراحل والمجالات ، كان لها الفخر في التباهي بلآلائى نفيسةٍ في كل نواحي الفنون : موسيقى، مسرح، فنون تشكيلية، وكذا الأدب والشعر والصحافة والإعلام .. ناهيك عن قائمةٍ طويلة من الأسماء اللامعة في مختلف تخصصات الحياة .. وكان ذلك ليس لتميزها في المنطقة بوجود المدارس والمعاهد ودور العـلم منذ فترات متقدمة ، ولكن لأنها كانت ملتقى لكل الثقافات منذ تلك الأزمنة وحتى اليوم ... ولن أستعرض تلك المجالات فهي عديدة ، بل تجدني - أحاول ما أستطعت - التذكير أنها قد أنجـبـت نخبة من الفنانين التشكيليين التي كانت تتفاخر بهم كل ساحات الوطن .. منهم من غادرها مـكرهاً بعد أن ضاقت به أحوال المعيشة إلى مناطق أخرى، ومنهم من أبحـر مغادراً الوطن بالكامل فاحتضنته عواصم عربية وأجنبية وأصبح في عيشةٍ هادئة ينعم بكل أنواع الاستقرار ورغد العيش .. وكثير منا يتذكر بعضهم .. أما القـلـة الباقية، والذين آثروا أن يتشبثوا بردائها الجميل وتجرعوا الكثير للبقاء تحت سمائها الصافية يتنفسون هواءها الدافئ، كان لزاماً عليهم أن يدفعوا الثمن غالياً لهذا العشق الجنوني .. فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر .. وكل من تقابله منهم يتلفظ بمرارة وضعه المؤسف ، وتحس بحشرجةٍ في حنجرته تكاد تصل لحد الدمع مما يعانيه ... وليعفني أخي القارئ عن ذكر الأسماء .. فوزارة الثقافة ومكتبها في عدن ربما لم يجد أحدهم (إمرأ خير) للفت انتباههم لأحوال هؤلاء المبدعين ..لذا لن نرمي أثقالنا عليهم اليوم، بل نختلس فرصة من خلال سطورنا هذه لنهمس لهم : أعيدوا النظر في هؤلاء المبدعين الذين أنهكهـم الصبر ، وحفر الزمن أخاديده في حياتهم المعيشية فلم يعـد بالإمكان معانقتهم للريشة واللوحة في ظل هذه الأوضاع التي لم يعـد يحتملها الإنسان العادي فما بالك بمبدعٍ مرهـف الإحساس جـيـاش المشاعر لا يستطيع الصراخ كالآخرين ، وإن حاول أن يشكو بريشته على اللوحة فتسبقه مقلتيه تدرف دمعاً لتمحو كل ما حاول التغني به على لوحاته ..مع تقديري البالغ للجهود الطيبة لكل من يحاول أن يشعل شمعة في هذا الظلام الدامس لمحاولة نزع ابتسامة من شفتي فنانينا التشكيليين الذين امتصت رمال الأيام كل مجهوداتهم الجبارة في الانتظار للقادم الجميل والأمل المتواصل والمتجدد حـبـاً لعدن .. كل عدن !!