الديمقراطية في اليمن بين سندان الحاكم ومطرقة المعارضة
سامي شرف الأهدل [c1]أ) الديمقراطية ثقافة وسلوك: [/c]كم هي جميلة كلمة « الديمقراطية» حينما يعرف القادة والمعارضة والشعب معناها، وكم هو جميل أن يعمل الجميع على احترام أُسسها ومبادئها وتحقيق أهدافها. الغرب عرف الديمقراطية، فانتهجها واحترم قواعدها، فكانت الأغلبية التي تحوز على نسبة 50،1 % مقابل 49،9 % في الانتخابات تحكم الوطن طيلة الفترة الاستحقاقية المتاحة لها لتسيير شؤون البلاد.وكانت المعارضة تلعب دور المراقب للحكومة وتحاول إصلاح أخطاء الحاكم وتمثل الرديف الحقيقي للسلطة لما يخدم الوطن، حتى وان كانت كلمة الفصل في النهاية للسلطة المنتخبة دستورياً ولمجلسها البرلماني ممثل الشعب.نستطيع القول هنا إن الديمقراطية ثقافة وسلوك أكثر منها تسلط ونفوذ. فهي صرح مهم في بناء الدولة الحديثة والمؤسساتية المبنية على النظم القانونية واحترام الرأي والرأي الأخر، وليست سلة مهملات يضع فيها كل من السلطة والمعارضة أوراقها الصدئة. ونجاح التجربة الديمقراطية في بلد ما، يعني نجاح السلطة والمعارضة وفشلها يعني فشلهما معاً. ويعتمد هذا النجاح على إدخال التجربة الديمقراطية بطرق صحيحة وسليمة لتشكل بذلك أرضية صلبة لا تهتز لعوامل التعرية أو لتيارات الرياح السياسية الساخنة. وبذلك تكون الديمقراطية حصناً منيعاً وجداراً صلباً مقاوماً لتلك الظروف وللمشاكل والمحن الكبرى التي تقود البلدان إلى التفكك والانهيار والصراعات الدائمة. لكن الحال قد يختلف بعض الشيء في التجربة الديمقراطية في اليمن، ذلك البلد الذي سبق العديد من الدول العربية باتباعه هذا النهج، فاليمن اختار النهج الديمقراطي كمسار لخط يقوده نحو التنمية والتقدم والرخاء. وبالفعل وجدت الديمقراطية في اليمن، ولا يستطيع أحدا نكرانها. فلقد أتاحت للمواطن اليمني المشاركة في اختيار ممثليه في السلطة، وفي حرية التعبير وحرية الصحافة وما إلى ذلك من مزايا الديمقراطية التي لا تتوقف عند هذا الحد فقط، فهي عطاء لا محدود.لكن مع الأسف أُسيء فهم هذه الكلمة وبالتالي أُسيء استخدامها، فاستغلتها بعض الأحزاب السياسية اليمنية استغلالاً سيئاً وصارت تضرب بمصالح الوطن عرض الحائط وكل ذلك باسمها، أي باسم «الديمقراطية»، لدرجة أن المرء صار يتقيأ بعض المواقف اللاعقلانية لأحزاب المعارضة، وبدأ البعض فعلاً بمراجعة حساباته من تلك الأحزاب، بل وحتى حول هذه الكلمة وهذا المصطلح « مصطلح الديمقراطية» ومدى فاعليته في بلدان العالم الثالث. هنا تخطر لدينا العديد من الأسئلة، بعضها قد يحتاج منا لدراسات معمقة كي نستطيع إيجاد الإجابات والحلول المناسبة لها. نتساءل ونقول: ماذا جنى اليمن من الديمقراطية (ولم أقل اليمنيين)؟ وهل الديمقراطية في هذا البلد (الذي غالبية أبنائه من ألاُميين بحسب التقارير الدولية) ستقود مواطنيه إلى كل ما يحلمون به من رغد العيش؟ أم أن الديمقراطية قد تتحول إلى نقمة لا سمح الله؟ وهل السلطة والمعارضة يدركان معنى هذه الكلمة ويؤمنان بثوابتها وبمبادئها ولاسيما بمبدأ الأغلبية؟ وسؤال آخر ومهم يتبادر إلى أذهاننا وهو هل كنا بالأمس أفضل حالاً عما نحن عليه اليوم في عهد الديمقراطية؟ أُيهما علينا أن نفضل: النظام الجمهوري ذو الحزب الواحد لوطن يتمتع بالأمن والاستقرار «كسوريا وتونس مثلا»، أم النظام الجمهوري ذو الأحزاب المتعددة والذي يقع أمنه واستقراره على كف عفريت « كمصر واليمن والسودان والعراق وهلم جرا».مثل آخر يقودنا نحو الوطن الخليجي، فنرى أن الدول التي لا تعيش الديمقراطية وضعها في ازدهار وأمنها أكثر استقرارا من تلك التي تعيش هامشا من الديمقراطية « كالكويت والبحرين». أذن أتفسد الديمقراطية الأوطان أم ماذا ؟ وهل هي حقا خطر غربي يهدد الشعوب العربية قبل أنظمتها؟ أم أن الخطأ فينا نحن الشعوب؟ أيهما علينا أن نعيش الأمن أم الديمقراطية؟ أم أننا نستطيع أن نعيش الاثنين معا ؟؟؟ نظن ذلك صعباً لاسيما في الوقت الراهن، ليس في اليمن فقط، بل في العالم العربي اجمع. فكما نحن متأكدون تماماً بان الغرب لا يستطيع أن يعيش ديمقراطية العرب، فإننا أيضاً على اقتناع تام بان العرب لا يستطيعون أن يعيشوا ديمقراطية الغرب.سؤال آخر نترك أجابته هنا للزمن وهو هل سيأتي يوم يخرج فيه اليمنيون ينادون بتخفيض الديمقراطية واقصد بالتخفيض هنا «أي التقنين في الشيء» استناداً لقاعدة «الشيء إن زاد عن حده انقلب ضده»، واقصد بسؤالي هو انه : هل سيأتي يوم يخرج فيه الشعب اليمني منادياً بـ»تخفيض الديمقراطية واجب» كما حصل قديماً في «تخفيض الراتب واجب»؟ لم لا!!! فكل شيء جائز.نحن لا ندعو هنا إلى تمجيد نظام الحزب الواحد» وان كانت لي نظرتي الشخصية في ذلك» ولسنا من أعداء الديمقراطية أو من الداعين إلى التراجع عن هذا الخيار «وان كانت لدي بعض التحفظات في طريقة تطبيقها وممارستها في دول العالم الثالث»، لكننا نرى أنه أُسيء فعلاً استخدام هذا المصطلح، فهذه الكلمة لها استحقاقات أدبية وأخلاقية ووطنية قبل استحقاقاتها الدستورية والقانونية والسياسية، وما يشهده المسرح السياسي اليمني اليوم في وطن الثاني والعشرين من مايو إلا دليل واضح على عدم احترام هذا الخيار ونهجه بالطرق الراقية. فالديمقراطية في اليمن لم تتحقق بعد لان الجميع يتشدق بالديمقراطية ويجهل ثقافة الديمقراطية.[c1]ب) أحزاب المعارضة اليمنية: [/c]يمكننا القول إن علم الاجتماع السياسي قد صنف الأحزاب السياسية بشكل عام إلى صنفين رئيسيين وهما: أحزاب سياسية ذات أيديولوجية واضحة، وأحزاب سياسية ذات مصالح ضيقة. ولكي نكون أكثر حيادية ونحن نتحدث عن أحزاب المعارضة اليمنية، فقد يصعب علينا تصنيف المعارضة اليمنية إلى أي الصنفين تنتمي. فلا يمكننا أن نصنفها من الأحزاب السياسية ذات ألإيديولوجية الواضحة وهي عبارة عن خليط غير متجانس من إسلاميين وعلمانيين ( اشتراكيين، ناصريين.....الخ). ولا يمكننا أن نصنفها بأنها أحزاب سياسية ذات مصالح ضيقة وفيها الكثير من الوطنيين والوحدويين وعمالقة السياسية على الساحة الوطنية والإقليمية.لكن المتتبع الحثيث لشؤون المعارضة اليمنية سيجدها قد فشلت فشلاً ذريعاً في لعب دور ايجابي يذكر على الصعيد الوطني. فغياب المشروع الاستراتيجي الواضح لدى أحزاب المعارضة حرمها من أن تكون معارضة فاعلة تساهم في بناء الوطن وتنميته وتسعى إلى تحسين قدراته في شتى المجالات، ولم تحمل المعارضة أو تقدم برنامجاً مدروساً يساعد في استقرار الوضع الاقتصادي أو السياسي ولاسيما الأمني. بل على العكس، سعت تلك الأحزاب ونخص هنا «اللقاء المشترك» إلى مطالبة العاقل بما لا يعقل أحيانا. فتارة تطالب الشارع بمباركة الخراب القادم من صعدة، وتدعو المتورطين في حرب صعدة، التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء إلى الاشتراك في العملية السياسية، مع أن دور ألمعارضة هنا هو العكس تماماً. فالاحرى بها أن تكون في صف الشعب لا في صف من قتل الشعب، وان تكون أول من يطالب السلطة بتطبيق العدل والقانون، وإنصاف أسر الشهداء وأرواح الأبرياء من أبناء الوطن. وتارة أخرى تجدها تجفف دموع الخارجين عن الثوابت والمنادين بفك الارتباط وتخرج الشباب للتظاهر لأجل معتقلين خرجوا عن النظام والقانون، ليس حباً فيهم بل نكاية بالسلطة دون أدنى احترام لمشاعر المواطن وقدسية الوطن. ولقد زادت تلك المعارضة في الفترة الأخيرة من سقف مطالبها وحاولت زرع العراقيل بغية تعطيل الحوار الوطني ومحاولة الوصول بالبلاد إلى فراغ دستوري من خلال وقف الإجراءات المتعلقة بإجراء الانتخابات النيابية، مع العلم أن دور المعارضة هو قطع الطريق أمام السلطة وعدم السماح لها بان تحكم البلاد ولو ليوم واحد زيادة عن الفترة الفعلية والمستحقة لها قانونياً. وهنا نقف حائرين من الدور الذي تلعبه المعارضة اليمنية ولصالح من تلعبه؟ أتلعبه لصالح الشعب أم لصالح تجار الشعب؟يبدو لنا جليا إذن أن المعارضة في اليمن فقدت الكثير من مصداقيتها، لدرجة أنها صارت تتخلى عن أدنى واجباتها الوطنية. فنجدها اليوم تتهرب من الحوار، وتدغدغ مشاعر الشعب بارتفاع الأسعار، وتستخدم الشارع كورقة ضغط لابتزاز السلطة في أصعب الظروف وأحلكها، وهاهي واليمن يمر بأسوأ حالاته تنادي بهبة شعبية تقود البلاد إلى الهاوية وإلى المزيد من الفوضى وكأن الوطن لا ينقصه سوى هبات شعبية. لكن كل ذلك قد يكون ناتجاً عن شعور المعارضة بالخطر المحدق بها والمتمثل في ضعف قاعدتها الشعبية، مما يجعلها تتحاشى الحوار وتقلق على مستقبلها السياسي في مسألة الانتخابات النيابية و تتخندق في زوايا ضيقة.والسؤال هنا: أبهكذا أساليب تستطيع المعارضة اليمنية أن تصل إلى سدة الحكم؟ نظن ذلك صعباً، ولن يكن مقبولاً لدى عامة الشعب. وما نستطيع أن نقوله هنا هو أن النضوج السياسي لدى المعارضة اليمنية لا يزال في مراحله الأولى، فالمعارضة الحالية مفتقرة لأبجديات معناها.[c1] ج) الانتخابات النيابية كحق دستوري وقانوني:[/c]يرى الكثيرون من خبراء النظم السياسية أن الانتخابات النيابية هي أفضل النظم والوسائل للتعبير عن إرادة الشعوب، وان لم تفرز تلك الانتخابات في الغالب البرلماني الأفضل للعمل النيابي، إذ يمكن أن يتفوق شخص عادي على شخصية مثقفة، أو شيخ أُمي على شخصية أكاديمية محترمة، وغير ذلك. ومع أن نتائج العمليات الانتخابية لا تخلو أبداً من السلبيات التي قد تصاحبها، إلا أن تلك الانتخابات تجسد معنى الديمقراطية. فهي تبقى في النهاية الأسلوب الأرقى والأمثل لتحقيق التداول السلمي للسلطة وتفعيل أدواتها وتعمل على توسيع مساحة الفكر والمشاركة السياسية لجميع فئات الشعب دون استثناء.لكن المتابع للشأن السياسي اليمني يصاب بالغثيان نتيجة الهفوات والغلطات التي ارتكبتها السلطة والمعارضة بحق الشعب في هذا الجانب، أي جانب الاستحقاق الانتخابي. حيث أن السلطة سلبت الشعب حقاً من حقوقه حينما وافقت واشتركت في مهزلة تاريخية تقودها المعارضة من خلال التمديد لعامين جديدين للمجلس النيابي الحالي. والسؤال الذي يطرح هنا: ماذا تريد المعارضة من ذلك وهل سيرتكب الحاكم نفس الخطأ التاريخي بحق الشعب وسيشترك في مهزلة سياسية جديدة يوافق من خلالها على تأخير هذا الاستحقاق نتيجة لضغوط من هنا أو إيعاز من هناك؟ أم انه سيحترم القسم الذي اقسم به، ويحترم إرادة الشعب الذي اسند إليه الثقة ويمضي في الانتخابات وفقاً للقانون؟ أما المعارضة إن سارت بعكس مسار الديمقراطية وبعكس إرادة الشعب فان ذلك سيكون دليلاً واضحاً على:- عدم وجود نية صادقة ورؤية إستراتيجية يمتلكها المشترك للمساهمة في بناء الوطن.- عدم استطاعة اللقاء المشترك إقناع الشارع اليمني بجديته في التعامل وفي الحوار وبقدرته على الأخذ بزمام الأمور أو حتى المشاركة بفعالية لإخراج البلاد من أزماته المتلاحقة.- عدم وجود انسجام فكري وإيديولوجي بين أعضاء اللقاء المشترك بصفة خاصة وبين الأحزاب ذاتها بصفة عامة. - الشعور بتدني شعبية المشترك التي وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ تأسيس اللقاء، نتيجة مواقفه السلبية والمخيبة للآمال تجاه العديد من القضايا الوطنية، والتي استفزت الشارع بأكثر من حدث.- تخوف اللقاء المشترك من خوض الانتخابات النيابية كونها ستعطيهم حجمهم الحقيقي على أرض الواقع، إما سلباً أو إيجاباً، وحجمهم الحقيقي حالياً ليس مرغوباً فيه لدى معظم قادة اللقاء.لا ضير من أن يكون البعض منا ليس من محبي السلطة وذلك شانه في ظل المناخ الديمقراطي، لكننا لا ننكر حاجتنا إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى... أتعلمون لماذا؟ لأننا نحب وطننا، وعلينا أن نقدم التنازلات من اجل هذا الوطن. فوطننا يمر اليوم بمنعطفات ومنزلقات خطيرة في تاريخه السياسي المعاصر: مؤامرات سياسية خبيثة، ظروف اقتصادية منهكة، أوضاع أمنية متردية، حياة اجتماعية صعبة، تدخلات أجنبية متتالية. وهنا لا نبرئ السلطة من كل ذلك، فهي تتحمل جزءاً مما آلت إليه الأوضاع، لكننا نرى في الوقت ذاته أن العملاء وضعفاء النفوس ممن يتاجرون و يبيعون ويشترون بالوطن كانت لهم اليد الطولى في كل هذا. ومع ذلك فنحن على يقين بان هذه الأوضاع ستدفع اليمنيين العقلاء المحبين لوطنهم من سلطة ومعارضة إلى الهروب من فخ الفراغ الدستوري الذي قد ينتج عنه ما لا تحمد عقباه. أما إن استمر اللقاء المشترك بالتملص من تعهداته وعزفه عن الحوار والتهرب من الانتخابات النيابية ومن الاستحقاقات الوطنية، واللجوء المتكرر إلى الشارع وضربه بالسلطة ليخرج بعدها منتصراً، فذلك ليس صحيحاً، وهنا قد يأتي الرد العنيف من الشعب وليس من السلطة وقد يكون الرد كالتالي:- توجيه صفعة قاسية من الشعب لأحزاب اللقاء المشترك قد يظل أثرها لسنوات عدة، ولن يكون ذلك حبا في السلطة بل كرهاً في المعارضة.- تولد شعور لدى الشارع واقتناعه بأن بعض قادة اللقاء المشترك لا يسعون حقا لبناء الوطن ومصلحة المواطن بقدر ما يسعون لتقاسم حصصي للثروة والمناصب ليس أكثر.- فقدان المشترك للمقاعد التي يتمتع بها حاليا في المجلس البرلماني.- نشوء خلافات حادة بين أطياف ومكونات اللقاء قد تفضي إلى عدم اللقاء.- تشكيل معارضة جديدة تقوم على أنقاض المعارضة الحالية.إن الإسراع في إجراء الانتخابات النيابية في وقتها المحدد مهمة وطنية تقع على عاتق الجميع، فعلى السلطة تحمل مسؤولياتها كما ينبغي، وعلى المعارضة أن تعي أن الخلاف مع المؤتمر الشعبي العام يجب أن لا يكون على حساب الاستحقاقات الوطنية وتعريض امن الوطن للاضطرابات الداخلية وفتح الباب على مصراعيه أمام التدخلات الخارجية، بل يجب أن يظل هذا الخلاف في إطار معين وبدون الخروج عن الثوابت الوطنية. ومن هنا وبصفتي مواطناً يمنياً أناشد وباسم كل يمني حر يحب وطنه وحريص على أمنه واستقراره ويحب الخير لأبناء بلده، ألمعارضة اليمنية أن تتعقل في هذه الفترة الصعبة والمرحلة الحرجة في تاريخ الوطن، وان تفكر في أسلوب جاد تستعيد من خلاله ثقة الشعب بها، فهو اليوم بحاجة ماسة لمعارضة بناءة قريبة منه ومن همومه ومعاناته. نناشد المعارضة بان تأخذ حقها من خلال صناديق الاقتراع وان تغلب مصالح الوطن وتجعلها فوق كل اعتبار، وان تدرك كذلك بان التبادل السلمي للسلطة شيء راق وراق جداً لا يحتاج إلى الفوضى الخلاقة بقدر ما يحتاج إلى أحزاب تتمتع بالولاء لله ثم للوطن.