مختار مقطري رحل شكيب عوض ،واستراح من معاناة مرض عضال ،فكيف ننظر الى رحيلة اذاً احتملنا مرارة تعزية انفسنا والتأسي بالصبر والامتثال لقضاء الله الذي لا راد لقضائه؟ اجل .. كيف ننظر لرحيل شكيب عوض بعد ان تهدأ نفوسنا وتسعفنا نعمة النسيان فتنقل حزننا عليه من حزن في القلب الى حزن في الذاكرة؟ هل نرثيه كما يرثى صديق او زميل اختاره الله الى جواره فواريناه الثرى ثم تبادلنا فيه التعازي وكتبنا المراثى شعراً ومقالة وخاطرة؟ هل كان شكيب عوض مجرد صديق لهذا وزميل لذاك لتحزن عليه فقط قلوب من عرفوه وعاشروه وزاملوه فأحبوه انساناً جميلاً واعلامياً بارزاً ؟ اهكذا ينبغي ان نودع شكيب عوض وقد خسرنا برحيله ذاكرة فنية اختزنت في خلاياها تفاصيل ودقائق ومشاهد مرحلة فنية طويلة على مستوى اليمن والوطن العربي.رحل شكيب عوض فخسرنا الانسان الجميل في خلقة ولسانه وقلمه في ابتسامته الصافية التي كان يلقانا ويودعنا بها وفي كل لقاء جمعنا به لاتسمح منه الا الحديث المهذب ولاتستشف في نفسه الا الحب ونقاء السريرة ودفء المشاعر النبيلة واذا ذكرنا له مكائد وترهات و(حشوش) اعدائه في النجاح وهم ادنى منه شأناً واقل كفاءة فلم يبلغوا مابلغة من مستوى متميز راقٍ ومكانةٍ عالية في مجال الاعلام والكتابة الفنية - اذا ذكرناهم له لايغضب ولايثور اعتداداً وثقة كبيرة بقدراته الابداعية ولايرد على اساءة لهم باساءة ترفعاً وتأدباً يمنعانه من الهبوط الى مستوى اقلام النفاق والمدائح المدفوع ثمنها مقدماً او اجلاً الى مستوى اولئك المتقلبين والمتغيرين والمعقدين نفسياً والمشوهين فكرياً والمصابين بفقر الثقافة وعدم القدرة على التثقف فتوقفوا حيث بدأوا عاجزين عن تقديم الجديد فلجأوا الى اعادة نشر ماكتبوه- واعجب مع سطحيته وخلوه من اضافة ادبية او فنية وصياغته الركيكة كيف نشر من قبل في صحف ومجلات رسمية و غير رسمية فاذا خافوا ان يفضحهم التكرار لجأووا للسرقات الادبية لينقدهم فاعلو الخير من الفضيحة.هؤلاء كانوا اعداء شكيب عوض في النجاح والتفوق ولم يكن هو يعرف الحقد او البغضاء ولايسمح للكره والضغينة والحسد ان يتسلل الى قلبه ويلوث مشاعره فاذا ذكرناهم له كان يقول بثقة وكبرياء : » الله يسامحهم. انا مش فاضي لهذه الخبابير« .. نعم .. مش فاضي .. فهو مشغول بمتابعة اخبار ومستجدات الساحة الفنية في اليمن والوطن العربي والكتابه لزاويته الاسبوعية (أضواء كاشفة) في الصفحة الفنية في صحيفة (14 اكتوبر) اليومية الصادرة بعدن والاشراف على تحريرها وباعداد وتقديم البرامج الفنية الرائعة في اذاعة وتلفزيون عدن فيتابعها ويشغف بها كل مستمع ومشاهد.ومن الواضح والجلي والمؤكد ان هناك علاقة وطيدة وارتباطاً متيناً بين اخلاقة المهذبة وادبه الجم وبين اسلوبة في الكتابة الفنية والنقد الفني تحديداً ففي زاويته الاسبوعية (أضواء كاشفة) كان يتناول بالنقد مواضيع فنية جادة او ممارسات فنية خاطئة - رسمية وغير رسمية- ولكنه كان مؤدباً في نقده خلوقاً في تناوله وهادئاً في مناقشته للموضوع لايحتد ولايهاجم ولا يعنف ولايسخر ولايتعمد الاثارة وانما يتوخى التوجيه والنصيحة والدعوة الى الفن الراقي وتشجيع المواهب الشابة واحترام الحقوق الادبية والمادية للفنانين وايجاد الحلول والمعالجات لمشاكلهم ومعاناتهم وتحديداً الفنانين الكبار.الا انه- يرحمه الله- لم يكن يفرض اسلوبه في الكتابة على غيره من الكتاب ممن كان يحرص على نشر مقالاتهم في الصفحة الفنية فلكل كاتب اسلوبه في الكتابة الفنية - حتى المبتدئين في الكتابة في هذا المجال - فعلى سبيل المثال- لم ابدأ انا الكتابة الفنية والنقذ الفني الا في العام 1999م في صحيفة » الايام« وحتى العام (2000م) لم اكن قد برزت في هذا المجال ولم يكن اسمي معروفاً الا لعدد قليل من الاصدقاء والمهتمين ولكني وفي (العام نفسه) كتبت مقالاً نقدياً طويلاً دحضت فيه ونقضت بعض افكار واستنتاجات وردت في كتاب جمع مواده شاعر معروف عن فنان يمني كبير وارسلته لشكيب عوض لنشره في الصحفة الفنية في صحيفة (14 اكتوبر) .. وعلى الرغم من اسمي غير المشهور حينذاك وعلى الرغم من طول المقال وعلى الرغم من ان اسلوبي في كتابة المقال لم يخل ومن للهجة شديدة في اجزاء منه ومن نقد لاذع في اجزاء اخرى وعلى الرغم من العنوان الذي يتم عن سخرية على الرغم من كل ذلك .. وافق شكيب عوض على نشر المقال وفعلاً .. نشر المقال في جزئين دون شطب كلمة واحدة مرفقاً بصورتي وصور المستهدفين في مقال ثم نشر لي شكيب عوض عشرات المقالات النقدية والتغطيات الفنية ومعظمها لم يكن يخلو من نقد لاذع حيناً ونقد عنيف احياناً اخرى لانه -يرحمه الله- كان يحترم اسلوبي في الكتابة كما يحترم اسلوب كل الكتاب هذا اولاً وثانياً لانه كان يراني على صواب ولست متجنياً على احد ظلماً وعدواناً او على خلفية خلافات شخصية .وكان شكيب عوض هو اول من ادخلني اذاعة وتلفزيون عدن فاستضافني في بعض برامجة الفنية كان آخرها برنامج 0سمر في ساعة سحر) في شهر رمضان قبل الماضي في اذاعة عدن.وكان شكيب عوض واحداً من عدد قليل جداً من الاصدقاء والزملاء منحوني ثقة بنفسي وبمقدرتي على الكتابة الفنية واثقين بأني كاتب متميز ولعلي لم اصبح كذلك فخيبت ظنهم المتفائل بي فأول برنامج تلفزيوني استضافني فيه شكيب عوض كان برنامجاً خاصاً عن الموسيقار الراحل احمد بن احمد قاسم في ذكرى رحيلة عام 2001م ولم اكن الضيف الوحيد بل اسماً قزماً الى جانب اسمين كبيرين لعلمين بارزين هما الاستاذ خالد صوري والشاعر الغنائي الكبير عبدالله عبدالكريم فكان من الطبيعي ان يتملكني الخوف وان يستبد بي ارتباك شديد وبعينة الراعية لكل مبتدىء وحرصة الكبير على تشجيع ومساندة والوقوف الى جانب كل تلميذ شعر بما اعاني واخرجني قبل البدء بتصوير البرنامج من الاستديو الى ركن في ساحة مبنى الاذاعة والتلفزيون وتحث معي حديثاً قصيراً ملأني ثقة بنفسي وبمقدرتي على المشاركة الموفقة في ذلك البرنامج.وكان شكيب عوض مرجعيتي الفنية والمصدر الوحيد للمعلومات اذا احتجت لتأكيد فكرة او اثبات حدث في بعض مقالاتي الفنية ،وكل معلومة احتجت لها وجدتها عنده والى جانبها مقالاتي الفنية وكل معلومة اخرى استفدت منها كثيراً.شكيب عوض كان ذاكرة اليمن الفنية ،نحن خسرناه صديقاً وزميلاً وانساناً رائعاً ولكن اليمن خسرت برحيلة ذاكرة فنية لم تستفد منها ولم يفكر طرف مسؤول اوجهة رسمية في الاستفادة منها .. شكيب عوض كان يعرف ويحفظ جيداً تفاصيل المشوار الفني لكل فنان منذ الخمسينيات من القرن الماضي وليس الفنانون هنا هم المطربون والموسيقيون فقط بل والشعراء والادباء ورجال الصحافة ورواد المسرح وغير هؤلاء من المبدعين والى جانب ذلك كان يرصد ويتابع باهتمام كبير كل جديد في الساحة الفنية لعدد من الدول العربية وفي مقدمتها مصر،ويعرف تفاصيل المشوار الفني للمطربين العرب والشعراء والملحنين والممثلين والمخرجين وكانت معرفته بها معرفة متذوقة وناقدة وليست مجرد معلومات جامدة مخزونة في ذاكرته.ترى .. هل قام شكيب عوض بتدوين الكثير او القليل مما يختزنة في ذاكرته الحافظة من معلومات واحداث فنية في اوراق موجودة اليوم في بيته ؟ لا ادري ولكني اعلم انه لم يكن يرغب في تأليف يوثق فيه كل مالديه لكن المخجل حقاً ان الجهات المعنية لم تطلب منه القيام بذلك ولم توفر الامكانات التقنية والمادية لهذا الغرض فهل البرامج الاذاعية والتلفزيونية التي قدمها وقدم من خلالها جانباً كبيراً من التوثيق الفني هل هذه البرامج مازالت موجودة ؟ اشك في ذلك .. فنحن في اليمن نكره التوثيق وتتولى كل مرحلة جديدة الغاء وشطب كل ماله علاقة بالمرحلة المنصرمة ولكن من يدري لعل شكيب عوض كان يحرص على الاحتفاظ بنسخ من البرامج الفنية التي اعدها وقدمها من خلال الاذاعة والتلفزيون فلا بد من التواصل الجاد والمسؤول مع اسرته فان لم نجد لديها شيئاً من هذا فما علينا الا ان نجمع في كتاب كل المقالات والحوارات الفنية التي اجراها مع الفنانين اليمنيين والعرب المنشورة في الصحف والمجلات ودون شك سيكون كتاباً مرجعياً مفيداً لكل مهتم ولكل باحث عن معلومات قيمة لمرحلة فنية طويلة عاصرها شكيب عوض عايشها وشارك فيها على مدى اكثر من خمسين عاماً على أمل ان تبدي الجهات المعنية بعد ان خسرن شكيب عوض حرصها على الحفاظ والاستفادة من (ذاكراتنا) الفنية القليلة التي مازالت على قيد الحياة ان لم تكن حريصة على شطبها لطمس وشطب والغاء تاريخ وعطاء عدد كبير من المبدعين الكبار رحلوا من حياتنا بعد ان اضاؤوا لنا الحياة بعطائهم الفني الجميل والخالد في ذاكرتنا الفنية.
|
ثقافة
شكيب عوض ذاكرة اليمن الفنية
أخبار متعلقة