الحديث عن التراحم والتعايش بين الأديان والقوميات والمذاهب يغدو مستحيلاً ، وضرباً من العبث، ومضيعة للوقت «!!» عندما نقف بشفافية على مواطن الغلو والتشدد في عقائد وأفكار المذاهب الإسلامية! .. ولن أعرّج على المذاهب الأخرى من شيعة وخوارج وصوفية وغيرها ،بقدر ما سأقف على مذهب الغلاة من «أهل السنة والجماعة» المعروفين بالسلفيين أو الأصوليين .. وذلك كنموذج للغلو تتوزع أشباهه على بقية الفرق والمذاهب ليدرك القارئ حجم البؤس الذي توطن ثقافة القوم وعقيدتهم كونهم يسيطرون على مساحة واسعة في العالم الإسلامي .. هؤلاء الغلاة يكفي للتدليل على غلوهم دعواهم أنهم الفرقة الناجية من النار «!» رجماً بالغيب!! .وقبل أيام كُنت استمع إلى محاضرة لأحد كبار العلماء في السعودية من قناة « الساحة » توعَّد فيها بالنار كل من زعم أن النصارى إخوانٌ لنا في الوطن الواحد والجنس الواحد «!» ثم قال : كيف يكونون إخواننا وهم وقود النار ؟! إذن فهذا هو خطاب الوسطية والاعتدال بامتياز ! وهذه هي التعبئة التي تكافح نشوء التطرف وتفريخ الإرهاب! إذن يجب علينا عند هؤلاء أن نعلم أطفالنا أن النصارى والعلمانيين والحداثيين هم وقود جهنم«!!» وعليهم بعد ذلك أن يستخرجوا أساليب التعامل معهم «!!» وهذا هو الاعتدال «!» وهذا هو خطاب السلام «!» وهذه هي الثقافة التي تنتج المحبة والتسامح وتمنح أصحابها بطاقة دخول الجنة مع هذا الداعية وأمثاله بامتياز «!». لقد بدأ تطرف أهل السنة بعهد الحنابلة الذين صاغوا عقيدة التجسيم من عندهم وزعموا أن من خالفها كافر حلال الدم «!!» وقالوا: (( إن الله خلق آدم على صورة الرحمن ( ! ) )) وعندما تستغرب كيف يشبه الله الإنسان ردوا عليك بعبارتهم المملة والممجوجة : (( كما يليق بجلاله !!! )) ، وهو استدراك بليد نابع من مصيبة هجر العقل عند هؤلاء !! .. ونسبوا كل النقائص والاشباه إلى الله ووضعوها فوق مشجب ((كما يليق بجلاله))!! وكان الحسن البربهاري وابن بطه والخلال وغيرهم من قادة الحنابلة الذين تبنوا هذا الاعتقاد وسفهوا مخالفيهم وأهدروا دينهم ودماءهم .. ثم بلورها ابن تيمية الحراني وتلميذه ابن القيم في القرن السابع الهجري .. ثم حمل الناس عليها بالقوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب النجدي في القرن الحادي عشر الهجري .. وتم تصديرها إلى العالم الإسلامي في قوالب الأصوليين والسلفيين والإخوان المسلمين والجمعيات الخيراوية «كل في مجال اختصاصه» ؟!! .والناظر في كتب عقائد الحنابلة يجد السيل العرمرم من قاموس الغلو والتطرف والحقد على الآخرين على سبيل المثال لا الحصر (!) سوف تقرأ عن ( التكفير - القسوة المبالغة في معاملة مخالفيهم وكنت قد أشرت إلى نماذج من ثقافة الكراهية في موضوع سابق - التجسيم الصريح - تجويز قتل الخصوم واغتيالهم - إطلاق دعاوى الإجماع على معتقداتهم الباطلة - إطلاق دعاوى اتفاق السلف الصالح والصحابة !) . ولسوف تتساءل باستغراب : لماذا كل هذا التوتر والتعادي والتناحر في المجتمع المسلم والاختلاف حول (( صورة الرحمن)) و ((رجله الواحدة وأصابعه)) و (( أطيط العرش من حمله تعالى )) تعالى الله عما يقوله السلفيون والجاهلون علواً كبيراً !!وحتى لا أكون متجنياً على أحد ، فهذا كتاب “السنة” وهو أحد مراجع الحنابلة حوى مسائل للإمام أحمد ـ رحمه الله ـ ومواقف لأتباعه في الرأي والاعتقاد ـ وهو لعبدالله بن أحمد بن حنبل “ج1/ ص184 ـ 210” يحوي جملة من اتهامات وشتائم ضد أبي حنيفة وأصحابه ، وكتاب السنة هذا بحق هو قاموس ضخم يحوي مفردات تثير الخجل في حق الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان - رحمه الله - ومن هذه المفردات مثالاً لا حصراً ( ! ) تصف أبا حنيفة بأنه : ( كافر (!) - زنديق - ما ولد في الإسلام أشأم منه - نقض عرى الإسلام عروة عروة - يكيد للدين ( ! ) - وأن الخمارين خير منه ومن أتباعه ( ! ) - وأن أبا حنيفة سيكبه الله في نار جهنم (!) - وأنه أولى أن يسمى (( أبا جيفة )) - وإنه ترك الدين - وانه استتيب من الكفر مرتين - واستتيب من الزندقة مراراً ( !!! ) - وأنه يبيح شرب المسكر وأكل لحم الخنزير - وأن أكثر العلماء على جواز لعن أبي حنيفة - وان حماد بن سلمة كان يقول : إني لأرجو الله أن يدخل أبا حنيفة نار جهنم )) ! إلى غير ذلك من قاموس خاص بهؤلاء القوم في تشريح مخالفيهم فإذا كان هذا قول أسلافهم في واحد من أعمدة الأمة وأحد الأئمة الأربعة وعلى مذهبه كثير من الشعوب والبلدان .. فكيف الحال مع من هو دون أبي حنيفة بمراحل وأثقال “!” وفي كتاب هو من أعظم مراجعهم ولإمام من أكابر أئمتهم .أما الحسن البربهاري الذي ينعته السلفيون بإمام أهل السنة في عصره وقد توفي سنة 329 هـ فقد قال في كتابه: شرح السنة طبعة دار الغرباء الأثرية!! قال في ص “109”: “ فإن من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب - يقصد كتاب شرح السنة - فإنه ليس بدين الله يدين وقد ردّه كله “ “!!” .. ثم قال مشبهاً كتابه هذا المحشي بالبدع والأحاديث الباطلة بكتاب الله عز وجل بكل جرأة “!” قال: “كما لو أن عبداً آمن بجميع ما قاله الله، إلا أنه شك في حرف، فقد رد جميع ما قال الله وهو كافر” !! سبحان الله أي جرأة هذه ؟! وأي سنة هذه يا ترى يدعو إليها هذا البربهاري ؟؟!! إمام أهل السنة في زمانه !!هذا غيض من فيض ـ عزيزي القارئ الكريم ـ من تراث القوم أوردته فقط للتسلية على المحزونين الذين تتقاذفهم سهامهم ورماحهم مصوبة إليهم من كل مكان في المنبر والكاسيت والإعلام بأنواعه ومع ذلك يشكون ويبكون ويزعقون ويضجون أن الإسلام يحاربه هؤلاء المستنيرون الكفرة ( !! ) .. وان الويل لهم من النار .. وان الجنة لن يدخلها أحد غيرهم !إن هذه الحقائق البائسة والسوداء في تراث القوم يتم التعتيم عليها وحجبها عن طلبة العلم “!” .. ولكنها سرعان ما يكشفها اقتداؤهم بها وتقفّيهم لخطاها “!” لذا لا تستغرب إذا سمعت أحدهم يقول لطلابه: بولوا على هؤلاء الزنادقة ويعني بهم أتباع مخالفه في الرأي في المذهب السلفي الواحد أو إذا سمعت أحد الإخوان المسلمين يصيح في إحدى الصحف : انتبهوا من هؤلاء الملاحدة الداعين إلى العقل والتنوير وإنما هم دعاة على أبواب جهنم“!” أو إذا سمعت أحد رموز الجمعيات يقول في من انتقد ورد أحاديث في الصحيحين: هذا قول تهتز له السماوات السبع والارضون فالرجل قد أوتي من الكشف والاطلاع على الغيب ما يرشحه ليكون قطب أولياء الزمان! ولا حول ولا قوة إلا بالله !وهذا الغلو في الفكر السلفي لم يزل وثيق الارتباط بالتطرف والتكفير واحتقار من ليس على شاكلته مما أنتج العنف والإرهاب والتخريب ! حتى إن بعضهم أفتى بأنه يحل للخادمة في المنزل أن تخرب التلفاز بأي طريقة تقدر عليها ولا تفصح عن نفسها ( ! ) وهذه هي ثقافة الأمانة عند القوم!! .. وكلهم أفتى بان المنكر إذا لم يتم تغييره إلا بالأفراد غيروه بالقوة دون الانتظار للحاكم ! وأفتى ابن تيمية وغيره بإقامة الأفراد للحدود إذا لم يقمها الحاكم ( !! ) إنهم مهووسون بهاجس إقامة الخلافة الإسلامية بزعمهم ونصب الدولة الدينية التي كانت طالبان نموذجاً صادقاً لها بامتياز !!! . وهم ينعقون وراء كل تقدم يرفع الأمة من حضيضها الذي كانوا سبباً من أسبابه ! واليوم يحشدون النساء في اليمن ليرفضن تحديد سن الزواج أمام البرلمان ( !! ) وذكرني هذا المشهد بمن يريد له غيره الحياة وهو يريد لغيره الموت!!. وبعيداً عن الاستدلالات غير المستقيمة التي ذهب إليها المعارضون وحشدوا لها نسوة الإصلاح ، وحتى لا يكون الاخوانيون والسلفيون والجمعاويون ممن يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض فإن عليهم أن يحشدوا ملايين اليمنيين للمطالبة بإعادة نظام الرقيق الذي ألغته الجمهورية والثورة في 24 / 11 / 1962م وألغته السعودية عام 64م وعارضت إلغاءه فتاوى العلماء كربيع المدخلي وعبدالرحمن السعدي والألباني وآخرين وعلى الدولة أن تلغي القانون والبنود الدستورية التي تلغي الرقيق وأن يعود العبيد إلى ملاكهم أسوة بعودة الممتلكات فإنهم وأولادهم لم يزالوا عبيداً شرعاً حسب فتاوى هذه الفئة التي أدمنت على الإقامة في كهوف الماضي السحيق ( !) . إن هؤلاء لم يزالوا يعيشون في كهوف القرون الأولى ، فالعصر لم يعد يستوعب بعض المباحات الاجتماعية التي تركها الشرع لتغيرات الزمان وتبدلات الأحوال ومنها مثالاً لا حصراً تحديد سن زواج الجنسين ، والرقيق ، والعلاقات بين الدول، وإلا لماذا غير عمر - رضي الله عنه - بقاء نصيب المؤلفة قلوبهم ولم يخرج المؤلفة قلوبهم في مسيرات أمام المسجد النبوي يطالبون عمر بالحق الذي فرضه القرآن لهم ؟!! ولماذا ألغى عمر رضي الله عنه حد السرقة عام الرمادة وعممه ولم يخرج التجار المسلمون في مسيرات يطالبون بحد الله الذي فرضه القرآن ؟!! وغير ذلك كثير .. أليس لأن عمر رضي الله عنه وسعه تغير الوقت وتبدل أحوال الزمان ولم يسع الجامدين إلى يومنا هذا !! ، عالم يستوعبه دعاة الدولة الدينية والمتمصلحون من الدين وأصحاب المناظر الخداعة ولكن السلفيين لا يعقلون !! . فهذا الغلو حذّر الله منه أهل الكتاب بقوله: ((يا أهل الكتاب لاتغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ..)) وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول: (( إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه» .. وقوله في الحديث الآخر : (( هلك المتنطعون، هلك المتشدقون ، هلك المتفيقهون)) !!
|
آراء
مرجعية التطرف في الفكر السلفي !!
أخبار متعلقة