أقواس
يُقال إنّ الشعر ديوان العرب وهذا يدل على أنّ كون الشعر ديوانهم لا يعني أبداً عدم وجود فنون أخرى.ربما كان هناك إلحاحاً من القرآن الكريم على الشعر، ومجرد وصف النبي (صلى الله عليه وسلّم) بأنّه شاعر ونفي القرآن لهذه الصفة يؤكد أهمية الشعر، لأنّ العرب كانوا ينزلون الشاعر منزلة النبي خصوصًا وأنّ القصيدة كانت ترفع وتخفض والمرويات كثيرة جداً، ودور الشعر منذ وجود (حسان بن ثابت) شاعر البيت حتى عصر الخلافة العربية، له أهميته ولكن هناك ملاحظات تؤكد أنّ الشعر العربي في ذاته كان يدل على عَلاقة وثيقة بينه كفن قولي وبين الفنون الأخرى كالموسيقى والغناء. ولا ننسى أنّ كتاب العروض الشعري مبنياً على موسيقى إيقاعية، لهذا السبب هناك عَلاقة وثيقة بين الشعر والرسم، فالشاعر يوصف الأشياء بينما الفنان يجسد هذا الوصف بالتصوير، والكل يعلم تماماً أنّ هناك فنوناً متعددة غير الشعر كانت موجودة في الحضارة العربية، لكن للأسف لم نهتم بها لأننا حصرنا الفنون بما بعد الإسلام.حتى الأوثان في الجاهلية وإحاطة التماثيل حول الكعبة تعني أنّ الفن ارتبط بالعقيدة الدينية منذ القدم، وهذا يدل أيضاً على وجود النحت والرسم قبل الإسلام، صحيح أنّ الإسلام حرمهم لأسباب وقتية كدعوة جديدة وكان هناك خوفاً من تشويه التوحيد وما أن تطوّرت مرحلة الحضارة الإسلامية في الوصول إلى عصر الدولة الأموية حتى رأينا كيـف أهـــــتم آل مروان بالآثار الجميلة في صنع الزخارف في المساجد والجوامع والقصور وهذا يعني استيعاب الفنان العربي والمسلم للرسم الفارسي الهندي وإعادته على نحوٍ جديدٍ.ورأينا كيف تحدث (البحتري) على ايوان كسرى.وكيف رسم القزويني كتاب عجائب المخلوقات وكيف ألّف ابن شهيد التوابع والزوابعوعندنا أضخم موسوعة في القرون الوسطى كتاب الموسيقى (للفارابي) الذي راح يعقد المقارنات العجيبة بين الشعر والموسيقى والرسم.لقد كذبت أوروبا فيما زعمت وكذب من زعموا بأنّ العرب لا فنون لديهم ولا يدركون حقائق الفنون الأخرى ولا يعطونها حق قدرها ولكي يتأكدوا مما قلنا عليهم الرجوع إلى تراثنا القيم والأصيل الذي تتسع دائرة علومه وإبداعاته وفنونه إلى حد بلغت معه أرقام المعلومات إلى آلاف مهولة من المجلدات.أما عَلاقتنا كعرب ومسلمين بفنوننا وغيرها من القضايا المهمة، نحن حريصون دائماً على الاهتمام بتفاصيلها الكبيرة والصغيرة والمعاهد والجامعات ودور العرض السينمائية والمسارح والمتاحف والمراسم العالمية والصحف والمجلات هي نبض الاهتمام بالفنون، الأمر الذي نقيس به نجاحنا منذ قرون بعيدة، وما حقيقة موقف الدانمرك من حملة الرسوم المسيئة لنبينا الكريم صلوات الله عليه وأزكى التسليم عرفنا وجهة نظرها واعتقد أنّ القارئ يوافقني في أن تصرف الرسام ليس به قدر وافر من الحكمة. كما أعتقد أنّ ما وصل إليه حاله هو وجماعته نتيجة تراكم ظروف ورواسب لم يواجهها بصورةٍ موضوعية أو طبيعية عكست مسألة تردده في إثبات ذاته.ربما لم يفكر عملياً بكيفية خروجه من قوقعته أو كيف يرتفع فوق الظروف حتى يحقق كل أمانيه وهو هنا قد يكون اطلع على حقيقة الدين الإسلامي وانبهر بها وبدلاً من الاعتراف بذلك تجاهلها وفي مثل هذه الحالات التي يكون فيها اختلاف المستوى الحضاري عائقاً غالباً ما يكون موقف الرفض الإساءة والتردد والاستخفاف من الأخر. وهذا ما أثبتته المشكلة، لأنّ الأمر كله كان يغرض التسلية.نهلة عبةالله