رحلتي مع المسرح .. من أثينا إلى عدن 2-203
عمر عوض بامطرففي نهاية الحلقة رقم (202) المنشورة في صحيفة (14 أكتوبر ) الغراء ليوم السبت 25 فبرلير 2006م. ذكرت جانباً من حوار دار بيني وبين الشاعر علي لقمان -يرحمه الله - في احدى زياراتي له (21أبريل 1965م.) عن المسرح ، والمسرح الشعري بصفة خاصة ، وعن رغبتي في اخراج احدى تمثيلياته ، وقال لي انه يود أن يرى مسرحيته ( قيس ولبلى ) تمثل على المسرح أو(العدل المفقود) لأنها مستوحاة من واقعة . واشترط أن يتوفرنسوة لأداء الأدوار النسوية ، لأنه كما قال : ( لا يستطيع أن يرى " عنترة " بملابس امرأة على المسرح " ، فوعدته أن أعرض فكرة تقديم الفرقة لمسرحية ( العدل المفقود ) على أعضاء ادارة الهيئة العربية للتمثيل .. وقررت الهيئة أن نشترك أنا والأخ علي صالح المسيبلي - أمد الله في عمره - في دراسة المسرحية ووضع التصور الأولي لإخراجها ، وتقديم رأينا لهم ، وكانت الحصيلة أننا وقفنا حائرين أمام أمرين يصعب حلهما ..الأمر الأول أن مسرحية ( العدل المفقود ) تمثيلية اجتماعية / فلسفية / شعرية كلاسيكية، تقع في ستة فصول ،ومشاهدها متعددة ،وتحتاج الى عدد كبير من الممثلين ،وتحتاج الى سبع من الممثلات ، وتقع التمثيلية في (54) صفحة من قطع المتوسط المطبوعة بالحرف الصغير يتتابع حوارها الشعري ،وتتنوع معاني الأبيات ومقاصدها ، وما فيها من جدال وتعارض آراء ، وما تعبر به من لوعة واشتياق ، وعتب ولوم ، وحسرة وندم .. مما سيستدعي أن يكون للممثلين والممثلات خبرة واسعة في فنون الإلقاء ، والحركة على المسرح ، وجودة التعبير بالصوت والصورة ، وحركة الجسد .. وأبطال التمثيلية يتألفون من أبولو ( اله الشعرعند اليونان ) ، وكيوبيد ( آلهة الحب ) وحوريات ،وشعراء ، ونساء ذوي فطنة ورأي.. والثاني عدم توفر عدد المطلوبات لأداء أدوارالنساء ولو كلفنا البعض منهن بأداء دورين في فصلين مختلفين فاحتمال ضعف الحفظ وكذا اختلاط حوار دور بدور آخر محتمل .فاتفقنا على أن نمضي في قراءتها مع دراسة ما يمكن اختصاره ، أو حذفه . فمضينا نقرأ وندرس التمثيلية ونحن نقرؤها قراءة تمثيلية ، وكنا كثيراً ما يستهوينا الإستمرار في القراءة التمثيلية عن وضع الملاحظات .. وبعد أن أكملنا وضع الخطوط المطلوبة لإخراج تلك التمثيلية على أمل توفر الممثلين وتدريبهم التدريب اللازم حرصاًَ منا على تقديم المسرح الشعري اليمني من جهة ، وتلبية تحقيق أمل شاعر جهبذ مجيد له في الشعر والأدب والسياسة والصحافة جهد مشهود ، وله في قلبي وقلب أخي المسيبلي وقلوب كافة العدنيين مقام كبير.. ثم استعرضنا من يمكننا الإطمئنان على فصاحتهم اللغوية ، وحسن القائهم للشعر شطراً كان أو خمسة عشر بيتاً في حال واحد كما عددناها لكل من أبوللو ، كيوبيد ، الشاعر، حواء ، وعشرين بيتأ للفتاة التي غرر بها الشاعر العاشق ، وهي تنتقل من الإسترحام الى المناجاة ، الى الإعتذار عما اقترفت يداها وسولت لها نفسها قتل مولودها هرباً من العار ، فقررنا الإعتذار عن تقديمها ..وأنا هنا أقدم للقارئ قطعة من افتتاحية التمثيلية - كما سبق أن فعلت في استعراضي لمسرحيات سابقة - لعل احدى فرقنا المسرحية وقد توفر لنا اليوم المخرجون الأكاديميون ، والممثلون والممثلات الدارسون أن تهتم بتقديمها وكذا مثيلاتها مما كتب أدباؤنا من الشعراء المسرحيين وغفلنا نحن عنه الى اليوم .. المشهد الأول من الفصل الأول : ( أبولو في محراب منَوّر .. حوله شعراء وحوريات) : أبولو:هل سمعتم عن أخ مستهتر * تَـخَذَ الشعر الى الفِسق سبب؟ * ناشئ رقّ فأغراه الهوى* فجنى ما دنّس الشعر وما * أحرق الروح بنيران الغضب * جسد مزقه في شهوة * شهوة الجسم شقاء وتعب * (شاعر شيخ يعلق) : رب لهو تبسْم الدنيا له *( حورية مشيرة الى الشيخ بسخرية خفيفة) : لم يعد غير شجون وكرب *أبولو مسترسلاً : جاء يستغفرني مما جنى * وأنا محتدم مما ارتكب * فبكى من ندمٍ ..حورية غاضبة : يا ليته * عرف المركب قبل المنقلب * سَوّد الشعر ضمير آثم * يا أبولو فاقض فيه ما يجب *..بهذا الأسلوب الشعري الرائع ، وبألفاظ لطاف بينات يقدم لنا الشاعر علي لقمان - يرحمه الله - افتتاح أبولو _ في محرابه -جلسة محاكمة لشاب شاعر استغل الشعر لإغواء فتاة جميلة استهواها وأظهر لها من العواطف والأحلام الشعرية حتى أستسلمت له وأسلمته أعز ما عندها .. ولأنه تخلى عنها وخشيت الفضيحة والعار قتلت وليدها ،وبلغ الخبر أبولو ومن حوله من الحور والشعراء فكانت تلك الجلسة القضائية التي أوردت شطراً منها ،ويمضي بنا الشاعر علي لقمان يسمعنا الجدال المحتدم بين الشعراء الشيوخ والحوريات يطالبون أبولو بالحكم العدل ، فنسمع شيخاً يقول : يا قوم لا تتململوا * من قولة العدل النزيه * ( وترد عليه حورية قائلة بغضب) :العدل ؟ أي العدل تعنيه وترجو أن تقيمه ؟ ( حورية أخرى ): العدل؟ ليس العدل يا شيخ بعفوِ في جريمه. (ثالثة ) : العدل ؟ ليس العدل في الأيام الا أن نضيمَه. ( رابعة ) : العدل؟ ان التـّمر عند العدل كم يشكو غريمه . ( خامسة ) : العدل ؟ في تأديب أصحاب الأحاسيس السقيمه . (الشيخ) : أحورياتنا مهلاً فإنا * نصاب كما يصاب بنو التراب * فنحن الناس من عهد عهيد * تضللنا غوايات الشباب * اذا أرواحنا عافت عذاباً* رمانا الجسم في شر العذاب. أكتفي بهذا القدر ، وان كنت أود أن أعرض للقارئ حوار الفتاة مع نفسها من مقطع المشهد الثالث من الفصل الأول ، ولكن لضيق المساحة المتاحة لكل حلقة ..آمل أن أقدمه في الحلقة القادمة ، مع مقدمة المؤلف التي كتبها لمسرحيته ، ان شاء الله في الحلقة القادمة ..