لماذا لا يريد الناس الاعتبار من الماضي؟ ولماذا يحاولون دائما تكرار ذلك الماضي؟
الجدل الدائر حاليا حول إنشاء معاهد أو مراكز دينية خاصة بهذه الجماعة أو تلك حصرا دون غيرها نراه جدلا عادلا. فالواضح أن التجربة المريرة التي تجرعتها البلاد منذ عقود بسبب التنابز بين أنصار تلك الجماعات وبينهم وبين المجتمع ككل لم تُلهم أصحاب القرار ضرورة الكف عن تكرارها.
لاتزال عدن تتذكر بألم شديد نتائج التحاق بعض أبنائها بتلك المراكز وكيف أن الواحد منهم عاد من (هناك) يكفر والده ووالدته متهما اياهما بأبشع الاتهامات، التي يتذكرها الآباء والأمهات بحسرة وألم. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل جرى تحريم شراء وبيع أصناف من الخضار والفواكه بدوافع من التفكير غير السوي، بمسمى جديد بدأ الجيل الرابع من تصرفات التسعينيات يلقي بظلاله على الحياة في المدينة.
ما دفعني لطرق هذا الموضوع هو ذلك التناوش الذي حدث في يافع على خلفية من يريد انشاء مركز ديني لأحد (الأطراف) بينما يعارض الأهالي ذلك التوجه، هذه الحالة انتقلت فيما بعد إلى حضرموت وكان المراد هو تكرار ما حدث في دماج.
حضرموت معروفة بأنها أرض العلم والعلماء، أرض العلم الجامع النافع وتكثر فيها هجر العلم وهي مشبعة بها ولا تحتاج إلى مزيد مناقض يدخلها في دوامة من الصراعات على خلفيات مذهبية أو طائفية تدمر النسيج الاجتماعي المعتدل الذي ترسخ فيها على مدى مئات السنين.
منذ مدة طويلة كتبت مقالا دعوت فيه إلى جعل تعليم القرآن وعلومه ضمن اختصاصات وزارة التربية والتعليم حصرا وفقا لمنهجية معتدلة متوافق عليها، وقلت حينها إن توجه بعض الأحزاب والجماعات للهيمنة على هذا الجانب التربوي الهام من شانه خلق صراعات لا حصر لها ليس أقلها التوظيف السياسي لهذه المراكز ومناهجها، وتجربة المعاهد العلمية ونتائجها والصراع الذي أثير حولها وبسببها يجب أن يكون درسا للجميع.
كما أن منح البعض حق فتح مراكز من هذا النوع ومنعه عن البعض الآخر يمكن أن يخلق فتنة عميقة لا يمكن التكهن بنتائجها، كما أن المخاوف تتجاوز هذه المحاذير إلى ما هو أعمق. جزء من تلك المخاوف له علاقة بالولاء الوطني، فإذا كنا نعرف تبعية المراكز السابقة والجهات المشرفة عليها ومصادر تمويلها فهذا أدعى للحرص، وهي مقدمة على الاعتبارات السياسية الأخرى.