
في دول كثيرة يعتبر رد الفعل الفردي على هذه الظاهرة قضية أخلاقية بالدرجة الأولى. لهذا بمجرد ان تتم الإشارة بأصبع الاتهام نحو مسؤول ما حتى يكون رد فعله عنيفا تجاه نفسه.
ففي البيرو على سبيل المثال أقدم الرئيس السابق آلان غارسيا على الانتحار عام 2019، بمجرد وصول الشرطة إلى منزله لاعتقاله بهدف التحقيق بقضايا فساد.
وحتى في الدولة الصهيونية دائما ما نسمع عن تحقيقات تجريها الأجهزة المختصة مع مسؤولين رفيعين حول قضايا فساد، ومحاكمات نتنياهو أحد الأمثلة على ذلك، لكن في عام 2015، توفي قائد الوحدة القطرية للتحقيقات في جرائم الاحتيال إفرايم براخا، بعد إطلاق النار على نفسه داخل سيارته قرب منزله في مستوطنة موديعين. وكانت قد حامت حول الرجل شبهات خطيرة بالضلوع في قضايا الفساد المنسوبة للمحامي رونئيل فيشر والحاخام يوشياهو بينتو.
في 21 مارس 2012، عثرت الشرطة الكورية الجنوبية، على مسئول شركة الأراضي والإسكان الكورية معلقًا (مشنوقا) داخل حاوية في باجو، شمال العاصمة سول. وصنف الأمر على أنه حادث انتحار، بسبب فضيحة المضاربة على الأراضي من قبل موظفين عموميين. أي أن أولئك الموظفين يعملون تحت إمرته. ولم يتوقف الامر هنا بل إن وزير الأراضي والبنية التحتية والنقل في كوريا الجنوبية “بيون تشانغ-هوم” قدم استقالته فورا إلى رئيس الدولة.
لعب الرئيس الكوري الجنوبي روه مو هيون دورا محوريا في محاربة الفساد ونهضة البلاد الاقتصادية، وبعد تركه لمنصبه عام 2008، عاد إلى قريته (دونغا) حيث ادار مزرعة للبط. لكن بعد أكثر من عام حامت حوله الشبهات، إذ تورطت زوجته وابنه وأخوه في قضايا رشوة وفساد فورطوه، ليصبح ثالث رئيس كوري جنوبي يخضع للتحقيق بتهم الفساد وسوء استخدام السلطة. وبسبب شعوره بهول الفضيحة ألقى بنفسه من أعلى أحد المنحدرات الجبلية خلف منزله، بعد كتابته: «هناك الكثير من الناس الذين يعانون بسببي» في رسالة انتحار على حاسوبه الشخصي.
وفي ديسمبر 2024، تم عزل الرئيس الكوري يون سوك يول من قبل البرلمان بعد اقدامه على فرض الأحكام العرفية مستشهداً بالحاجة إلى حماية البلاد من القوى “المناهضة للدولة”. كما اعتُقل كبار المسؤولين من حكومة يون ووجهت إليهم تهمة التمرد. فقد اعتبر تصرف الرئيس واتباعه انتهاكا للدستور والقيم الديمقراطية، بالرغم أنه فعل ذلك بدافع “حماية الديمقراطية في البلاد”، كما قال في اعتذاره.
مثل هذه النماذج نجدها كذلك في الصين واليابان كإرث اجتماعي يستمد جذوره من الحضارة والفلسفة الشرقية القديمة حيث تسمو قيم النزاهة والشرف والأمانة.
هناك ما يمكن اعتباره (إكليشة) عامة للتعامل مع ظاهرة الفساد أو ما يطلق عليه تشريعات وآليات مكافحة الفساد وإلى جانب هذا المعيار يقف المعيار الاجتماعي والمعيار الشخصي للتحلل من الشبهة. فعندما يتحرك المعيار الاجتماعي يستجيب له المعيار الشخصي تلقائيا كما بينت الأمثلة السابقة، وحتى عندما يعمل المعيار القانوني يسبقه الشخصي في اصدار الحكم.
لدينا تنهار العملة والطاقة والاتصالات والصحة والتعليم ويصل الناس إلى حافة الموت جوعا ومرضا، ومعها تنهار كذلك مجموعة المعايير الحارسة. ويتصرف المخولون بإدارة شؤون حياة الناس وكأن شيئا لا يعنيهم... لا يخافون ولا يستقيلون ولا ينتحرون، فقط يسافرون.