
الاستمرار بالاعتماد على تشغيل محطات التوليد بالوقود الأحفوري اثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه أمر استصعب على ثلاث حكومات متتالية، بالرغم من توفر الخام على أرض الوطن وإمكانية فصله إلى مشتقات وتصفيته بإمكانات محلية صرفة غير مكلفة، ومع ذلك أضحى توفيره إلى السوق المحلية مشكلة شديدة التعقيد وليس لها تفسير.
ودون ادني شك أن العقدة الأخرى والأهم هي تقادم محطات التوليد الحكومية، وعدم قدرتها على مواكبة الاحتياج، واستمرار الضغط عليها أدى بالنتيجة إلى تهالكها وتراجع انتاج الطاقة فيها، وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك مولدات كانت تنتج (منول) 10 ميجا وات أضحت اليوم وبعد الصيانة العمرية أعلى انتاج لا يتجاوز 8ميجا وات، وهناك محطة مستقلة كان من المنتظر أن تنتج من 100/80 ميجا وات اليوم لا تقوى على تجاوز 40 ميجا وات بالرغم من إجراء صيانة شاملة لها ولكن ظهرت عيوب أخرى الزمتها فنيا بالبقاء على هذا المستوى.
إذا استثنينا محطة عدن الجديدة (محطة الرئيس) الأحدث بين محطات التوليد العاملة في العاصمة عدن سنجد أن البقية قد تهالكت أو تكاد، وإن كانت هناك من محطات تحافظ على بقائها فمنظومة التشغيل تنهكها وتستهلك تلك القوة الباقية، ويضطر العديد من مشرفي المحطات إلى تأجيل إخراج المولدات للصيانة الدورية والعمرية لحاجة الشبكة العامة للطاقة الكهربائية.
صار الانفاق على تلك المحطات منهك ماليا وفنيا، في توليد للكهرباء متواضع ومتواضع جدا، وتجاوز الإنفاق عمليا جدوى العائد بمراحل وأضحى استمرارها بهذا الأداء وهذه الحالة ليس حلا بل مشكلة مضافة.
البدائل الإستراتيجية عديدة ومتوفرة وإمكانية البدء فيها ممكن ومتوفر، قد يكون التأسيس مكلفا ومرهقا ولكن العائد مُجز ويستحق العناء، وفي التفكير لإحداث ثورة لتغيير واقع هذه الخدمة الإستراتيجية يجب أن تتوفر العقلية التي تستوعب حتمية التغيير وأهميته للاستقرار العام، وعليها أيضا أن تمتلك (إرادة مجتمعية) تدفع بالمشروع الوطني نحو التجديد لخلق استقرار مستدام وقابل للتطوير والتوسعة.
حتى لا نكون مجحفين في تقييمنا، على أصحاب القرار إعادة النظر فنيا لتقييم جودة محطات توليد الطاقة الكهربائية الحكومية (عشر محطات متوفرة) والوقوف فنيا على قدراتها، لاتخاذ قرار مبني على تخطيط علمي يدفع بتحسين منظومة الكهرباء، والعمل على أن تخلع رداءها البالي وتلبس رداء جديدا متطورا قادرا على توفير الاحتياجات الملحة لهذه الخدمة الإستراتيجية بتكاليف أقل وطاقة صديقة للبيئة أو أقل أثرا عليها من الوقود الأحفوري.
منابع الغاز والشمس والرياح هي الحل الأمثل وقد تكون على بعد مئات الكيلو مترات عن العاصمة عدن، وتلك المسافات لا تعتبر عائقا في إنشاء محطات عملاقة في ظل توفر التقنيات الحديثة القادرة على تجاوز عائق المسافة، ويجب أن تنشأ محطات يتجاوز إنتاجها 2000 ميجاوات لتغطي احتياجات كل الوطن بوقود رخيص كالغاز أو متجدد كالشمس والرياح.
اليوم الذي نعيشه يضحي غدا (تاريخاً) وهكذا تتوالى الايام وتمضي، فلنسجل للتاريخ أننا تمكنا من إحداث ثورة للتغيير في هذه الخدمة الإستراتيجية والتي ستؤدي بالنتيجة إلى تحسين منظومة الحياة العامة ولاسيما النشاطات الاقتصادية، التي باتت مكلفة ومرهقة ولا تطاق حاليا.