كلما اقبلنا على ذلك كلما اقبلت علينا الأيام بما يكذب ويخذل صحة ومصداقية ظنوننا واعتقاداتنا، وبما يفضح ويعري سقم تطلعاتنا، قالبة الطاولة على رؤوسنا تاركة ايانا بلا حول ولا قوة ولا مخارج قريبة مرجوة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بذاكرة وهوية هذه المدينة العتيقة (عدن)، التي يحمل سفر أيامها العديد من النماذج الصارخة والمحيطة الدالة على ما أرتكبته وترتكبه مثل هذه التعيينات العشوائية فيها من فضائع وجرائم استهدفت ذاكرة وهوية المكان والزمان والانسان منها على سبيل المثال لا الحصر:
1) مكتب بلدية عدن (كريتر) والذي كان يقع ضمن مبنى المهندس البلدي ومحافظ محافظة عدن والذي كان يضم مئات بل آلاف من الوثائق والخرائط والمخططات والبحوث والدراسات والاحصائيات التي تذكر وتسجل وتصف كل شارد وواردة حصلت على الأرض وقام بها الانسان منذ ما قبل واثناء وبعد فترة الاستعمار البريطاني والتي كان مصير جلها التلف والحرق والضياع والعبث نتيجة الاهمال والصمت والتعامل اللا مسؤول تجاهها.
2) ما تعرض له أرشيف ومكتبة الاذاعة والتلفزيون (عدن) الخصب والغني بتفاصيل ايقاع حركة الحياة والعمل الفني والثقافي والسياسي والمجتمعي خلال مراحل ما قبل عام 1994م الذي جرى فيه مباشرة اتلاف وسرقة ومصادرة واخفاء مقتيناته والتي مازال مصيرها إلى اليوم في حكم المجهول، رغم مناشدتنا ومطالبتنا باستعادة هاتين المكتبتين ومحاسبة كل من كان وتعاقب على نهبها ومصادرتها والمتاجرة بها.
3) نهب وضياع واخفاء مقتينات معرض الآثار الكائن في قصر السلطان بكريتر، ومثله أرشيف ومكتبة ادارة ميناء عدن.. الخ من الأمثلة المشابهة التي سعينا إلى ايراد بعضها لا بهدف التذكير وحسب، وانما بقصد التنبيه إلى انه مازال الباب مفتوحاً على مصراعيه لارتكاب الكثير من المجازر بحق ذاكرة وهوية المدينة عدن، والذي يأتي مكتب التوثيق والتسجيل أحد أهم الصروح المتبقية المكونة لهذه الذاكرة والهوية كادارة تضم في جنباتها مخزوناً تاريخياً ومعلوماتياً معرفياً واسعاً وثرياً فضلاً عن كونه يمثل مرجعاً وثائقياً لا غنى عنه لاي مطلع ودارس وباحث لمختلف مراحل تطور وتوسيع وتنوع المجتمع العدني منذ 1872م، وما قبلها وإلى اليوم.
ولأهمية ما تحتويه هذه الادارة فقد كان من البديهي ان يغدو موضوع التعيين الجديد الذي اخضع له مكان خوف وفزع كثير من المثقفين والوسط القضائي لكونه تعييناً لا يولي اهتماماً لمسألة الدرجة والمؤهل الأمر الذي يعني إذا ما صحت هذه المخاوف، فإن مصير المخزون التاريخي الثقافي الذي ظل يحتفى ويحتفظ به طيلة هذه السنوات سيصبح في خبر كان. وهذا ما لا يجب ان يسمح به، وإلا فان لعنة مواصلة التفريط بكل ما يمت بصلة لهوية وتاريخ وذاكرة هذه المدينة التاريخية ستلاحقنا جميعاً ما حيينا.