فالشعب المصري خرج في ثورة 25 يناير وبعد عامين في ثورة 30 يونيو من أجل الحرية والديمقراطية والاستقلال والعدالة الاجتماعية, وما دام الحاكم - الشخص والحزب والجماعة-لم يعمل على تحقيق مطالب الشعب وسعى باتجاه الهيمنة على السلطة وإحكام قبضة جماعة الإخوان المسلمين عليها أو ما أعتاد مرسي على مخاطبته لهم بأهله وعشيرته فهو بكل تأكيد ليس رئيساً لمصر وشعبها المعروف طوال تاريخه بإيمانه وتدينه المبني على الاعتدال والتسامح, وهذا ينطبق بدون شك على مسلميه ومسيحييه وحتى معتنقي الديانة اليهودية,لم يكن هناك مشكلة للمصريين في التعايش معهم واستيعابهم في نسيجهم الاجتماعي والحضاري ويكفي الإشارة إلى أنه بعد سقوط الدولة الإسلامية في الأندلس فقد فر اليهود إلى مصر من الاضطهاد الذي عانوا ويلاته في ظل دولة إسبانيا المسيحية القومية المتطرفة, وصاروا ينعمون بالامان في مجتمع لم يكن يرى في الدين والمذهب والعرق واللون عائقاً أمام تعايشه, وهكذا كان الحال مع بقية الأجناس والقوميات من الشرق والغرب والذين جميعهم انصهروا في حضارة وثقافة مصر والمصريين.
هذا هو بالضبط مالم تستوعبه جماعة الإخوان المسلمين واضرابها من السلفيين والتكفيريين حاملي أيديولوجية الإسلام الجديد المتطرف الذي اثبت تناقضه مع الإسلام الحقيقي الوسطي الصحيح..لم يدرك الإخوان المسلمون أن هذه الروح والعقل الجمعي للمصريين هو الذي أوصل لمصر رئيساً منهم عبر صناديق الاقتراع ولو فهموا ذلك لكان محمد مرسي رئيساً لكل المصريين وليس حاكماً فرضته جماعة الإخوان المسلمين بمؤامراتها وصفقاتها مع الداخل والخارج.
وهكذا برهن شعب مصر للعالم بأنه لا يرضى بالطغيان والفساد والتكفير والإقصاء وأن يقبل أن يكون تابعاً لجماعة ليس لديها مشروع سياسي يبني دولة بحجم ومكانة مصر جغرافياً وإقليمياً ودولياً, فهل الجماهير الغاضبة التي نزلت للشارع بالملايين هم على غلط وكلهم فلول ونظام سابق، والجماعة على صح.. لا ينبغي أن نغمض عيوننا ونسد آذاننا وندعي بأننا مع الديمقراطية ومع الصندوق وننكر حقيقة أن الإخوان لم يستطيعوا أن يكونوا في مستوى ثقة الشعب المصري وأوصلوا هذا البلد العربي الكبير إلى وضع اجتماعي وسياسي واقتصادي وأمني مأزوم كنتاج لإصرار هذه الجماعة على أخونة الدولة في إطار مشروع خارجي يتعارض مع مصالح الشعب المصري جملة وتفصيلاً.
فلم يكن أمام جماهير الشعب المصري إلا الخروج لحماية ثورته وأهدافها ومكتسباتها وقد أضحت نموذجا جديدا تقدمه مصر إلى العالم لتؤكد أنها صاحبة الشرعية الوحيدة ، وأن الدساتير والقوانين وصناديق الانتخابات وسائل وأدوات لحماية حقوقها وليست قيودا تدمر أو تضيع في إطارها أحلامها,فالشعب هو صاحب القرار ومنه تستمد القيادات شرعيتها.
في هذا السياق يأتي موقف الجيش العربي المصري المنسجم مع تاريخه وتقاليده المؤسسية التي كانت تجعله دائماً منحازاً إلى شعبه لا سيما في لحظات الخطر الذي كانت تجلياته في ذلك الإصرار ألإخواني على الاحتفاظ بالسلطة ولو كان الثمن دماء المصريين وهو ما دفع القوات المسلحة المصرية إلى الوقوف إلى جانب الشعب وأهداف ثورته في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية, والإجابة على سؤال إن كان ذلك انقلابا للجيش على الديمقراطية حسب إدعاءات الجماعة الإسلامية متروكة للأيام القادمة..ويبقى القول أن ما مرت وتمر به مصر وأخواتها في المنطقة من أحداث هي بداية لمرحلة جديدة سيذكرها التاريخ.