.jpg)
الخرطوم / 14 أكتوبر / متابعات:
سيطرت حرب المسيرات على المشهد العملياتي المتصاعد بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في إقليم كردفان بصورة لافتة منذ أسابيع عدة، خصوصاً من جانب الجيش الذي يسعى إلى تشتيت وتفكيك تجمعات "الدعم السريع" وتقليص قدراتها والحد من تقدمها وانتشارها في ولايات كردفان الثلاث، شمال وجنوب وغرب، في ضوء تهديدات الأخيرة بمهاجمة المدن الاستراتيجية الواقعة تحت سيطرة الجيش في هذا الإقليم، وذلك من خلال تكثيف الضربات الجوية المحكمة التي تعتمد على الرصد الجوي الدقيق والتدخل السريع.
وبحسب مصادر عسكرية، فإن مسيرات الجيش شنت أمس الثلاثاء هجوماً كبيراً ومكثفاً على تمركزات ومتحركات "الدعم السريع" في مناطق واسعة في شمال كردفان، من أبرزها محيط منطقة جبرة الشيخ، وعلى امتداد طريق الصادرات الرابط بين أم درمان وبارا بولاية شمال كردفان، فضلاً عن استهداف منطقة أم صميمة، مما أسفر عن تعطيل منصات إطلاق ومواقع قتالية مهمة في إدارة العمليات، إضافة إلى تفكيك البنية القتالية في محيط المنطقة.
وأشارت المصادر إلى أن القصف الجوي لمسيرات الجيش استهدف مواقع "الدعم السريع" في بلدتي جنقارو ولقاوة بولاية جنوب كردفان، وأدى إلى تدمير عدد من المركبات القتالية ومقتل عناصر عديدة للأخيرة، موضحة أن هذا القصف يأتي في وقت ينوي فيه كل من "الدعم السريع" والحركة الشعبية ـ شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، المتحالفتين ضد الجيش، الهجوم على مدينة الدلنج بعد تحشيدهما عناصر مقاتلة في هاتين البلدتين (جنقارو ولقاوة).
في حين هاجمت مسيرة استراتيجية تابعة لـ"الدعم السريع" المدخل الشرقي لمدينة الرهد بولاية شمال كردفان، إضافة إلى استهداف موقع على الطريق الرابط بين الرهد ومدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، كما استهدفت مسيرة أخرى تابعة للأخيرة منطقة خور طقت الواقعة شرق مدينة الأبيض.
ويرى مراقبون عسكريون أن ما يجري في مسرح العمليات في كردفان، بالتركيز على سلاح المسيرات، يعد تطوراً لافتاً ومؤشراً واضحاً على انتقال العمليات إلى نمط تكتيكي أكثر تقدماً، إضافة إلى أنه يعكس تحولاً نوعياً في إدارة العمليات، يقوم على تقليل الاحتكاك المباشر، ورفع كفاءة الاستهداف، وإرباك خطوط التحرك، بما ينعكس مباشرة على توازنات الميدان خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً أن العمليات في هذا الإقليم امتدت على نطاق جغرافي واسع يقدر بنحو 200 كيلومتر.
وبين المراقبون أن غالبية الضربات الجوية التي نفذها الجيش كانت مؤثرة للغاية، وجاءت ضمن منظومة عمليات متكاملة تهدف إلى فرض سيطرة نارية على المحاور الحيوية والاستراتيجية في الإقليم، فضلاً عن بثها رسائل ميدانية تتعلق باتساع نطاق المراقبة وقدرة الوصول إلى عمق مناطق التحرك.
وتوقع هؤلاء المراقبون أن تحدث هذه التطورات تحولاً كبيراً في سير المعارك وميزان القوة، مما يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد العملياتي في كردفان، وذلك بالتركيز على الطرق والمحاور التي تعد شرايين رئيسة للحركة.
في الأثناء، أشارت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن ما لا يقل عن 104 أشخاص، بينهم 43 طفلاً، قتلوا في هجمات بطائرات مسيرة في إقليم كردفان منذ الرابع من ديسمبر الجاري.
وأبدى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك قلقه الشديد إزاء تصاعد الأعمال القتالية بين أطراف الصراع في هذا الإقليم المشتعل، خصوصاً من ناحية الغارات الجوية التي استهدفت مستشفيات وروضة أطفال وقاعدة تابعة للأمم المتحدة في وقت سابق.
في حين أوضحت منظمة الهجرة الدولية أن فرقها الميدانية قدرت نزوح مئات الأشخاص من مدينة كادوقلي جراء تردي الأوضاع الأمنية، إذ توزعوا على مواقع متفرقة في محليتي الرهد وشيكان بولاية شمال كردفان.
ويأتي هذا التصعيد العسكري في ظل أوضاع إنسانية بالغة التعقيد، نتيجة استمرار الاشتباكات التي أدت إلى نزوح عدد من المواطنين وتضرر البنية التحتية، وسط نقص حاد في الخدمات الأساسية.
في محور دارفور، أكدت مسؤولة الإعلام في وزارة الصحة بولاية شمال دارفور لنا عوض سبيل مقتل 15 ألف مدني في الأقل وتشريد آلاف، بعد سيطرة قوات "الدعم السريع" على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في أواخر أكتوبر الماضي.
وأشارت سبيل إلى أن عمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب والجوع والمرض داخل معتقلات "الدعم السريع" لا تزال مستمرة، متهمة في الوقت نفسه هذه القوات بارتكاب انتهاكات منظمة شملت استهداف المنشآت الصحية والفرق الطبية، وتدمير نظام الرعاية الصحية في الولاية، وحرمان المواطنين من العلاج، ومنع وصول
المساعدات الإنسانية، فضلاً عن القتل المتعمد للمرضى والمصابين الذين لا يستطيعون الحركة.
