في لحظة صاخبة يعيشها الفضاء الإلكتروني، خرجت منصة “واعي” من الظل إلى قلب العاصفة، كصوتٍ يهزّ الطاولة لا ليقلبها، بل ليكشف ما تحتها. لم يمضِ وقت طويل حتى تحوّلت المنصة إلى حديث السوشيال ميديا، وصارت محور سجال لا يهدأ بين مؤيّد يراها طوق نجاة من التضليل، وخصم يتهمها بأنها “سونامي” يجتاح العقول ويعيد تشكيل الرأي العام على مزاج طرف بعينه.
وبين الطرفين، يقف اليمنيون يسألون: ما حقيقة هذا الشبح الذي اسمه “واعي”؟
لم تأتِ الضجة من فراغ فخلال أسابيع قليلة، نجحت “واعي” في اختراق المساحات التي ظل الحوثي يحتكرها سنوات، وأطلقت موجة محتوى مركّز فضح كثيرًا من الممارسات والخطاب السلالي الذي حاولت الماكينة الحوثية تغليفه بقداسة مصطنعة. لهذا بدا وكأن المنصة وجّهت أول ضربة موجعة للإعلام الحوثي منذ زمن طويل، ضربة لم تكن رصاصة… بل كلمة.
ولأن الحوثيين أبرع من يتقنون صناعة الضحية، فقد تعاملوا مع “واعي” كخطر وجودي، وبدأت حملة تشويش ممنهجة عليها، وكأن المنصة ليست مجرد مساحة إعلامية… بل قوة خارقة قادرة على اقتلاع سرديتهم من جذورها.
أثار انتشار المنصة سؤالًا جوهريًا:
هل ما تقوم به “واعي” هو نوع من أنواع فرض القيود على الحريات؟ أم أنه صراع سياسي وإعلامي صريح لاجتثاث خطاب يقوم على التزوير والتضليل؟
المنطق يقول: أي منصة إعلامية لها أجندة، وهذا طبيعي. لكن الفارق أن “واعي” لم تأتِ لتمنع رأيًا أو تكتم صوتًا، بل جاءت –كما يظهر– لمواجهة خطاب يصفّي المجتمع بمنطق السلالة، ويعيد تشكيل الوعي الجمعي لخدمة مشروع عنصري لا يخفي نواياه. وبالتالي، فالتلويح بـ”الحريات” هنا يبدو أقرب لدرعٍ يختبئ خلفه من كان يمارس أسوأ أشكال القمع الفكري منذ عقد كامل.
السؤال الذي أصبح أكثر تداولًا من اسم المنصة نفسها هو: من يكون واعي؟
ومع أن هذا السؤال يبدو مشروعًا، إلا أن إثارته بهذا الهوس تكشف شيئًا مهمًا: المنصة أصابت عصبًا حساسًا.
الحقيقة أن “واعي” ليست فردًا، ولا كيانًا غامضًا كما يصوّر البعض. “واعي” هو مشروع إعلامي منظم، يعمل بعقلية فريق محترف، ويستند إلى قراءة دقيقة للحرب الإعلامية التي يديرها الحوثي. نجاحه لم يأتِ من سحر، بل من استراتيجية: توثيق، سرد مباشر، حقائق دامغة، احتراف في إيصال الرسالة، وجرأة في مواجهة خطاب ظل طويلًا بلا منافس.
إنها ليست “شبحًا” كما يريد البعض تصويرها، بل انعكاسٌ لوعيٍ جديد يتشكل خارج سيطرة ماكينة الحوثي، ويعيد لليمنيين حق السؤال والشك والمراجعة.
في مجتمعٍ عانى سنوات من الضخ الإعلامي الموجّه، ظهور منصة مثل “واعي” لم يكن مجرد إضافة، بل صدمة كهربائية أعادت للحوار العام بعضًا من حيويته. قد تتفق معها أو تختلف، لكن لا تستطيع تجاهل أثرها. وهذه بحد ذاتها علامة نجاح.
ومهما حاول الحوثيون شيطنة المنصة أو التذرّع بالحريات، فإن الواقع يقول إن “واعي” فتحت بابًا كان مغلقًا، وسلطت الضوء على ما حاول البعض إبقاءه في الظلام. وفي زمن الانقسام والتشويش، ربما يكون ظهور مثل هذه المنصات ضرورة لا خيارًا.
“واعي” ليست مثالية ولا مقدسة، وليست فوق النقد. لكنها بالتأكيد أحد أبرز الظواهر الإعلامية التي أربكت الحسابات، وكشفت هشاشة الخطاب السلالي أكثر مما كشفت قوتها هي. إنها منصة نشأت من حاجة حقيقية لمواجهة التضليل، فأصبحت مرآة يرى فيها اليمنيون ما حاولت ماكينة الحوثي إخفاءه لسنوات.
قد تبقى واعي، وقد يتراجع حضورها، لكن المؤكد أن جيلًا جديدًا من الوعي قد بدأ، ولن يعود للخلف.
واعي ليست النهاية، بل بداية معركة الوعي، إنه عصر السؤال، لا عصر السلالة.
