في زمن الجدب الذي نعيشه, كثيرٌ علينا أن نفقد قامة سامقة وهامة شامخة بحجم الأستاذ محمد عبد الباري الفتيح..كثيرٌُ علينا في هذا الزمان أن يخسر الوطن المكلوم المُثخن بجراحات اللاهيون وراء السلطة والنفوذ والمال والجاه لا يشبعون من غواية مغريات دُنيانا الفانية التي من أجلها يؤججون صراعات ويشعلون حروباً ويعيثون في الأرض فساداً, يأخذون كل شيء ولا يقدمون إلاَّ الدمار والخراب, أما الفتيح الذي كانت تعز محراب إبداعه الجميل الذي أشجى البسطاء على امتداد اليمن معطياً وطنه وشعبه عصارة روحه وفكره دون منٍ ولا أدى.. جعل بروح الشاعر النبيل من البساطة والتواضع وحب الناس قيم ملهمة وسلاحاً بيد الفضيلة في مواجهة رذائل لا حصر لها, فكان الرائد الذي لا يكذب قومه وهو يخوض غمار السياسة والفكر والأدب موزعاً بشعره الغنائي الفريد الفرحة التي جعلتنا نعيد اكتشاف جمال الحقول والسهول والسواقي والجبال ليأخذنا على شُقر سحابته في تغريدات بعيداً عن قبح ودمامة الواقع المريض بنزعات الأنانية والانحطاط .. لهذا قصائده كانت اخضراراً في صحراء وجدانٍ شوهه كذب ونفاق حملة المباخر وماسحي أجواخ السلطان ومن حوله جموع القتلة والأفاقين قطاع الطرق وسُرَّاق الأحلام والآمال والتطلعات التي كنا نستمدها من روح الفتيح ومن كلمات شعره المفعمة ببهجة التفاؤل والأمل بأن الغد سيكون أفضل من اليوم والأمس,فننتصر على هول المآسي التي عشناها ومازلنا, ولكن هذه المرة بدون “الفتيح”الذي لطالما خفف عنا وطأتها بشجو تغريد قمريه المتحول برحيله إلى ترنيمة حزن متجدد في الذاكرة المسترجعة لحياة هذا الإنسان العظيم والرائع.. ونحن في حضرة هذا الحدث الجلل تقفز إلى ذاكرة الألم بهذا المصاب تعز المدينة وتربط بين سيرة فقيدنا الشاعر محمد عبد الباري الفتيح ومبدع كتب قصائده بالفرشاة واللون إنه الراحل هاشم علي عبد الله ليكون الاثنان رمزاين وتعبيراين لأصالة مدنية تعز وعصريتها وحداثتها المكثفة في أشعار ولوحات هذاين الزاهداين اللذاين أعطيا للتصوف معنى جديداً حالماً بتغيير حياة الناس ونفسياتهم لتكون أكثر جمالاً, لكن قوى التخلف استطاعت قهر الحلم بمحاولة إعادة إنتاجه في تعز ولكن إلى حين لأن ما تركه الفتيح وهاشم من إرثٍ إبداعي متميز وخالد لن يمحى بمشاريع صغيرة لجحافل العابرين من أزمنة غادرتها تعز منذ أمدٍ بعيد ..لتظل تعز ولادة للمبدعين صناع الخير والفكر والجمال.. رحم الله أبا مطرٍ ورعود وتغمده بواسع رحمته.