ولنبدأ بصفتهم الواردة فى العنوان.
أساسا لا تعنينى هويتهم الدينية المدعاة؛ فهذا شأنهم مع الله، لكنهم قد برهنوا للجميع أن فهمهم للإسلام لا يتعدى بعض التدين الشكلى فى العبادات والزائف في ظني بسبب تبنى القشور المتشددة المعسرة على الخلق والمانعة لرخص الله التى أحلّ لعباده في اتباع أعمى لتعاليم محمد بن عبدالوهاب، لكن ما يعنيني هنا هو سلوكهم كقوة سياسية نهّازة للفرص خاطفة للمغانم، وقد وصم تصرفهم في مضمار السياسة، في مواجهة إخوتهم فى الدين والوطن، المراوغة والخداع والنفاق، ناهيك عن انتهاج الظلم والغلظة، ما يبعدهم كل البعد عن تعاليم قويم الإسلام.
لذا، فأنا أضن عليهم بوصف «الإسلامي»؛ فليسوا إلا متمسحين بالإسلام لغرض سياسى ليس بالضرورة نبيلا.. هم عندى أشبه بـ«مسيلمة الكذاب»، مدعى النبوة، ولم يكن بنبىّ؛ فهم لم يناصروا الثورة الشعبية العظيمة وإن امتطوها لأغراضهم، تماما كما لم يبايع «مسيلمة» الرسول محمداً وإنما طلب أن يشركه فى النبوة، وكأنها مغنم مادي. كذلك لم يطلب اليمين المتأسلم فعلا إلا أن يتمكن من نظام الاستبداد والفساد الذي قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطه ولم تفلح بعد، ولم يبايع الثورة الشعبية العظيمة أو يناصر نيل غاياتها عندما واتته الفرصة، مقتنصا السلطتين التنفيذية والتشريعية معاً. ولم ينتصروا حتى لأغراضهم المعلنة. مثلا قالوا إن غايتهم من الحكم هى تطبيق شرع الله، لكنهم لم يتخذوا قرارا واحدا يستهدف تلك الغاية، مفضلين الاستمرار في المتاجرة بالأمر سياسيا كالجزرة المعلقة أمام الحصان الراكض، يراها دائما مغرية ولا ينالها أبدا.
(2)
والمتتبع لسلوك اليمين المتأسلم بقيادة الإخوان المخادعين فى حكم مصر لا بد من أن يدهشه الإخفاق المطلق فى جميع تصرفاتهم، سواء قسنا على مطالب الشعب فى الثورة الشعبية العظيمة أو قسنا على وعودهم المعلنة التى استعملوا لإغواء البسطاء، بالإضافة إلى أساليب ملتوية أخرى عديدة للتلاعب بنتائج غزوات الصناديق، كما يسمونها. ومؤخرا تبين فشلهم في نظر كثيرين، حتى إن قسنا على أداء نظام الحكم التسلطي الذي قامت الثورة لإسقاطه.
وقد يرى البعض أن هذه نتيجة منطقية لأداء قوة سياسية وصلت إلى الحكم فى غفلة من الزمن والشعب وبمعاونة ضخمة من قوى متنفذة في المنطقة وفى العالم، من دون أن يكون لديها مشروع أو حتى رؤية متماسكة لقيادة سفينة البلاد بما يتسق وغايات الثورة الشعبية العظيمة، وهي تفتقر إلى الكفاءات من داخلها، بينما ترفض الاستعانة بالكفاءات الوطنية القادرة رغبة فى الاستئثار الكامل بسلطة الحكم.
لكن هذا تفسير ساذج ينم عن استسهال؛ فهم لا يمكن أن يكونوا بهذا الغباء المستحكم أو الغفلة الباديين على سلوكهم في الحكم، كما أن فى هذا التفسير إفراطاً في إحسان الظن باليمين المتأسلم لا يستحقه في ظل سلوكه فى السلطة حتى الآن.
إن قيادتهم فى النهاية تنظيم دولي يناهز عمره المائة عام، يزعم انتماء مئات الألوف من المصريين وينتشر في حوالي ثمانين دولة حول العالم. وقد نجح في البقاء نشطا لأطول من ثمانية عقود بأشكال مختلفة تتراوح بين العمل الخيرى والدعوى، للتنظيم أكثر منه للإسلام، بين الناس، إلى توظيف العنف وصولا إلى الاغتيال السياسي. وقد أسهم في طول حياة التنظيم تعامله، حتى لا نقول «تواطؤه»، ولو من باب التقية، مع السلطة الحاكمة ومع القوى المتنفذة الفاعلة فى السياسة المصرية فى الإقليم والعالم كليهما مهما تغيرت تلك الأخيرة، من بريطانيا العظمى وقت نشوء التنظيم حتى الولايات المتحدة في العصر الراهن. ومن الجوهرى هنا تذكر أن التنظيم الدولي بطبعه لا يلقى بالا إلا إلي غاية المنظومة كلها ويمكن له أن يضحى بما يعتبره أهدافا أقل أهمية لبعض أقطاره منفردة.
ولا يجب الاعتداد هنا بتواضع قدرات الرئيس الحاكم الذي نصّبوه رأسا للسلطة وواجهة لمتخذي القرار الفعليين، الذي يزل كلما ثرثر؛ فعندما يكتب التاريخ الحقيقى لهذه الحقبة ربما لن يستحق إلا هامشا على المتن.
وقد أفرغنا أعلاه حجة تطبيق شرع الله كمشروع حقيقي لليمين المتأسلم.
إذن لا بد أن يكون وراء الأكمة ما يُرى، أي أن لليمين المتأسلم مشروعا سياسيا لا يفصح عنه صراحة لسبب أو آخر، ولعل التكتم أحد مسوغات نجاح المشروع.
وحيث يوصم الحكم التسلطى وأجهزته بالعتامة والتكتم، ونعيب أكثر هنا على أجهزة الأمن، المدنية والعسكرية، التي يتعين أن يكون هدفها الوحيد ضمان أمن الشعب والبلد أياً كان من في الحكم. فليس لنا إلا أن نستجمع القرائن ونكامل فيما بينها لنتوصل إلى تخمين منطقي حول مشروع اليمين المتأسلم وغايته من حكم مصر.
ومن أسف أن غالبية القرائن المتاحة لا تدعو لكثير اطمئنان، سواء على ساحة مصر أو على صعيد مشروعات القوى المتنفذة في المنطقة وفي العالم ذات المصالح فى المنطقة.