وها هي الرسالة بنصها تجيب على هذا التساؤل: «يكشف استدعاء سلسلـة الأحداث القريبـة سريعـا وبلا عناء أن الجماعـة دخلت في صراعـات عدة ومتنوعة كما وكيفا. ولعل أهم العوامل الدافعة لتبني هذا الموقف الصراعي الحالي كخيار مرحلي وحيـد للجماعة من وجهة نظري؛ نجد أن فرصة التمكين التاريخية والمرتبطة -حاليا- ببقاء مرسي على سدة الحكم تبدو فترة قصيرة جدا من وجهة نظر الجماعة، وهي في الوقت نفسه بطل المحفزات ووقود التجييش لكافة أطراف الصراع، فمن وجهة نظر الجماعة أنه يجب استغلال -عمليا- كل لحظة ممكنه في إحراز خطوات مؤثرة نحو إنجاز حاسم لمشروع التمكين، والذي يشتمل من وجهة نظري أيضاً على ثلاثة عناصر رئيسية، الأول منها وهو الهدف العام أو ما يعرف بأخونة الدولة بمعنى وضع قيادات إخوانية على مفاصل الدولة ومراكز صناعة القرار فيها -ولاحظ هنا أنها لا تستهدف المواقع السياسية فقط بل تمتد لتشمل المواقع التنفيذية وحتى القضائية بعد إنجاز التشريعية- على أن تشمل بالطبع التوغل في كافة المستويات بدءا من القرية وانتهاءً بالقطر كله، ثاني العناصر وهو من مظاهر عملية التمكين والخاص بدولنة الجماعة أو تقمص الأدوار الإدارية الرسمية للدولة من أفراد الجماعة وهم من خارج الجهاز الإداري أساسا أو تكليف بعضهم بمتابعة أداء الجهاز الإداري أو حتى دفاعهم عن الأجهزة الإدارية حتى المقصرة منها في عملها أو أن تسمع من أحدهم في معرض كلامه: «إحنا استلمنا الدولة وبها مشاكل كذا وكذا وسنقوم بكذا وكذا»، الأمر الثالث في موضوع التمكين وهو الآلية التكتيكية والخاصة بتوحيد الرؤية والخطاب بين مؤسسات الدولة والجماعة وإخراج الوضع إخراجا متناغما من حيث الأهداف والمشاكل والحلول والوسائل المتبعة.
ولعل هذا الهدف الرئيسي وهو التمكين والذي يتصف بالمتسرع جدا يضع الدولة أمام مشاكل عميقة منها الخلل في ترتيب الأولويات، وسبل علاج القضايا الملحة والعاجلة والمزمنة، وكذلك زيادة حجم الاستقطاب وانفجار تأثيره، وتوسيع الفجوة الفاصلة بين فصيل الحكم وأي آخر دونه، رغم ذلك فإني أعتقد وبقوة أن هذه التأثيرات الكارثية الناتجة عن ذلك ليست بالغائبة عن عقل الجماعة المفكر ولا عن القيادة المدبرة لشئونها، لكنها في الوقت نفسه تعاني من ضغط الوقت وأزمة الفرصة، فتجد نفسها مضطرة لفتح النيران في كل اتجاه رغم إدراكها التام للخسائر على الوطن أو حتى على الجماعة نفسها، لكن ما أهونها من خسائر في سبيل التحقيق المتسارع للحلم.
في النهاية يبقى التساؤل المنطقي الذي يجب على كل عضو في الإخوان أن يبحث في إجابته: «أي من هذه المعارك حسمته فعلا هذه السياسة؟».
وسأجيب أنا على سؤال صاحب الرسالة وأقول: حسموا بعض المعارك ظاهريا، لكنهم في المضمون يبنون كل شيء على الرمال، فإن أتت أي ريح سينهار ما بنوه على رؤوسهم وذلك لأنهم انقلبوا على فكرتهم التي تُعنى ببناء الفرد والأسرة والمجتمع الذي يحتضن رؤيتهم قبل إيصالهم إلى سدة الحكم، وراحوا يحاولون أن يفرضوا كل شيء من أعلى، عنوة وبلا روية ولا ورع، فانكشفوا أمام الناس، وسقطوا من عرش القلوب، وسيحصدون الهشيم قريبا، ولن ينفعهم الندم.