وفي عصرنا الحديث كان لها أمجادها العظيمة كذلك في مقارعة الاستعمار البريطاني بكافة وسائل النضال (1)، وتعرضت لكافة صنوف وأشكال التنكيل من قبل المستعمر، ودخلت السجون، وصدر بحقها أحكام الإعدام واستشهدت في سبيل الوطن مثل الشهيدة (خديجة الحوشبية).
وأسهمت المرأة من موقعها في كافة المؤسسات والمزارع ومرافق العمل والقوات المسلحة... الخ في بناء الدولة الوطنية المستقلة في جنوب اليمن وإذا كانت التقاليد والأعراف وبعض القوى السياسية والتقليدية وقفت عائقا في طريق المرأة في شمال اليمن، إلا أنها كانت في الصفوف الأولى في ثورة الشباب وادهشت العالم، وها هي تدهش الجميع في مؤتمر الحوار الوطني..
وهذه الورقة تحاول التأكيد بأن اشتراك المرأة في الحوار استحقاق ناضلت للوصول إليه وليس منحة أو هبة لأنها نصف المجتمع بالمعنى الحرفي للكلمة فسكان اليمن 51 % ذكور و49 % نساء، بحسب الاحصائات الرسمية.
هذا ، وستكون العناوين على النحو الآتي:
المرأة قبل الثورة.
المرأة وحرب التحرير.
المرأة بعد الاستقلال الوطني.
المرأة في شمال الوطن
المرأة ودساتير الجمهورية اليمنية.
المرأة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
المرأة قبل الثورة
تشير بعض الكتابات القليلة عن النضال السياسي للمرأة اليمنية في عدن، إلى حضورها الفاعل في النشاط الوطني والحزبي في فترة الاحتلال ووقوفها بصلابة لمقارعة السياسة البريطانية(2) متخطية في ذلك كافة التقاليد والأعراف الاجتماعية المتخلفة، ونهضت فعلا بدورها، بصورة تعد مفخرة للأجيال.
وفيما يلي نرصد بعض صور نضال المرأة ومشاركتها في النضال الوطني رفضاً للوجود البريطاني وسياسته الهادفة إلى طمس هوية عدن وسلخها عن محيطها اليمني والعربي، وذلك على النحو الآتي:
-1 انتفاضة عدن ضد اليهود 1947-1946م من خلال رمي الكرات القماشية المشتعلة إلى داخل مساكن اليهود ومتاجرهم.
-2 جمع التبرعات المالية والعينية للشعب الفلسطيني .
-3 المطالبة بتوسيع فرص المشاركة الأهلية في المجلس التشريعي.
-4 اعتماد حق الانتخاب والترشيح للمواطنين وتحديد حق المواطنة الكاملة لأبناء عدن.
-5 شجب واستنكار العدوان الثلاثي على مصر من قبل بريطانيا وفرنسا واسرائيل.
-6 تشكيل لجان لجمع التبرعات المالية وإيصالها عن طريق جمعية الهلال الأحمر المصرية.
-7 شكلت المرأة لجنة مقاطعة البضائع الانجليزية والفرنسية.
-8 تقديم مذكرة احتجاج إلى الحاكم العام لعدن استنكاراً على سياسة التنكيل والقمع التي كانت تمارسها السلطة البريطانية ضد بعض النقابيين في عام 1958م.
-9 اتشاح السواد تعبيراً عن رفض السياسة البريطانية في عام 1958م وذلك أثناء لقائهن زوجة وزير المستعمرات البريطانية في مقر نادي سيدات عدن.
-10 انخراطها في النقابات، بعد تأسيس المؤتمر العام للنقابات، أدى إلى اتساع إطار تفاعل المرأة من القضايا الوطنية.
-11 انضمامها في الأحزاب عام 1962م مثل حزب الشعب الاشتراكي وتبوأها مناصب في الهيئة القيادية العليا في الحزب.
-12 اسمهت في تنظيم خطة الزحف على المجلس التشريعي في يوم 24 سبتمبر 1962م لرفض مشروع ضم عدن إلى اتحاد الجنوب العربي.
-13 قيام طالبات كلية البنات خور مكسر يوم الأربعاء 30 يناير 1962م باضراب عام ضد السياسة الاستعمارية وسياسة التعليم.
-14 تنظيم المظاهرات الشعبية رفضاً لإعلان حالة الطوارئ في 10 ديسمبر 1963م وتعليق الشارات السوداء، وتنظيم اعتصام لأمهات المعتقلين السياسيين وزوجاتهم.
القيام باعتصام إدانة للاعتقالات الواسعة التي شهدتها عدن(3).
ومارست المرأة كافة صور وأشكال النضال السياسي إلى جانب كتابه التقارير مثل التقرير المقدم من جمعية المرأة العربية إلى اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجنة الخاصة بتنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان المستعمرة التي شكلتها الأمم المتحدة في عام 1961م والخاصة بقضية عدن والجنوب العربي حول الأوضاع العامة التي كانت تعيشها المرأة العربية من جراء سياسة القمع التي تمارسها الإدارة البريطانية.
كما مارست بريطانيا كافة أشكال القمع والتنكيل ضد المرأة بما في ذلك الضرب والاعتقال والمحاكمة...الخ(4).
المرأة وحرب التحرير
تكونت الجبهة القومية في اغسطس 1963م بوصفها جبهة نضال مفتوحة أمام كل وطني يؤمن بالكفاح المسلح وأمام كل جماعة تود المشاركة فيه بشرط واحد هو أن تقبل الانصهار داخل الجبهة القومية(5).
واهتمت الجبهة القومية بقطاع المرأة وتمكنت من استغلاله في مجالات المظاهرات وتوزيع المنشورات ورعاية أحوال المعتقلين السياسيين والنقابيين من خلال نشاط (جمعية المرأة العربية التي سيطرت عليها الجبهة) (6).
وقد تمكنت الجبهة القومية من استقطاب العديد من السيدات والآنسات لخدمة المعركة رغم أوضاع التخلف الشامل التي سلبت المراة كثيرا من حقوقها.
وذكر الميثاق الوطني للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، الذي أقره المؤتمر الأول للجبهة في الفترة 22-25 يونيو 1965م أن (الثورة استقطبت تشكيلات نسائية أخذت لأول مرة تعبر عن دور هذا القطاع من الشعب في النضال الثوري البناء الخلاق (7).
ومما يسجل للميثاق الوطني للجبهة القومية موقفه الواضح والمتقدم من قضية المرأة ، وذلك بقوله: (أن الاستعمار أهدر كثيراً من الطاقات البشرية خلال حكمه الطويل وعانت المرأة أصنافًا من الظلم والذل والاستبداد ووضعت في حياتها كل القيود بحكم تقاليده مزورة تتنافى أساسا مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.
إن إعادة الحقوق الطبيعية للمرأة ومساواتها بالرجل في قيمتها ومسئولياتها الاجتماعية ضرورة لا تحتمها قواعد العدالة الإنسانية وحدها وإنما يفرضها وجود المرأة ذاته في الحياة بما يمثله كشريك كفء مساعد في طاقة المجتمع وقدراته الإنتاجية(8).
إن الدور البطولي الذي قامت به المرأة اليمنية وبالذات في جنوب البلاد في فترة الكفاح المسلح، كان دوراً غير عادي بالنظر إلى الأوضاع الاجتماعية البالغة القسوة التي كانت تعاني منها المرأة وكانت هذه العوامل أحد الدوافع الأساسية التي جعلتها تخوض هذه المعركة المسلحة السياسية متحدية بذلك كل التقاليد البالية التي كانت تحاول جرها إلى الوراء، وكان وجود المرأة في إطار تنظيم الجبهة القومية وجبهة التحرير أثناء حرب التحرير خطوة أولى في طريق إثبات ذاتها وتحقيق تحررها ووجود المرأة في قطاع نسائي مستقل لا يعني أن مشاركتها محدودة فالمرأة متواجدة أيضا في القطاع الطلابي(9).
ولم ينحصر نضال المرأة على الجنوب، بل امتد ذلك لدعم ثورة 26 سبتمبر 1963م فقد أشارت الأخت عايدة علي سعيد إلى أنه (كان للمرأة شرف مباركة ثورة 26 سبتمبر فبعد انتصارها بشهرين شكلنا مجموعة من عضوات جمعية المرأة العربية وقمنا بزيارة العاصمة صنعاء لمقابلة الرئيس المشير عبد الله السلال للتهنئة بالانتصار العظيم ضد الحكم الإمامي الرجعي، وبالفعل تم استقبالنا من قبل الأخ الرئيس في القصر الجمهوري، وتفضل الأخ الرئيس باعطائنا صورة عن ما حصل ليلة 26 سبتمبر ثم ظروف البلد والشعب الاقتصادية والمعيشية وحكى لنا عن المؤامرات تأثرنا كثيراً بما سمعنا فما كان منا إلا أن قمنا بخلع كل ما نملك من حلي وذهب وتسليمها للأخ الرئيس تبرعاً منا باسم المرأة كتعاون رمزي وتعبير عن موقف المرأة ومساندتها للثورة والحفاظ عليها وعاهدنا قيادة الثورة على أن المرأة لن تتوانى لحظة واحدة في تقديم ما هو غال ونفيس من أجل الثورة الأم(10).
وعن حصار صنعاء ونضال المرأة في شمال الوطن، يشير عمر الجاوي إلى أن السيد الفريق حسن العمري: (ذهل حين سمع أن عاملات مصنع الغزل والنسيج بدأن التدريب على السلاح. واذهلته أيضاً برقية المناضلة كرامة اللقية باسم النساء في صنعاء اللاتي لا يعملن في المصنع (نطالبكم بتسليحنا للدفاع عن وطننا أسوة بالرجال.. فنحن نملك حق شرف الدفاع عن وطننا) (11).
ويواصل الجاوي القول: (وفي تلك الأيام الخالدة لم ينتظر الناس رجالاً ونساء رأي المسئولين.. خاصة فيما يتعلق بالدفاع عن صنعاء .. فأم اللقية كانت تعرف جيداً أن بعضا من نساء صنعاء الرجعيات يجمعن التبرعات للمدعو (أحمد بن الحسين) القابع بجانب العاصمة.. فذهبت مع زميلاتها وبناتها تجمع التبرعات للمقاومة) (12) وبالرغم من الاعراف القبلية التي يدعونها - القبائل - ذهبوا منذ أول يوم للحصار يضربون المصنع الوحيد حيث يشتغل أكثر من اربعمائة عاملة.
وركز الملكيون على المصنع بقنابلهم .. لأن القوى الجديدة الشابة نساء ورجالاً كانت تتركز هناك، دون اعتبار لمفهوم الذكر والأنثى في عرف القبيلي.
وبحسب الجاوي تركز عمل المرأة في صنعاء في جبهتين رئيسيتين(13):-
-1 التدريب والدفاع عن المصنع.
-2 جمع التبرعات والتبليغ بالمتأمرين.
وازدادت الدعاية المضادة ضد النساء العاملات في مصنع الغزل والنسيج مثل القول (بانتشار الإباحة في المصنع وان (عمليات الاجهاض ماضية على قدم وساق) فقد أضافوا هذه المرة دعاية من صنف أكثر قذارة وشراسة، بقصد دفع القبيلي إلى تحليل قتلهن ولو بواسطة الهاون والمدافع الصاروخية .. ولم يتطرق الخوف إلى قلوب المناضلات لا من الإشاعة ولا القنابل فقد اثبتن بشكل قاطع انهن سيفرضهن احترامهن بواسطة النشاط الثوري الأصيل المتمثل بحمل السلاح(14).
المرأة بعد الاستقلال الوطني
أشارت فوزية محمد جعفر في مداخلتها في (ندوة الثورة اليمنية) إلى أنه: (..وبعد عشية الاستقلال العظيم في 30 نوفمبر 1967م أعد القطاع النسائي العدة لينتقل إلى تشكيل المنظمة الجماهيرية الواسعة لممارسة النشاطات الاجتماعية والسياسية والثقافية إلا وهي اتحاد نساء اليمن الذي تشكل في يناير 1968م وقد تم العمل على التنسيق مع الأخت حورية المؤيد في المناطق الشمالية من الوطن لفتح فروع للاتحاد وغير اسم هذه المنظمة إلى الاتحاد العام لنساء اليمن أيماناً من قيادة الاتحاد بوحدوية الوطن وذلك بعد الخطوة التصحيحية)(15).
وكان تأسيس الاتحاد العام لنساء اليمن كبديل لجمعية المرأة العربية، وتم انتخاب فوزية محمد جعفر أول رئيسة للاتحاد(16).
وقد بادر الاتحاد العام لنساء اليمن بالمطالبة بسن قانون الأسرة ، بحسب ما ذكرته فوزية محمد جعفر (وشكلنا لجنة من الاتحاد النسائي ومجموعة من المستشارين القانونيين قامت بتدارس أوضاع المرأة من مختلف الجوانب ووضعت مشروع القانون الذي تم إقراره وشكل بالفعل مكسبا كبيرا للمرأة ..) (17).
واسهمت المرأة في صياغة دستور 1970م من خلال مناقشة مسودته حيث عرضت لمناقشات جماهيرية واسعة كانت نتيجتها إدخال 40 تعديلا هاما على المسودة(18).
وكفل الدستور (مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن جنسهم أو أصلهم أو دينهم أو لغتهم أو درجة تعلمهم أو مراكزهم الاجتماعية) المادة (34) من الدستور ونصت المادة (36) كذلك على أن: (تضمن الدولة حقوقا متساوية للرجال والنساء في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوفر بشكل تقدمي الشروط اللازمة لتحقيق تلك المساواة.
وبحسب المادة (34) جميع الأشخاص سواسية أمام القانون وتقوم الدولة بكل ما يمكنها لتحقيق هذه المساواة عن طريق إيجاد فرص سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية متكافئة وكفل الدستور كافة الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين بصرف النظر عن جنسهم أو أصلهم .. الخ كما ذكرت سابقا في المادة (34).
إلى جانب ذلك نصت المادة (58) على أن: (توحد منظمة المرأة النساء والفتيات بهدف تطوير وعي المرأة السياسي لكي تتمكن من أن تلعب دوراً إنتاجياً في المجتمع، لتحقيق المهام التربوية والثقافية ضمن العائلة ولمعاونتها على الاستفادة من حقوقها المبينة في الدستور على أساس متكافئ مع الرجل وكان دستور 1978م المعدل لدستور 1970م أكثر دقة في الصياغة وأكثر تطورا فيما يخص المرأة(19).