ورغم النجاحات المتواصلة منذ عام من التغيير إلاَّ أن البعض من هواة الفوضى لم يزالوا مفتونين بأنفسهم وبماضيهم المنتهية صلاحيته غير مدركين حقيقة اليوم وفعلها الثوري الهادر بقوة الإرادة الشعبية الطامحة إلى إعادة بناء اليمن بأدوات حضارية وبنهج شفاف ومسئول مصدره مؤسسات الدولة المدنية الحديثة وليس الفرد أو القبيلة أو الأسرة .. نهج لا يعتمد على واحدية القرار بل على الاختصاص المؤسسي وفقاً للدستور والقوانين النافذة التي تحدد مهام واختصاص كل مؤسسات الدولة ومسئوليها وقاداتها, الذين يتساوون أمام القانون مع المواطنين فالجميع مواطنون عليهم واجبات ولهم حقوق ولا فرق بينهم أمام العدالة فالكل أمام القانون سواسية من رئيس الجمهورية إلى أبسط مواطن, ولتحقيق ذلك العدل وتلك الدولة ستستمر الثورة وسيستمر التغيير.
واليوم وبعد مضي أكثر من عام على دوران عجلة التغيير والبناء بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي بدأت تلوح في الأفق ملامح ذلك المستقبل المرجو,وكأن لشخصية هادي المتزنة ولمواقفه وقراراته الحكيمة أن جعل أداءه يصب في ينابيع العطاء الوطني المجرد من المصالح الضيقة سياسية كانت أو حزبية أو مناطقية, وبذلك العطاء وبتلك الحكمة صاغ الرئيس هادي قراراته ذات العلاقة بإعادة بناء وهيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية التي تعد أهم مؤسسة وطنية يبنى عليها الأمن والاستقرار والنهوض بالمجتمع وصون كرامته والحفاظ على استقلاله.. تلك القرارات الشجاعة والمصيرية طالما أنتظرها اليمنيون وناضلوا من أجلها طويلاً وعانوا من غيابها والاستحواذ عليها كثيراً, ولذلك فهي قرارات إستراتيجية وتاريخية من شأنها أن تفكك المعقد وتلتقي بالمفكك والمجزأ وتوصل الحاضر بالمستقبل المنشود والذي ناضل من أجله كل الشرفاء والمخلصين من أبناء اليمن.
جاءت تلك القرارات حافظة لكيان المؤسسة العسكرية وتعيد إليها شموخها وهيبتها ووطنيتها وصلابتها وتجعل منها قوة ضاربة بيد الشعب وليس بيد غيره من الأشخاص الراغبين بتحقيق أوهامهم المريضة ورغباتهم الشيطانية المشتتة للجهود والمبعثرة للنجاحات التي يصنعها عامة الشعب اليمني.
إذن نحن اليوم على عتبات بناء الدولة اليمنية الحديثة التي تتجلى في الخطوات التصحيحية والتفاعلية القائمة على ترسيخ السلوك القويم والأخلاق الإنسانية والحضارية التي نظنها هي الوحيدة القادرة على إخراج اليمن من الأوضاع الراهنة المتعددة بمشاكلها وتعقيداتها, ولا ندري ماذا بقي لدى البعض من السائرين في عبثهم حتى اليوم, وهؤلاء على يقين أن الأمن والاستقرار مطلب شعبي لا يمكن التراجع حتى تحقيقه في كل ربوع اليمن, ومع ذلك نجد شياطينهم يوسوسون لهم بالشرور وارتكاب المعاصي والجرائم وفعل التخريب وإقلاق السكينة العامة للمواطنين دونما خوف من خالقهم والخجل من أنفسهم وهم يصرون على فعل الباطل كما هو حاصل اليوم في محافظة تعز من إجهاض للحق والبناء والتغيير, وزعزعة للسلم الاجتماعي الذي غدا مطلباً أساسياً لكل اليمنيين.
ولأن الحوار والتفاهم مبدأ إنساني راق يحقق للإنسان مصالحه مهما كانت متباينة أو مختلفة مع الآخر,فلابد من التوصل عبر الحوار إلى حلول تلتقي مفرداتها مع الصالح العام وكذلك الخاص, وهاهو مؤتمر الحوار الوطني الشامل يلملم المشتت من القضايا ويجمع المجزأ من الأهداف ويلتقي بالمتناقضات ليحولها إلى تقاربات يمكن من خلالها صياغة مواقف ورؤى واضحة وشفافة يصعب على المغرضين والحاقدين اختراقها والتمترس عليها في إشعال الفتن وتمزيق الجسد وبيعه بثمن بخس لمن يجد نفسه قزماً ومفرغاً من الحياة إذا ما استعاد اليمن إشراقته وألقه وحيويته.
ورغم التشكيك بما حققه مؤتمر الحوار الوطني حتى اليوم إلاَّ أن الواقع يؤكد غير ذلك, فيكفينا فخراً أن المواطن البسيط ولأول مرة في حياته يتابع ويشاهد عبر وسائل الإعلام تلك الرؤى ووجهات النظر المختلفة والمتباينة تتزاحم أمامه, ويجد من يتفق معها أو يختلف, أو من يمحصها ويفكك أهدافها ويقرأ ما وراء سطورها, والجميع يسهم في التوصل إلى موقف يمكن من خلاله احترام ذلك الرأي دون إجحاف للقضية التي حملها هذا الرأي أو ذاك الموقف, وبذلك التفاعل المجسد للنهج الديمقراطي بدأ المواطن اليمني يستقبل الأمل بالمستقبل, وبدأ الشعور بذوبان اليأس والإحباط من مصطلح الحوار كمصطلح عقيم وأداة سياسية مصلحية ضيقة كما كان يجري في الماضي بين النظام السابق وبقية الأطراف السياسية التي أفقدت الحوار مصداقيته وغيبت أدواته وشوهت مخرجاته فبات المواطن ينظر إلى إي حوار بين القوى السياسية بمنظور هزلي لا يحقق له غير مزيد من التفرقة وكثير من الصراعات والاختلافات بين المختلفين, ولذلك بدأت النظرة إلى الحوار الوطني الشامل الذي يجري اليوم من ذلك المنظور الذي كرسه النظام السابق, ولكن مع مرور الأيام بدأ المواطن ينقل تفاعلاته مع مجريات مؤتمر الحوار الوطني إلى الواقع الفعلي لمجمل القضايا التي يناقشها المؤتمر بدءاً بقضية الجنوب وانتهاءً بقضية صعدة, وهما قضيتان إحاطتهما السرية والغموض من قبل النظام السابق والقوى السياسية الأخرى, وكان الخوض فيهما كمن يخوض في ليل شديد الظلام بل تعدى ذلك إلى أن عمل النظام السابق سياجاً منيعاً حول هاتين القضيتين يمنع حتى مجرد الرأي فيهما وزاد أن جرم وشكك بوطنية من يقترب منهما, فيما اليوم نجد أصحاب هاتين القضيتين من المتطرفين والمعتدلين على طاولة الحوار يحاولون الوصول مع القوى الأخرى إلى حلول عادلة لهما.
ويبقى على الجميع قادة ومسئولين وقوى سياسية وحزبية ومواطنين عدم الانجرار وراء قوى سياسية لا ترى في سياستها غير العبث وإضعاف الآخر وإطلاق الاتهامات والمناكفات المتبادلة ليس لشيء بل لأنها تشعر بعدم قدرتها على مواكبة أي عمل خلاق وحضاري يحترم الإنسان ككائن يتفاعل مع الآخر وفقاً لقناعاته غير المطلقة, فإما يثبت أن رأيه هو السديد أو يقبل بالرأي الآخر.
الواقع اليمني اليوم صار معززاً بالتوجهات السياسية الجادة من قبل القيادة السياسية الحكيمة من خلال نجاحها في تجاوز كثير من الصعاب والعراقيل التي كنا نرى تجاوزها في حكم المستحيل.