قصة قصيرة
أنا خائف ... أحترق ندماً أكاد أعض على أناملي حتى أدميها، أحس بنار تضطرم بداخلي ولفحة البرد الفارسة لا أحس بها، أمشي على الشاطئ أحمل كيساً كبيراً سود ثقياً، تحاول الأمواج أن تركلني بعيداً عن الشاطئ ولكني أصر على البقاء أنظر إلى أفق البحر الأسود من فوقه القمر بدراً في سماء من دون لمعان نجمة أو بياض سحب، أنظر إلى البحر الذي تتدافع منه الأسطر البيضاء في صفحة البحر السوداء، وضعت الكيس بجانبي واستندت إليه بكوعي ثم مر من خلفي اثنان بدأ أنهما عاشقان يستتران بالظلام قرب صوت البحر الذي يغني لهما عن هواهما العميق، وأخذا ينظران إلي بريبة ونبذ للعاطفة بعدما رأيا الكيس الأسود، وتحركا بشيء من الاستعجال ثم اختفيا في العتمة.مرة أخرى، سألت نفسي لم هربا مني؟ هل يعرفان ما بالكيس؟ وكيف لهما أن يعرفا وهو مغلق. ثم سحبت سيجارة من داخل المعطف الذي كان يلفني، لكنني لم أجد الولاعة فتشت في جيوب معطفي الأخضر القاتم كلها فلم أجدها وقد كنت في أشد الحاجة إلى سيجارة في ذلك الوقت، فاتجهت إلى الرصيف خلفي ومعي الكيس الذي لا أستطيع التخلص منه لإزاحة شبحه القاتل عن ذهني. استوقفت أول مارٍ بي طالباً منه ولاعة لأشعل السيجارة بأدب واسترحام بعد ذلك، ولكنهم كانوا يفرون مني منتفضي الأجساد عند أول نظرة إلى الكيس الذي أحمله في يدي ويكاد يخلعها من كتفي، وعلى الرصيف المقابل كان يمشي شرطي طويل رفيع الجسم عريض العظام، فأسرعت إليه أرجو منه ان يشعل لي سيجارة ، فبدأ للوهلة الاولى الموت مرتسماً في وجهه تم اخرج من جيبه ولاعة تراجع خطوة إلى الخلف وذهب بعد أن أشعلت السيجارة دون أن يأخذها او اشكره فقد بدأ من تعابير وجهه ونظراته الفاحصة لي، لحركاتي، لساقي، لملابسي، أنه يمقتني إلى حد أراد فيه أن يبصق في وجهي، ثم ذهب وسبق ظلاله الطويلة المتراقصة التي تمدها مصابيح الشارع طويلاً.فسألت نفسي مرة أخرى لم يمقتني الناس؟ هل يعرفون سري، هل يعرفون ما بداخله؟ لا يمكن، هذا مستحيل، لا يعرف مابالكيس غيري، والمركز الصحي الذي كشفه معي ثم وعدوني بالسرية وأنهم سيساعدونني على التخلص منه والفكاك من بين يدي شبحه القاتل اللتين تخنقاني. والغريب أنني لم أنظر إلى هذا السواد الذي أحمله كما ينظر إليه الناس .. فقط خائف ونادم احمله حيثما ذهبت رغماً عني، ولا أنظر إليه.بعد قليل من وحدتي مع القمر، الوحيد الذي لم أستشف في وجهه أو فعله مقتاً أو جزعاً ـ ربما لأنه بعيد عني ـ سمعت صوت الأقدام نفسها، بحذاء عالي الكعب، يدق ى الإسفلت مثل السكين الحادة ليمزق الأحشاء رهبت الصوت في البداية ولكني تقدمت نحوه لأسحق المرأة التي دفنتني لأموت داخل هذا الكيس الأسود الكبير الذي ينفث بروائح الرذيلة، دخل ظلها المتقافز مساحة الضوء وظل يدخل ويهتز حتى ظهر جسم أمرآة اسود من دون تفاصيل ولا ألوان، يتمايل كعود سنابل القمح في هياج الريح، ثم أخفيت الكيس خلف ظهري لاقترب منها فظهر لي حذاؤها الأحمر ذاته وعنقها العاري حتى صدرها والوشاح الأحمر الشفاف اللامع الذي يغطي ذراعيها العاريتين اقتربت مني أكثر حتى رأتني وهي تعض أحمر الشفاه اللامع فوق شفتيها البارزتين وما أن صرت قريباً تستطيع يداي أن تطالاها حتى أحكمت علي عنقها بوجه استنشق عام اللا إنسانية واللا رحمة و للا شفقة، حتى برزت عيناها وغص صوتها الذي هرب إلى بعض الناس القريبين من هذا الشارع المشبوه النائي فتسارعت الناس إلينا على استنجاد هذا الصوت النسائي الحاد وحاولوا فكاكها من بين يدي الحديديتين على الأقل في تلك اللحظة التي استيقظت فيها عملاق الانتقام غاضباً وأنا أقول: أنت السبب أنت التي ألصقت كف الموت هذا بي، أنت التي يجب أن تموتي، ولم ينتزعوها من بين يدي الا جثة هامدة، وحاولوا أن يمسكوا بي لكنني صرخت فيهم: ابتعدوا عني والا قتلتكم فلم يأبهوا ـ سوف أمزق أوردتي وأبطش بها على أجسادكم ، أوردتي التي تتغذى دماؤها من هذا الكيس الأسود، هل ترونه؟ هل تعرفون ما بداخله؟وقبل أن أفصح عما بداخله فزع الناس وتراجعوا إلى الخلف يشكلون دائرة كبيرة حولي كثيرة الثغرات، درت ببصري الفاحص لأوجههم الشاحبة فجأة، ولأول مرة رفعت يدي ونظرت إلي كتلة السواد التي في يدي منذ فترة ثم أدرتها، فصفعتني حروف بيضاء واضحة. كتب عليها (سيدا) فعرفت أنه لم يكن سراً وجثوت على ركبتي وأنا أقول: الآن عرفت السبب ولم أعد أذكر أنني رأيت أو سمعت شيئاً واضحاً افهمه، هيئات مبهمة لأناس التفت حولي وأضواء تختفي بسرعة مع أصوات لا أتذكرها كانت مثل البنادق والرشاشات في الصوت والضوء السريع، ثم ابتعد الشارع والرصيف ومعه الناس وأنا لا أدري إلى أين تحملني العجلات التي تجعلني اهتز، لا أدري شيئاً، فقط خائف نادم.[c1] ديسمبر 2003 [/c]