عصف العصر بكل المعايير وطوح الزمن البغيض بالنفيس منها.وأضحت كل الأعراف على موازين الربح والخسارة حتى الابتسامة انطوت على نفسها وخفت الشفاه منها بعد أن تربعت قروناً على صفحة كل الوجوه.وإذ بها تجاهد اليوم جهاد الجبابرة علها تصل إلى النفس وهي تتوجس خيفة ألا تدلف عتباتها.لقد كانت الابتسامة مسحة هادئة وعنواناً ثابتاً على السمات وفي ثنايا الروح لا طاقة للأقدار أو الأحزان على النيل منها. وهزمت الدموع في أحلك الظروف حين كانت دمعات الرجال بخيلة.ونكصت الابتسامة - اليوم - على أعقابها وانحسرت حسرة. وانسحبت أو أنحبست في أغوار النفس وقد دحرتها الدمعة الفياضة.وأصبحت الابتسامة بخيلة على الشفاه الذابلة إلا لماماً. وللمناسبات. وأدرجت في قاموس المصطلحات وطقوس المصالح تستخرج للحاجات الآنية أو الغايات البعيدة، حتى تاهت بين غث وسمين.وقد ميز السابقون سرها وسبروا أغوارها بحذق وفراسة حتى قال المتنبي:“إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن إن الليث يبتسم”.نسينا أنها كانت وفيرة ملء القلب ولا تكاد تلتقي الأنظار حتى تنفرج الأسارير بما يبعث على الثقة وهدوء في القلب وراحة للضمير.كانت البسمة كالكلمة الطيبة “أصلها ثابت وفرعها في السماء” وحلت محل التحايا وحل بها وعليها ومنها السلام.وتمثلت - الابتسامة - كالطيف الظليل في الصحارى القاحلة الجدباء وماجت القلوب بسحرها وانبعثت بطياتها أشهر قصص الحب الأسطورية الخالدة.وحزر شوقي إنها أول ما تصادفه العين وعلى تداعياتها يأتي الحب الجارف.نظرة فابتسامة فسلام فكلام.....إلا أنها زهدت اليوم. وقد أضحت سلعة يتم تفصيلها ووضع مقاساتها تبعاً للمصالح ولا تؤتى بلا ثمن. وتدخل بين ثناياها الصفقات بين سياسة وتجارة وتباع بها مشاعر وسلع وشعوب ودول وأوطان.وصنفت الابتسامة في خانات الساسة كوسيلة انتخابية ناجحة ولدى رجالات المال والأعمال كمادة إعلانية رابحة.والساسة يبتسمون في أغلب الحالات وجورج بوش يبتسم في ظروف الحرب والدمار وتتسع ابتسامته باتساع رقعة الحرب وازدياد منظر الخراب.ولا تقتصر بسمة كوندليزا رايس على الحرب بل تنفرج أساريرها أكثر فأكثر كلما تكشف للعالم سر سياستها الفاضح.أما نيوب رجال المال والاقتصاد فتظل بارزة على الدوام بدءاً من باعة الموت وأسلحة الخراب.ولأن جلهم من اليهود الذين حبسوا بسماتهم الخبيثة عصوراً لتظهر في النزع الأخير من الزمان على سيمائهم وهم يجوبون الشرق والغرب وبلاد أفريقيا ليقنعوا سماسرتهم - بنفس الابتسامة الواسعة - إن أحدث الوسائل في الإبادة أفضل من أقدم الطرق في صناعة الخبز.ومروراً بساسة الاقتصاد الصناعي المتقدم فإنهم يخوضون الحروب الاقتصادية والتجارية بذات الوتيرة والبسمة التي يظهرها ساسة الاقتصاد اليابانيون وهم يرفضون بابتسامة عنيدة تحذيرات فرض الحظر التجاري الأمريكي من رجال الساسة الأمريكيين الذين يبتسمون أيضاً ولكن بغيظ وتسليم.وهي الابتسامة الرخيصة ذاتها التي تقابلك بها شفاه أصغر التجار حين تزداد (نيوب) بسمتهم بروزاً لدى كل ارتفاع بل وتكاد تتبدى بين أيديهم مخالب ومن رؤوسهم قرون مدببة.أما الابتسامة الحالمة البريئة الزاهدة فنال منها الجميع وتعرضت بغير ذنب لكل العمليات القيصرية من معظم الساسة والتجار.
البسمة العنيدة
أخبار متعلقة