[c1]الملحوظة الخامسة عشرة:[/c]قوله ص24: (فإنه إذا أقر -يعني المخالف للشيخ- أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله!! وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة ولكن أرادوا أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكره (من صلاتهم وصلاحهم بخلاف الكفار) فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الصالحين ومنهم من يدعو الأولياء...).أقول: الكفار لا يؤمنون ببعض الربوبية، ولا بالألوهية كلها، وهم يعبدون الأصنام ذاتها، ولم يقتصروا على الطلب (طلب الشفاعة فقط)، بل قولهم قالوه انقطاعاً لا اعتقاداً، أو أنه قول بعضهم فقط، لأنه ثبت عن بعضهم على الأقل أنهم يقولون بالدهر ولا يؤمنون بالبعث.أما المسلمون فإنهم لا يسجدون لأحد غير الله، ولا يعبدون إلا الله، وقد يجهل بعضهم أو يتأول بأن الصالحين من الأحياء والأموات، يجوز التوسل بهم وطلب شفاعتهم عند الله، وأنهم إن دعوا لهم فإنهم ينفعونهم بإذن الله لا استقلالاً عن إرادة الله[25] وهذا يختلف كثيراً عن هؤلاء الكفار.والحاصل أن التشابه بين الكفار والمسلمين المعاصرين -إن سلمنا به- أبعد بكثير من التشابه بين الخوارج واتباع الشيخ، فالتشابه بينهم من التكفير والتحليق واستحلال الدماء... الخ أكبر وأظهر.وحجة الخوارج على علي رضي الله عنه هي حجة الوهابية على مخالفيهم، فالخوارج قالوا بوجوب صرف الحكم كله لله (لا حكم إلا لله)!! وهي كلمة حق أريد بها باطل مثلما ظن الوهابية من قولهم (لا ذبح إلا لله ولا توسل إلا بالله ولا استغاثة إلا بالله.. الخ). فهذا حق من حيث الأصل لكن قد تكون هناك صور في التطبيق تخرج عن هذا الإطلاق، وأقل الأحوال أن تكون هناك ممارسة خاطئة للاطلاقات السابقة، فعلها البعض بتأويل أو جهل، فهذه الممارسة لا يكفر صاحبها إلا بعد ارتفاع موانع التكفير وقيام الحجة. [c1]الملحوظة السادسة عشرة:[/c]قال ص26: (فإن قال -يعني المخالف للشيخ- الكفار يريدون منهم (من الأصنام) وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر لا أريد إلا منه والصالحون ليس لهم من الأمر شيء ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم فالجواب: أن هذا قول الكفار سواءً بسواء!!)! .أقول: الذي يقول الكلام السابق لا يكفر، لأنه متأول أو جاهل، وكونه يتفق مع الكفار في جزئية يسيرة لا يعني مساواته بالكفار أو أن لهما الحكم نفسه[26].بمعنى لو أقسم أحد بغير الله، فقد شارك الكفار في جزئية يسيرة، لكن لا يكفر بسببها، فالشيخ غفل عن مثل هذه الدقائق، فوقع في تكفير المسلمين، فتركيز الشيخ على آية (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، التي هي حكاية عن انقطاعهم واعتذارهم الذي لا يصاحبه صدق نية، وإغفاله لبقية الآيات في وصف الكفار وعقائدهم، فيه نقص في استيفاء مواطن اختلاف الكفار عن المسلمين.ثم طلب الشفاعة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصالحين مع اعتقاد أنهم جميعاً عبيد الله، وأنهم لا يعطون شيئاً إلا بإذن الله، هذا كله ليس كالسجود للأصنام، وإن كان خطأً أو بدعة صغرى أو كبرى، ولذلك يستطيع مخالف الشيخ أن يلزمه تكفير شارب الخمر، لأنه لا يشربها إلا وهو يحبها والمحبة عبادة، وصرف شيء من المحبة لغير الله شرك وهكذا..وإن قلتم: نحن لا نعترض على محبة الصالحين وإنما نعترض على عبادتهم.قيل لكم: هؤلاء لا يعبدونهم وأنتم تسمون توسلهم بالصالحين عبادة وهم لا يقرون لكم بأن هذه عبادة ولهم أدلة في ذلك -على ضعفها- لكنها تمنع من تكفيرهم فهذا هو التأويل الذي ذكر العلماء أنه يمنع من التكفير.فإن قلتم: التوسل عبادة.قالوا: ما دليلكم على ذلك؟فإن قلتم: لم يفعله السلف؟قالوا: قد فعله عمر بن الخطاب بالعباس بن عبد المطلب.فإن قلتم: عمر توسل بالحي لا بالميت.قالوا: وهل تجوز عبادة الحي؟إن قلتم: لا؟قالوا: فلماذا تسمون (التوسل) عبادة؟! هذا دليل على أنكم تسمون الأشياء بغير اسمها.فإن قلتم: التوسل بالميت عبادة بخلاف الحي.قالوا لكم: ما دليلكم على التفريق؟فإن قلتم: دليلنا فعل الصحابة فإنهم فعلوا هذا ولم يفعلوا ذلك.قالوا لكم: -على التسليم لكم- فإنهم قد يتركون أمراً ولا يكون محرماً فضلاً عن كونه كفراً مخرجاً من الملة؟! ثم عندنا أدلة في توسل بعضهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ميتاً، كما في حديث عثمان بن حنيف المشهور.فإن قلتم: هذا عندنا ضعيف.قالوا لكم: وأكثر الأحاديث التي تستدلون بها هي عندنا ضعيفة، بل هي ضعيفة عند التحقيق، مثل حديث تقريب الذباب وحديث شرك آدم وحواء، وغيرها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة الموجودة في كتبكم.فإن قلتم: الأولى تجنب التوسل للشبهة والاختلاف.قالوا لكم: أولى من ذلك تجنب تكفير المسلمين وتفضيل كفار قريش عليهم لأن الأصل المتيقن هو الإسلام لا الشرك. فإن قلتم: التشديد لا بد منه ليهتدي المسلمون لدين الله ويحذروا تلك البدع والخرافات.قالوا لكم: والرد عليكم لا بد منه ليحذر طلاب العلم من الوقوع في تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم...فإن قلتم: تعالوا للتحاكم لكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وترك التقليد.قالوا لكم: مرحباً وأهلاً فقد قلنا لكم هذا من زمن طويل وأنتم ترفضون، و تستعدون علينا السلطات، ولم تنتهوا عن تكفير الأبرياء حتى كفر بعضكم بعضاً، و تظالمتم فعرفتم عندئذ مقدار ظلمكم لنا في الماضي، و تعرفتم على بعض ما كنا نستدل به في براءتنا من الكفر، لأنكم ذكرتم أدلة في الرد على من يكفركم كنا نكررها في الرد على تكفيركم لنا ، فاعتدالكم في الأزمنة الأخيرة للأسف كان لمصلحة أنفسكم و حمايتها لا حماية جانب الشريعة . [c1]الملحوظة السابعة عشرة:[/c]قوله ص33: (ولا يشفع -النبي صلى الله عليه وسلم- في أحد إلا من بعد أن يأذنه الله فيه كما قال عز وجل (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه)!!... ولا يأذن الله إلا لأهل التوحيد). .أقول: على هذا يمكن أن يقال ما قاله بعض المتحاورين مع الشيخ من أنه بناء على هذا الكلام فلن يدخل الجنة في زمن الشيخ إلا أهل العيينة وأهل الدرعية! ففي كلام الشيخ السابق تكفير ضمني لكل من يرى التوسل بالصالحين أو طلب الشفاعة منهم، وهم جمهور من علماء المسلمين وعامتهم في ذلك الوقت وفي زماننا أيضاً.وهنا أتذكر صدق كلمة قالها أحد معارضي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله عندما قال ما معناه: (النبي صلى الله عليه وسلم) أخبر أنه سيأتي مفاخراً بقومه يوم القيامة وعلى كلام هذا -يقصد الشيخ محمد- سيأتي نبينا (صلى الله عليه وسلم) وليس معه إلا نفر من أهل العيينة)!! .ونحن رددنا على هذه الكلمة يومها ونحن نضحك ولم ننتبه للوازم كلام الشيخ هنا عندما حرَّم الشفاعة على غير أتباعه الذين سماهم (الموحدين) بحجة أن غير هؤلاء ليسوا مسلمين (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه)! فالمسلمون في العالم الإسلامي -سوى أتباع الشيخ بنجد وملحقاتها- يكونون عند الشيخ قد ابتغوا غير دين الإسلام!.وهذا أمر في غاية التكفير والخطورة لأن العالم الإسلامي فيه هذه البدع والخرافات من زمن طويل، وفيه العلماء المتأولون والعوام الجهلة ولكن لا يجوز لنا أن نقول بكفرهم، فالذين أدركهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هم المسلمون أنفسهم الذين تباكينا عليهم من هجمات الصليبيين في الشام، وغزو المغول في المشرق، واضطهاد الفرنجة في الأندلس... أما على كلام الشيخ رحمه الله فلا داعي للبكاء لأن هؤلاء مشركون متبعون غير دين الإسلام فلماذا البكاء؟! وهذا التكفير لم يكن يوجد عند الشيخ ابن تيمية ــ مع أخطاء وقع فيها ـــ فقد كان ابن تيمية في زمن يشبه زمن الشيخ محمد من انتشار الجهل عند العوام وضعف العلماء في دعوة الناس إلى التوحيد الصافي، لكن ضعف هؤلاء وجهل هؤلاء لا يبيح لنا إلا وصفهم بالتقصير والجهل والإثم ويكفي ، أما أن نطلق عليهم الكفر، فالتكفير أمره عظيم وإخراج هذه الشعوب من دين الله أمره أشد وأعظم.بل إن بقايا الخوارج أنفسهم في الأزمنة المتأخرة لا أظن أنهم كفروا العوام أو استحلوا دماءهم، كما فعل الشيخ رحمه الله وأتباعه -بفتاوى منه- في العلماء والعوام.فسامحه الله وغفر له فقد زرع خيراً كثيراً لكن شابه شيء من الشر بدافع الحماس، فأما الخير فقضاؤه على كثير من البدع والخرافات لكنه بالغ حتى وصل للغلو المذموم.وبعض الإخوة يقول: كيف ننقد منهج الشيخ وبفضله -بعد فضل الله- كان هذا الوطن الإسلامي الكبير؟!.نقول: هذا لا شك فيه من المحاسن الكبرى للشيخ، وقد ذكرناها في المقدمة، ولن ينساها له المخلصون من الناس، فربما لولا دعوته وقتاله لسكان الجزيرة[27] لما توحدوا من الخليج إلى البحر الأحمر، ومن جنوب الشام إلى اليمن، لكن (جمال النتيجة لا يعني صحة المقدمات)، فالنتائج قد تكون جميلة مع بنائها على مقدمات ناقصة -وهذا يعرفه أهل المنطق وغيرهم-.فثورة الخميني مثلاً كانت نتيجتها جميلة من إزالة العلمانية التغريبية من دولة إيران، لكن هذه النتيجة لا يعني عدم نقد الخميني ومغالاته، وكذلك لو قام أحد الخوارج وكوَّن دولة فإن حسن النتيجة لا يعني صحة المنطلقات.وهذا أيضاً مثلما لو قام أحد الحكام بقتل السارق بدلاً من قطع يده، فلا بد أن تقل السرقة وعندئذٍ يأتي المثني على هذا الحاكم ليصف النتيجة الجميلة من قلة السرقة أو انعدامها...!! ولكن فعل الحاكم هنا كان خلاف النصوص الشرعية، ولا بد يوما ما أن يكون لفعله هذا آثار سلبية، لأن شريعة الله كاملة وليس فيها حكم شرعي إلا وهو وسط بين تطرفين. وكذلك لو قام أحد الحكام بقطع يد كل من قطع إشارة المرور أو تجاوز السرعة القانونية!! فلا بد أن ينضبط المرور وتنعدم الوفيات! في درجة تعجب منها الدول المتحضرة! ويأتي من يثني على نتائج هذا القرار!! وأنه كان قراراً حكيماً وأن الوفيات انخفضت من ستة آلاف في السنة إلى (15) وفاة فقط!! وقل عدد الجرحى والمعاقين من مائة ألف في السنة إلى 86 حالة فقط!!لكن ما رأيكم في شرعية هذا القرار شرعاً وقانوناً؟! وماذا سيسببه على المدى الطويل؟! الإجابة معروفة للعقلاء من علماء الشريعة وعلماء التاريخ والقانونيين.وكذلك قتال المسلمين لا يجوز لمجرد وجود بدع وخرافات، لأن القتال لا يجوز إلا بنص شرعي، أما بلا نص فارتكابه أسوأ من تلك البدع والخرافات.والشيخ محمد رحمه الله ربما لو لم يقاتل المسلمين، واكتفى بمراسلة العلماء يحثهم على الدعوة إلى الله، ربما لو فعل هذا لتجنبنا مآسي التكفير من ذلك الزمن إلى عصرنا هذا الذي يعتمد فيه المكفرون على فتاوى الشيخ وعلماء الدعوة في تكفير المسلمين.وإن كان سيد قطب رحمه الله قد بالغنا في نقده لأننا وجدنا في (متشابه) كلامه ما يوحي بالتكفير، فإن الشيخ محمد قد وجدنا التكفير في (صريح) كلامه لا متشابهه! فجعلنا سيد قطب كبش فداء لأنه ليس له أنصار عندنا وللشيخ أنصار! وهذا ليس من أخلاق طالب العلم الذي يقول الحق ولو على نفسه، ولا يحمل المسئولية الأبرياء.وهذا يدعونا لنقد عبارات الشيخ مع الاعتراف بفضله علينا، لكن الضرر في كتبه وإن رآه البعض يسيراً فإنه في الوقت نفسه خطير، والمشكلة الكبرى عندنا أن فتاوانا اليوم في التكفير تخالف الشيخ تماماً، لكننا نجبر الناس على الإيمان بفتاوى الشيخ التي تحمل توسعاً في التكفير، والإيمان بفتاوانا التي كان يراها الشيخ (إرجائية) والتي تتفق مع فتاوى خصوم الشيخ في الرد على التكفير!! وهذا جمع بين المتناقضات[28].ولو أننا قلنا: إن الشيخ اجتهد في التكفير فأخطأ لزال كل هذا التناقض، ولم ينقص دين ولا دنيا ولا مكانة، فالدين لا يهتز لتخطئة أمثال عمر وعلي رضي الله عنهما، فكيف يهتز لتخطئة ابن تيمية أو ابن القيم أو الشيخ محمد بن عبد الوهاب.وبيان أخطاء الشيخ محمد في هذا الجانب (جانب التكفير) مفيد وضروري، لأن المجتمع السعودي علماؤه وطلاب العلم فيه تربوا على فتاوى الشيخ وعلماء الدعوة الذين كانوا يميلون لتكفير المسلمين، ولابد أن يتأثر بعضهم بهذا الجانب، وقد رأينا فتاوى لبعضهم في الحكم بردة بعض الناس!.ومن قرأ كتاب (الدرر السنية) عرف هذا تماماً، بل في هذا الكتاب مجلدان كبيران بعنوان (الجهاد)، كلهما في جهاد المسلمين، وليس فيه حرف واحد في جهاد الكفار الأصليين من اليهود والنصارى، مع أن بلاد المسلمين المجاورة في الخليج والعراق والشام كان فيها كفار أصليون محتلون...وتبادل التكفير حصل بين علماء الدعوة أنفسهم عندما اختلف أولدا الأمير فيصل بن تركي (عبد الله وسعود) رحمهم الله، فكان مع كل أمير علماء يكفرون الطائفة الأخرى.فهذه (الفوضى التكفيرية) هي نتيجة طبيعية وحتمية من نتائج منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي توسع في التكفير، حتى وجدت كل طائفة في كلامه ما يؤيد وجهة نظرها.بل حركة الحرم وأصحاب التفجير في العليا ما هم إلا نتيجة لمنهج الشيخ في التكفير.صحيح أن الشيخ له فضله واجتهاده وعذره وحسناته على هذا الوطن، وهذا من أرجى ما نرجو له، لكن الحقيقة أن تكفير المسلمين واضح في كتبه رحمه الله، فلو رددنا هذا الخطأ واعترفنا به ما الذي يضيرنا؟! رجل من العلماء اجتهد فأخطأ فلماذا كل المحاربة لمن رد خطأ عالم من العلماء؟![c1]الملحوظةالثامنة عشرة:[/c] قوله ص36: (فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام فقل: وما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها فهذا يكذبه القرآن..) .أقول: عبادة الأصنام هي السجود لها والصلاة لها وطلب الحوائج منها مع الكفر بالنبوات.. وأما المسلم فلا يصلي لولي ولا نبي ويقر بأركان الإسلام وأركان الإيمان ويؤمن بالبعث و الحساب والجنة والنار.. الخ.ثم في كلام الشيخ تعميم عجيب عندما قال ص37: (الشرك هو فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها..) وذكر أنهم (يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون: إنه يقربنا إلى الله زلفى! ويدفع عنا ببركته..) ، وأنا أشك في وجود مثل هذه الصورة التي نقلها الشيخ، فهذا إن وجد نادر، أما طلب البركة من تربة قبور الصالحين ونحوها فهو إلى اليوم وهو بدعة وليس كفراً[29] فضلاً عن الشرك الأكبر المخرج من الملة لكل أهل تلك الجهة، بل كان الذهبي وبعض العلماء يجوزه فهل هم كفار؟ وما زال بعض العوام يفعلون هذا في مناطق مختلفة ولكن هذا لا يعني كفر الناس في تلك الجهات على أقل تقدير، بل لا تخلو منطقة من وجود أفراد يعتقدون في السحرة والكهان اعتقادات باطلة أو كفرية، لكن هذا لا يعني تكفير الناس الذين لا يفعلون هذا، وهم الكثرة مع أن الشيخ محمد رحمه الله كان يكفر كل أهل المنطقة التي يوجد بها مثل هذه الممارسات، بحجة أن من لم ينكر فهو كالفاعل.ويظهر من كلام الشيخ محمد أنه إن علم بحادثة في الحجاز أو عسير أو سدير عممها على أهل تلك الجهة كلها فيكفرهم ويقاتلهم.وهذه حجة من يرى أن الحركة سياسية بالدرجة الأولى، لأنه لا يعقل عند هؤلاء أن يظن الشيخ أن يكون أهل الحجاز على إجازة الذبح عند القبور والاستشفاع بأصحابها.. فهذا لن يكون إلا في أفراد، أما التبرك بالصالحين أو تربة قبورهم فهذه قد تكون عند بعض العلماء المتأولين. فلو كان الذهبي معاصراً للشيخ هل نرى وجوب قتله وتكفيره خاصة وأنه كان يرى التبرك بالصالحين وتربة قبورهم ؟! إذا قلتم نعم اطردتم وأصبحت خصومتكم مع غيرنا، وإن قلتم لا وافقتمونا بأن هذا الأمر لا يجوز فيه التكفير ولا القتال، نعم يمكن التخطئة والإنكار بلا تكفير ولا سيف. [c1]الملاحظة التاسعة عشرة:[/c]قوله ص39: (ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب). .أقول: هذا يتضمن تكفير المخالفين له في الرأي الذين لا تصح فيهم هذه التهمة أبداً ، فليس هناك مسلم على وجه الأرض يقول هذا القول وليس هناك مسلم يقرأ هذه الآية من كلام الكفار ثم يقول بمثل قولهم.[c1]الملحوظة العشرون:[/c]ويقول ص39: (فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا (الاعتقاد) هو الشرك الذي أنزل فيه القرآن وقاتل رسول الله (ص) الناس عليه فأعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين) .أقول: وهذا تكفير صريح للمسلمين في زمانه إلا من كان على منهجه لأنه لا يعرف كلمة (اعتقاد) ولا كتب الاعتقاد إلا الصفوة من علماء وطلبة علم فإذا كان هؤلاء أشد شركاً من كفار قريش فكيف بالباقين؟! وقد سبق الجواب على هذا كله.[c1]الملحوظة الحادية والعشرون:[/c]ويقول ص43: (الذين قاتلهم رسول الله (ص) أصح عقولاً وأخف شركاً من هؤلاء). أقول: هذا تكفير صريح.[c1] الملحوظة الثانية والعشرون:[/c]يقول ص43: (اعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا وهي من أعظم شبههم فأصغ بسمعك لجوابها وهي أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله ويكذبون الرسول وينكرون البعث ويكذبون القرآن ويجعلونه سحراً ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ونصدق القرآن ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم فكيف تجعلوننا مثل أولئك)؟!فيجاوب الشيخ قائلاً (فالجواب أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في شيء وكذبه في شيء أنه كافر! لم يدخل في الإسلام وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه! كمن أقر التوحيد وجحد وجوب الصلاة… - (ثم ذكر صوراً من هذا) -.. فإن كان الله قد صرح في كتابه أن من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض فهو الكافر حقاً وأنه يستحق ما ذكر زالت هذه الشبهة).أقول: كلام الشيخ عجيب فهنا فرق كبير بين المنكر لشيء مما جاء به الرسول متعمداً ممن ترك بعض ما جاء به الرسول (ص) متأولاً أو جاهلاً هذا أمر.الأمر الثاني: لم ينكر هؤلاء شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة كالأمثلة التي ضربها الشيخ من ترك الصلاة أو ترك الزكاة أو الحج أو الإيمان ببعض القرآن والكفر ببعض..الخ. الأمر الثالث: لو رجع الشيخ للكتب التي تناقش مسائل اختلاف العلماء ولعل أشهرها كتاب (رفع الملام) لابن تيمية رحمه الله لعرف عذر المخالفين فقد لا يثبت عندهم أمر ما أو نهي ما وعلى هذا فلا يجوز له والحالة هذه أن يقول: هم ينكرون ما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ لأنهم متأولون وليسوا منكرين، وهناك فرق كبير بين الإنكار المبني على المكابرة والتأويل العارض من دليل وشبهة، أو تركهم العمل بدليل يرون ضعفه، فهذا لا يعني أنهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض! أو آمنوا ببعض ما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ورفضوا بعضاً.وكذلك لم يراع الشيخ الجهل فالجهل بالشيء يمنع من إطلاق الكفر على الجاهل.وعلى منهج الشيخ يمكن للعلماء المختلفين أن يكفر بعضهم بعضاً بدعوى كل عالم أن الآخر أنكر شيئاً مما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)! وأنه بهذا كمن كذّب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جملة! وهكذا... بينما الصواب غير هذا فالطرف الآخر لا يقر لك بأنه ينكر شيئاً مما جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وإنما يقول لك: هذا لم يثبت عندي أو يقول: إنما معناه كذا أو يعارضه كذا... الخ[30].وكلام الشيخ السابق يدل على أنه لم يحرر مسألة (الأسماء والأحكام) تحريراً يحمي التطبيق، ولا موانع (موانع التكفير) كالجهل والتأويل والاضطرار… ولا يعترف إلا بالمكره، فعدم تحرير هذه المسائل والموانع لا ريب في أنه يوقع المتكلم في التكفير بكل سهولة[31]. ثم قاعدته تنطبق على كل طائفة من طوائف المسلمين وقد يرد عليكم مخالفوكم ويقولون: أول هؤلاء أنتم فأنتم تَكْفُرون ببعض الكتاب، كعصمة دم المسلم وعدم تكفيره فأنتم عند هؤلاء تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض!! وهكذا … و يستدلون على هذا بالواقع فيقولون : هذا التكفير والقتال منكم مازلنا نشاهد آثاره في هذه الأيام في كثير من الأقطار العربية.[c1]الملحوظة الثالثة والعشرون:[/c]قوله ص4: -وكرر نحو هذا ص57- (هؤلاء أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويصلون ويؤذنون فإن قالوا: إنهم يقولون إن مسيلمة نبي، قلنا: هذا هو المطلوب إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النبي (صلى الله عليه وسلم) كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابياً أو نبياً في مرتبة جبار السموات والأرض...)!! .أقول: هذا الكلام فيه عدة أوهام عجيبة:الأول: بنو حنيفة ارتدوا مطلقاً وآمنوا برجل زعموا أنه نبي وتركوا أوامر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأوامره عامدين. وهؤلاء يختلفون عن أناس لا يحبون الصالحين إلا لمحبة هؤلاء الصالحين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو هكذا يظنون، ولا يرفعون أحداً من الصالحين فوق رتبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يوصلونه لهذا فضلاً عن جعل أحد الصالحين في رتبة الله عز وجل، فهذا لم يقل به هؤلاء الناس مطلقاً ولم يقل به مسلم عاقل[32] على مر التاريخ.والشيخ يلزم بأشياء لا تلزم، وعلى منهجه يمكن تكفير من بحث عن رزقه عند فلان، أو حلف بالنبي (ص)، أو حلف بالكعبة، أو غلا في أحد من الصالحين أو غيرهم وهذا خطأ بلا شك.بل يمكن على هذا المنهج أن نكفر المغالين في الشيخ الذين لا يخطئونه ولا يقبلون نقده، الذين يحتجون بأنه أعلم بالشرع وقد يردون حديثاً صحيحاً أو آية كريمة.. وعلى هذا تأتي وتقول: هؤلاء رفعوا مقام الشيخ محمد إلى مقام النبوة أو الربوبية وعلى هذا فهم كفار مشركون... الخ. فهذا منهج خاطئ والمسائل العلمية لا تؤخذ بهذا التخاصم، بل لها طرق معروفة عند المنصفين من عقلاء المسلمين والكفار.[c1]الملحوظة الرابعة والعشرون:[/c]يقول ص49 وكرر نحو هذا ص58: (ويقال أيضاً الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار كلهم يدّعون الإسلام وهم من أصحاب علي وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما؟ فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم)؟!أقول: الذين حرقهم علي -إن صح التحريق ابتداءً[33]- هم مرتدون لا يدعون الإسلام كما ذكر الشيخ، ولم يصح ما اشتهر في كتب العقائد من أنهم كانوا يؤلهون علياً إنما صح في البخاري أنهم مرتدون أو زنادقة، (اللفظان وردا في البخاري)، وإن صحت الرواية التي فيها أنهم اعتقدوا في علي الألوهية، فالحجة على الشيخ أعظم لأنهم بهذا لا يدعون الإسلام، وإنما جعلوا علياً إلهاً وهذا كفر بإجماع المسلمين وبالنصوص الشرعية.ثم نرى الشيخ اختار أنهم (اعتقدوا في علي مثل اعتقاد الناس في شمسان..)!! وهذا لم يرد مطلقاً بمعنى لم يرد في روايات الذين حرقهم الإمام علي أنهم يغلون فيه فقط ذلك الغلو المقترن بالإقرار بأركان الإسلام!! وإنما تركوا الإسلام كله فهل يريد الشيخ أن يوهمنا أن هؤلاء الذين قتلهم الإمام علي كهؤلاء الصوفية الذين يخلطون عباداتهم بنوع من الغلو والتوسل بالصالحين وما إلى ذلك؟!.[c1] الملحوظة الخامسة والعشرون:[/c]أيضاً قوله ص50 عن الفاطميين (بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس.. فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين). .أقول: وهذا أيضاً غير صحيح فالحرب بين الأيوبيين والفاطميين حرب سياسية بحتة لا دخل للدين بها.وكانت البدع يومها في كل مكان في دولة بني العباس في العراق وتحت حكم صلاح الدين في مصر والشام وعند الفاطميين في مصر.. الخ كان الوضع في العالم الإسلامي يومها كالوضع في عهد الشيخ محمد تماماً!.وجاء صلاح الدين مدداً للفاطميين من آل زنكي ثم استولى، ولا بد أن يستخدم الفاطميون والأيوبيون الدين سلاحاً في المعركة كما يفعل حكام العرب اليوم فالأمر ليس فيه غرابة، لابد أن تظهر كل دولة أن حربها للآخرين دينية وليست سياسية حتى تستجيش معها الغوغاء، وقد بدأ استخدام الدين لخدمة السياسة من أيام الدولة الأموية، من عهد معاوية تحديداً.أما الفاطميون أو العبيديون، لا تهمني التسمية ، فلن يعدموا مدافعين عنهم وناشرين لفضائلهم، بل أسوأ الفاطميين وهو الحاكم بأمر الله الذي اتهم بالزندقة والكفر ومع ذلك فقد دافع عنه بعض العلماء والمؤرخين.[c1]الملحوظة السادسة والعشرون:[/c]وقوله ص51: عن (باب حكم المرتد) في كتب العلماء بأنهم ذكروا في ذلك أنواعاً كثيرة (كل نوع منها يكفر ويحل دم الرجل وماله حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه أو يذكرها على وجه المزاح..).أقول: ليس كل ما ذكره هؤلاء يكون صحيحاً هذا أمر، فقد ذكروا أشياء كثيرة بعضها ردة بالإجماع، وبعضها مختلف فيه، وبعضها ليس ردة عند الأكثر، ولم يتفقوا في ذكر تلك المسائل، كما أن المسائل التي ذكروها تختلف بحسب المسألة، وبحسب القائل من جهل أو تأويل أو إكراه أو اضطرار..الخ.الأمر الثاني: أن العلماء في عهد الشيخ يعرفون الأبواب الفقهية التي فيها حكم المرتد، ولم يقولوا بالاستباحة الجماعية للدماء والأموال، الذي يفتي به الشيخ هنا، وإنما يتم الحكم على الشخص بمفرده بعد قيام الحجة عليه.الأمر الثالث: أن الفقهاء عندما يحتجون على الشيخ بشيء مما ذكره الفقهاء في كتبهم يسارع إلى اتهامهم باتخاذ هؤلاء الفقهاء أرباباً من دون الله، وأن هذا عين الشرك!!أما الشيخ فإن علم عدة حالات معدودة في منطقة ما ألزم أهلها كلهم الردة واستحل دماءهم وأموالهم، بحجة أن تلك المنطقة بين ساكت ومرتد! فالمرتكب مرتد والساكت مرتد! وهذا يختلف تماماً عما ذكره الفقهاء تحت باب (حكم المرتد)، فإنهم لا يحكمون على المجموع بفعل البعض، بل بعضهم لا يقول هذا إلا من باب الترهيب والتحذير من الشيء، لكنه عند وجود الحالة يعذر بالجهل ويبين له ما يرفع هذا الجهل.فالحكم على القول أو الفعل بأنه ردة لا يعني الحكم على صاحب الفعل لاحتمال الجهل أو التأويل. فكيف بالحكم على منطقة كاملة فضلاً عن معظم العالم الإسلامي بفعل أفراد جهلة أو متأولين.[c1]الملحوظة السابعة والعشرون:[/c]ثم يقول الشيخ ص 51 ، 52 (الذين قال الله فيهم: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم..) أما سمعتَ أن الله كفرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يجاهدون معه ويصلون ويزكون ويحجون ويوحدون؟).أقول: أولاً: هؤلاء منافقون.ثانياً: لم يستحل النبي (صلى الله عليه وسلم) دماءهم ولا أموالهم ولم يقتلهم بل نهى عن ذلك، فهذا يخالف فعل الشيخ مع من حكم عليهم بالردة من المسلمين لا من المنافقين.[c1]الملحوظة الثامنة والعشرون:[/c]أيضاً قوله ص52: (وكذلك الذين قال الله فيهم (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ..الآية). يقول الشيخ-:(فهؤلاء الذين صرح الله أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك، قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح! فتأمل هذه الشبهة وهي قولهم: تكفرون المسلمين أناساً يشهدون أن لا إله إلا الله ويصلون ويصومون ثم تأمل جوابها فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق).أقول: أولاً: هم زعموا أنهم قالوها على سبيل المزح (إنما كنا نخوض ونلعب) بينما الواقع أنهم يستهزئون بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والاستهزاء به (صلى الله عليه وآله وسلم) استهزاء بالشريعة نفسها فهذا كفر وردة.ثانياً: لماذا يصدقهم الشيخ؟! عندما زعموا أنهم إنما فعلوا ذلك على سبيل المزح ؟! سبحان الله يكذبهم الله عز وجل في كتابه الكريم ويسميهم مستهزئين بالله وبآياته وبرسوله، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكذبهم في ذلك، ولا يقبل عذرهم، لأنه ليس صدقاً، ثم يأتي الشيخ رحمه الله فيقبل قولهم الذي كذبهم الله فيه ورسوله، فأصبح قولهم صادقاً عند الشيخ وأصبح كلام الله عز وجل ورسوله غير مقبول في تكذيبهم!.فانظر كيف أصبح كذب المنافقين مصدراً من مصادر العقيدة السلفية المعاصرة ؟!.[c1] الملحوظة التاسعة والعشرون:[/c] قوله ص53: (وقول ناس من الصحابة (اجعل لنا ذات أنواط..)؟!.أقول: هؤلاء الذين قالوها ليسوا من أصحاب الصحبة الخاصة (الشرعية)، وإنما هم الطلقاء قالوها يوم حنين وكانوا حديثي عهد بكفر.ثم في القصة دلالة على أن المجتمع لا يخلو من أناس يعتقدون الاعتقادات الباطلة، فهذا مجتمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيه من يعتقد مثل هذا كالطلقاء.. فهذا يدعو للرحمة بالناس وإرشادهم ولم يكفرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لجهلهم.[c1]الملحوظة الثلاثون:[/c]قول الشيخ ص63: (الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها كما قال تعالى في قصة موسى (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه..) وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب أو غيره في أشياء يقدر عليها المخلوق ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء أو في غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا الله.. وهذا جائز في الدنيا والآخرة وذلك أن تأتي عند رجل صالح حتى يجالسك ويسمع كلامك تقول له: أدع الله لي كما كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسألونه ذلك في حياته وأما بعد موته فحاشا وكلا...). .أقول: فما رأيك فيمن تأول بأن الاستغاثة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جائزة عند قبره لأن النبي حي في قبره؟!لا ريب أن من يرى هذا الرأي له جانب من تأويل بل لهم في ذلك حديث عثمان بن حنيف. ثم قد يأتي آخر ويقول لك: لماذا تذهب إلى رجل صالح وتطلب منه أن يدعو الله لك؟ لماذا لا تدعو الله مباشرة؟ أليس في هذا مشابهة لعمل الكفار في اتخاذ هؤلاء واسطة بينك وبين الله؟ ألم يقل الله (..فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان..)؟!!.وهكذا يمكن لآخر من الخصوم أو غلاة الأتباع أن يضيق عليك المخارج حتى يحكم عليك بالكفر مثلما ضيقت على الآخرين حتى كفرتهم.نعم يستطيع آخر أن يلزمك بما ألزمت به الآخرين فيقول لك: النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له خصوصية، وقد أمر الله المنافقين أن يأتوا إليه ليستغفر لهم، لأن إتيانهم إليه دليل ظاهري على التوبة، لكن بأي دليل تُدخل أنت (الرجلَ الصالحَ) وتجوّز أن يأتيه الرجل ويسأله أن يدعو له؟! هل شرَّع هذا الله في كتابه؟ أو قاله رسوله؟ أو جاء عن أحد من أصحابه؟. ولو كان هذا مشروعاً لنقل لنا لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله..الخ.ثم لماذا تقيد طلب الدعاء من الرجل الصالح (أن تأتي الرجل حتى تجالسه ويسمع كلامك)؟!فما الفرق بين هذا وبين من يوصي أحدهم إلى فلان أن يدعو الله له؟!والحاصل هنا أنه بمنهج الشيخ يستطيع المخالف له المتعنت أن يلزمه الكفر فإن أعتذر بأعذار جاز للآخر أن يعتذر بأعذار مماثلة.ونحن في هذا كله ندعو لإخلاص العبادة لله وترك التكفير.[c1]الملحوظةالحادية والثلاثون:[/c]ثم ختم الشيخ ص66 بمسألة (عظيمة) وهي (أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً..)!!أقول: وهذا فيه تقعيد لتكفير سائر المسلمين ممن لا يعرف الحقائق والإلزامات التي ذكرها الشيخ، وبهذا يستطيع أتباع الشيخ أن يختبروا الناس في عقائدهم عند كل بلدة يدخلونها أو يكاتبونها فإن وجدوا عندهم تحفظاً أو أخطاءً استحلوا قتالهم، لأنهم (غير مسلمين)!! بل إن الشيخ هنا أدخل الاختلال في العمل وعده من علامات الكفر! وعلى هذا يمكن بسهولة التكفير بالمعاصي؟! وبهذا وأمثاله اتهمه خصومه بأنه من الخوارج الذين يكفرون بالمعاصي. وموضوع الاختلال يختلف باختلاف المعصية لكن اختلال القلب لا يؤثر في الأحكام الدنيوية فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حكم بإسلام المنافقين في الظاهر، لكن عند الله لا بد من اللسان والقلب، أما الشيخ فلا يكتفي بإظهار المسلم للإسلام ونطقه بالشهادتين ولا يكتفي بصلاة ولا صوم ولا زكاة ولا حج ..الخ، وقد صرح بأنه يقاتل أناساً يصلون ويصومون ويحجون ويتصدقون ويشهدون الشهادتين!. ثم ما هو اختلال العمل؟ هل شرب الخمر والسرقة وغيرهما من الكبائر من اختلال العمل؟ هل فاعلها يخرج من الإسلام حسب ظاهر كلام الشيخ؟ إذن فلماذا ننكر على الخوارج تكفير أهل المعاصي؟ ولماذا ننكر على المعتزلة والزيدية القول بخلود أهل الكبائر في النار والمنزلة بين المنزلتين؟! ولماذا ننكر على الآخرين اتهامنا بالتوسع في التكفير والتقييد له؟![c1]الملحوظة الثانية والثلاثون:[/c]وقال الشيخ ص70: لم يستثن من الكفر (إلا المكره).أقول: وهذا القصر فيه نظر فإن المضطر والخائف والمتأول والجاهل لا يجوز تكفيرهم، وهذا يدل على أن الشيخ لا يعول كثيراً على مسألة الأسماء والأحكام، فقد أهمل أبرز موانع التكفير، كالتأويل والجهل.أما احتجاجه بأن الله لم يستثن إلا المكره في قوله تعالى: (إلا من أكره) فهذا نعم في هذه الآية أما في غيرها من الآيات والأحاديث الصحيحة فهناك معذورون آخرون غير المكره[34].وهذه من عيوب الشيخ فهو يعتمد على آية واحدة أو حديث واحد ويترك ما سواه فهذا خلل علمي، فقد يأتي آخر ويقول لم يحرم الله عز وجل إلا ثلاث محرمات في قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله).فيقول: وعلى هذا فليس هناك أمور أخرى محرمة كالخمر والسرقة والزنا !! هكذا قد يقول وينسى أن الله حرم الخمر والسرقة والزنا وغيرها في نصوص أخرى، وأن الآية السابقة خاصة بالأطعمة.[c1]تحرير محل الخلاف :[/c]معظم الخلاف بين الشيخ و مخالفيه يكمن في تركيزه على النظرية وتركيزهم على النتائج .وخصوم الشيخ ليسوا من العوام بل هم خاصة أهل ذلك الزمان باعتراف الشيخ الدرر السنية (2/62).فخصوم الشيخ مثلاً يتهمونه بأنه ينكر الشفاعة ويرد عليهم بأنه لا ينكر الشفاعة لكنه في الوقت نفسه يحصر الشفاعة لأتباعه الذين يسميهم (الموحدين)! ويصرح بأن الشفاعة ليس إلا للمسلمين -يعني من كان على رأيه-.فهم أخطؤوا في اتهامه بإنكار الشفاعة وهو أخطأ بحصرها في اتباعه فهم ينظرون للنتيجة وهو يبقيهم في المقدمات.وكذلك يقولون: أنت تكفر المسلمين وهو يقسم أنه لا يكفر المسلمين، وسر المسألة أنهم يرون النتيجة من تكفيره لهم ولأتباعهم لكنه يعتمد على المقدمة بأنهم ليسوا مسلمين فالمسلمون الذين لا يكفرهم هم الموحدون وهذه التسمية الأخيرة لا يسلمون له بها[35].وهكذا معظم ما يدندن حوله الشيخ وخصومه أن كل طرف متمسك بجانب فهو يتمسك بالمقدمة وهم يعترضون على النتائج، فلذلك لم يحدث تفاهم ولا تحرير موطن الخلاف و قد لا يتم مادام هناك غلاة من الطرفين كل واحد في طرف.وهذا يشبه ما يجري بين السنة والشيعة من اتهام السنة للشيعة بتكفير الصحابة والشيعة يقولون نحن لا نكفر الصحابة، فإذا نقلت لهم من كتبهم ما يدل على ذلك قالوا: هؤلاء ليسوا من الصحابة هؤلاء مرتدون!! والمرتد ليس صحابياً على منهجنا ومنهجكم!! فأنتم تشترطون في الصحابي بأنه (يموت على الإسلام) وهؤلاء ماتوا على غير الإسلام فهم خارج النزاع!ولا تصح تهمتكم لنا.. وهكذا يدور المتخاصمون في حلقة مفرغة لأنهم لم يحرروا موقع الخلاف. --------------------[c1]هوامش:[/c][25] حتى غلاة الصوفية الذين يجوزون أن الولي يحيي الموتى - مع بطلان هذا القول- لا يقولون بأن الولي يفعل هذا استقلالاً عن الله!! وكذا غلاة الشيعة الذين يقولون بالولاية التكوينية للأئمة وأن ذرات الكون تخضع لهم لا يقولون بأن هذا يحدث استقلالاً عن إرادة الله، وإنما يزعم الغلاة من الصوفية والشيعة بأن الله منح الأولياء والأئمة القدرة على هذا بإذن الله مثلما منح بعض الأنبياء كعيسى عليه السلام القدرة على الخلق من الطين كهيئة الطير وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص لكن بإذن الله . ومثلما منح بعض الأولياء كصاحب سليمان القدرة أن يأتي بعرش بلقيس في لحظة كل هذا بإذن الله، فهذه الأقوال مع بطلانها لا يعيدونها إلا لقدرة الله وإذنه وتقديره ومنحه بعض الخصائص لعباده من أنبياء وأولياء ولهم في ذلك أقوال ومؤلفات واستدلالات عجيبة تركوا فيها قطعي الأدلة لمظنونها مع تعسف في الاستدلال مثل عملنا في التكفير مع فارق في نسبة الخطأ. [26] علماً بأننا نأخذ أقوال هؤلاء من الشيخ نفسه وهو خصم لهم، فمؤلفات العلماء الذين ردوا عليه لا يقرون بمثل هذه النقولات لكننا نناقش تلك الأقوال على افتراض صحتها إلى قائليها.[27] مع تأكيدنا بأن هؤلاء السكان مسلمون وليسوا كفاراً ولا عبدة أصنام.[28] أقصد أن فتاوى العلماء المعاصرين ترد على شبه التكفير بحجج خصوم الشيخ نفسها التي كانوا يردون بها على الشيخ، ومن أوضح ذلك مسألة الحاكمية ومسألة الحكم بغير ما أنزل الله.[29] بل الذهبي يرى جواز ذلك.[30] كإنكار ابن أبي ذئب على الإمام مالك في رد حديث (المتبايعان بالخيار) قال: يستتاب وإلا ضربت عنقه؟! بحجة أنه رد الحديث أو ترك شيئاً مما أتى به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا ضيق أفق من ابن أبي ذئب رحمه الله لأن الإمام مالك لن يترك الحديث إلا لعلة يراها أو نسخ أو نحوه، رحم الله الاثنين. [31] يمكن مراجعة ما كتبه الشيخ ابن باز والعلامة الألباني في هذا الموضوع.[32] تحرزاً من بعض غلاة الشيعة وبعض غلاة الصوفية.[33] قصة تحريقهم أحياء انفرد بها عكرمة مولى ابن عباس ولم يشهد القصة وإنما ذكر أن الخبر بلغ سيده ابن عباس بلاغاً فقال لو كنت أنا لقتلتهم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه) والحديث في البخاري من طريقين عن عكرمة ولم يخرجه مسلم، وقد رواه عكرمة بلاغاً ولم يكن بالكوفة وإنما كان بالبصرة مع مولاه ابن عباس ولعل الخبر وصلهم مشوهاً، أما روايات شهود العيان فذكرت أن القوم مرتدون وأن علياً قتلهم ولم يحرقهم ثم بعد قتلهم خدد لهم أخاديد وألقاهم فيها ودخن عليهم زيادة في التنكيل والترهيب من عملهم لأنهم لبثوا يأخذون عطاء المسلمين وهم مرتدون فترة من الزمن، ولعل هذا التدخين عليهم هو الذي أوهم بعض المشاهدين أنه أحرقهم وإلا فالإمام علي نفسه من أحرص الناس ألا يعذب بالنار خاصة وأنه من رواة حديث (لا يعذب بالنار إلا رب النار) ولم يصح أن صحابياً حرق أحياء إلا ما كان من أبي بكر الصديق رضي الله عنه من تحريقه المرتد الفجاءة السلمي -علماً بأن الشيخ محمد يزعم أن الفجاءة هذا كان قائماً بأركان الإسلام!!- وكان الفجاءة قد قام بأعمال قبيحة في الردة، وحرق خالد بن الوليد في الردة لكن خالداً رضي الله عنه ليس من أصحاب الصحبة الشرعية وهو صاحب مجازفات تبرأ من بعضها الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته كما في قصة بني جذيمة، ولا يعد خالد من المجتهدين إنما هو صاحب سيف وترس وليس صاحب علم وفقه رضي الله عنه وسامحه، وقد توسعت في ذكر طرق أحاديث وروايات التحريق في الجزء الأول من الرد على ابن تيمية رحمه الله. [34] توسعت في ذكر هذه الموانع وأدلتها في كتاب (التكفير والتفجير - أسباب وحلول) وهو ما كان قد سبق نشره في ثلاث مقالات مطولة بعنوان: (رسالة إلى أخي عبد العزيز المعثم) نشرت في صحيفة (الرياض) بداية عام 1417هـ، لكن الكتاب لم يطبع إلى الآن. [35] انظر على سبيل المثال قوله -في الدرر السنية(1/63)- مدافعاً عن نفسه من تهمة تكفير المسلمين قال : فإن قال قائلهم ـــ يقصد معارضي الشيخ ــ : إنهم يكفرون بالعموم!فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم!- لكن الشيخ يكمل بما يؤكد التهمة بقوله-: الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفر أهل التوحيد ويسميهم الخوارج!.أقول: إذن فالخلاف يكاد يكون لفظياً فقط، فتكفير الخصوم بسبب تسميتهم للوهابية خوارج لا يجوز، بل لو قام الخصم بتكفيرنا لا يجوز لنا تكفيره، وهذا منهج الصحابة أنهم لا يكفرون من كفرهم، وقد قرر الشيخ هذا في مكان آخر فيعد هذا من التناقضات. [c1]---------------------------* مفكر إسلامي سعودي[/c]
|
دراسات
مـحـمـد بن عبـد الوهــــاب داعية ولـيس نبياً (3-3)
أخبار متعلقة