ابداعات
في أحد الأيام، وفي موعدها المعتاد، خرجت الشمس في الصباح الباكر لتنير وجه الأرض بأشعتها الذهبية.. لكنّ نورها كان ضعيفاً باهتاً ليس كمثل كل يوم من أيام الصيف المشرقة..لاحظ صبي صغير يدعى سالم أنّ الشمس لا تشرق ساطعة كعادتها.. فسألها دون أنْ ينظر إليها مباشرة، لأنّه يعلم أنّ النظر إلى الشمس يضرّ بعينيه.. قائلاً: أيتها الشمس المحبوبة.. ما لي أراك اليوم حزينة مهمومة ولست كعادتك كل يوم نشيطة زاهية اللون؟ هل أنت مريضة؟ تنهدت الشمس تنهيدة عميقة.. ثمّ التفتت إلى سالم وقالت: آهٍ يا صديقي العزيز.. ماذا أقول لك! اليوم قبل أنْ أخرج إلى الدنيا اليوم صباحاً لأنير التلال والصحارى والسهول والجبال والمدن والقرى... تأمّلت نفسي وقلت: إلى متى أستمر على هذه الحال.. لقد تعبت.. كل يوم احترق واحترق.. تتفجر على رأسي البراكين لكي أنير الأرض.. وأنا أحترق وأذوب من أجل الآخرين.. ولا أحد يشعر بي ويقدّرني.. لقد أصابني اليأس..! وبدأت أشعر بالمرض والإحباط والشيخوخة.. كم أتمنى أن تنطفيء أنواري الساطعة.. وتهدأ براكيني الثائرة المشتعلة لأعيش بأمان وسلام وراحة وهدوء بال..نظر الصبي الذكي من حوله.. وتأمّل أشعّة الشّمس الضعيفة المنسكبة على الأرض بخمول وبؤس.. وشعر في نفسه بتأثر بالغ من كلام الشمس التي يحبها..
وقال لها: يا حبيبتي الشمس.. أيّتها النور البديع، من قال لك إنّنا لا نقدرك؟! كلّ الناس يعرفون قيمتك.. وقد كتبوا لك وعنك قصائد وقصصاً وحكايات.. والله تعالى ذكرك في كتابه العزيز مرات ومرات.. ويكفي أنّه سبحانه وتعالى أقسم بك في سورة حملت اسم (الشمس) قائلاً: (والشمس وضحاها..).. وقد ورد اسمك صريحا في القرآن الكريم نحو 35 مرة، منها 33 مرة باسمك (الشمس) ومرتان بصفتك، سراج مرة، وسراج وهاج مرة أخرى.. وهناك آيات كريمة كثيرة تتحدث عن الضوء والنور، وآيات تذكر النجم والنجوم. وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (يونس:5).اهتزت الشمس وهي تسمع كلام الله تعالى... وصار نورها يتوهج.. فقال الصبي: ألا يكفيك هذا يا عزيزتي فخراً وعزاً.... كما إنك تسبحين في الفضاء الرحب دون انقطاع، والله تعالى يقول في كتابه العزيز: (والشمس تجري لمستقر لها).. ثم توقف الصبي عن الكلام قليلاً يتأمل هذه الآية البديعة ثم قال: أنا أحبك يا شمسي العزيزة.. وتأكدي أنّ كلّ الناس يحبونك.. ألا تذكرين قصتك الشهيرة (يؤخذ باللين ما لا يؤخذ بالشدة)، ونقاشك مع الريح الذي راهنك على قدرته على خطف المعطف من صاحبه بقوة الريح الشديدة.. لكن الريح لم تتمكن من ذلك.. لأنّ الريح كلما اشتدت كان صاحب المعطف يشدّ معطفه إلى جسمه.. غير أنّك وبحرارة بسيطة، جعلت الرجل يخلع معطفه.. وفي هذه القصة البسيطة تعلّمنا منك أمثولة كبيرة..
