سقطت انظمة عملاقة , ونهضت انظمة بغيضة اخرى .. اندلعت حروب ومعارك وحرائق, وتهاوت رايات وقيم وافكار..مرت السنون علينا بصخبها وغضبها وضجيجها فألقت على مفارقنا الشيب وتراب ايامنا المحترقة .. وها نحن نخرج من حريق السنين والازمنة محلقين من جديد مفعمين بالحيوية والجدية, متمسكين ومتشبثين بالحرية وممسكين بالقلم بشدة وكأنا نمسك به للمرة الاولى, غير آبهين او متهيبين بما نحن فيه من ألم وقهر وحيرة.لقد اطبقت علينا الانظمة الثورية والقبلية والعائلية على حد سواء, وخيرونا فيما نكتب بين المصادرة والمسايرة .. ونحن لانمتلك سوى هذه الاصابع المتوترة المرتعشة وذاك الوهم العجيب بأننا حملة رسالة واصحاب رأي ودعاة تغيير.لقد خيرونا بين ان نعتمد (عطايا) النظام ونفرط بكلمة الصدق والحق حين ينبغي المجاهرة بها وقولها بصوت عال, وان لحقنا بعض العنت والاذى, او ضاق بنا المتسلطون .. او علينا ان نذهب الى الحائط ونكسر رؤوسنا فيه!..الصحافة اكتشاف انساني عظيم لكشف ستر الحقائق والتعبير عن الوقائع والاحداث والافكار وابعاد اغطية الكذب والدعاية السوداء عن اعين الناس .. والكتابة محاولة انسانية رائعة لقهر الشر ودحر الرداءة والتصدي الواثق لاعداء العقل وخصوم التأمل والذوق.هل تعلمون ؟! كان عالمنا العربي منذ ولادته الحديثة يطمح الى تحقيق امرين هما : الديمقراطية والتحديث .. وها هي الانظمة (الوطنية) سارت وتسير بنا عكس هذين الطريقين . .واصبح المجتمع العربي غريب الشأن, قلة تستحوذ على الثروة وعامة تزرع وتقلع وتدعو الله ان يصلح الاحوال.واقعنا البائس حاضرا .. وحياتنا التي تزداد تدهورا يوما عن يوم .. وهامش الحرية الذي يضيق حد الاختناق ّّ ذلك كله يدفعنا للقول ان الاستمرار في الكتابة, وثبات الموقف عن الكاتب امور يجب عدم النظر اليها وكأنها سهلة التحقيق او تحصيل حاصل خصوصا في اوضاعنا الحالية .. بل هي في تقديري تحتاج صفات معينة ومقدرة خاصة يستطيع الكاتب من خلالها السيطرة على الظروف بدلا من التأثير فيها, لهذا كثيرا ما نسأل انفسنا هذه الايام . .هل استطاعت الصحافة والكتابة التصدي للبذاءة وان تجعل حياتنا اكثر جمالا واقل قبحا يا ترى هل تفعل؟!.أين منا صورة العالم الذي كنا نحلم به ونتطلع اليه في الخمسينات .. وتحقق الشئ اليسير منه في الستينات .. ياترى اين .. نعم اين؟!.والله انها ثمينة حرية الفكر وقدسية التعبير الطليق ولهذا نجد اعداءها يتقنون كل الاتقان اقامة المعوقات والمثبطات امام تلك الحرية وتلك القدسية .. وها هو زمن المماليك يطل علينا من جديد يخيطون وينسجون الانظمة والقوانين (المكيفة) لقمع حرية التعبير ومنع انتشار الثقافة الانسانية الرفيعة والتسامح الفكري.بسبب الذي ذكرنا سلفا لم تزل قضية حرية الصحافة .. قضية ساخنة في عالمنا العربي تئن فيها العقول والاقلام .. علما ان غالبية البلاد العربية اقرت تلك الحرية في دساتيرها, واكدت حرصها على تلك الحرية في نصوص قانونية ظلت دوما اسيرة الالفاظ ولم تلامس حراك الحياة وشغب الواقع وحركة المجتمع .. يا ترى لماذا؟يقول جورج بوردو في كتابه (الحريات العامة) :" ليس يكفي اعلان حرية ما لتحقيق تطبيقاتها فعلا.. وحتى تتم هذه الحرية في الحياة الاجتماعية لابد من تحديد محتواها .. وتحديد شروطها .. وتحديد الشروط القانونية التي تغير بها عن نفسها".وهكذا لم تزل القضية ساخنة.سعيد صالح بامكريد
|
ثقافة
ماالذي تفعله الكلمة والصحافة
أخبار متعلقة